(الصفحة 672)
ولكن يرد عليه أنّه لا دليل على لزوم تحقّق الموت بالصلب بعد كونه قسيماً للقتل على القول بالتخيير ، كما أنّه يرد عليه أنّ الحكم بلزوم تغسيله بعد نزوله كما في المرسلة شاهد على عدم لزوم إدامة الصلب إلى أن يموت ، وإلاّ كان اللازم تقديم غسله على الصلب ، كما في نظائره من الحدود المنتهية إلى القتل ، حيث إنّ اللازم فيها تقديم الغسل كما في الرجم ونحوه ، فالحكم بلزوم التغسيل بعده في المرسلة شاهد على أنّ الصلب قد ينتهي إلى القتل وقد لا ينتهي إليه ، ولأجله لا مجال للتقديم .
كما أنّه يرد على صاحبي المسالك والكشف أنّه لا دليل على الإجهاز عليه بعد الصلب في تلك المدّة ونزوله حيّاً ، خصوصاً مع ملاحظة كون الصلب قسيماً للقتل لا أنّه من أفراده ; ولأجله استشكل في كلا القولين في المتن ، وإن كان يمكن أن يقال بأنّ مراده من القول الثاني الذي استشكل فيه أيضاً هو التصرّف في كيفيّة الصلب وجعله بنحو يموت به ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة ، حيث تكون كيفيّة الصلب ملازمة لتحقّق الموت ، بخلاف الصلب المتداول في تلك الأزمنة وفي زمن نزول الآية الشريفة .
ووجه الإشكال فيه أنّه لا دليل على جواز هذا النحو من الصلب بعد عدم تحقّقه في زمان نزول الحكم ، خصوصاً مع كونه قسيماً للقتل لا أنّه أحد أفراده .
ثمّ الظاهر أنّ المراد من ثلاثة أيّام المذكورة في الروايات هو ثلاثة أيّام بلياليها فتدخل الليلة الأخيرة أيضاً ; لاستعمال كلمة «اليوم» في اليوم واللّيلة كثيراً في الكتاب والسنّة ، والشاهد له في المقام الرواية الاُولى للسكوني المتقدّمة الدالّة على أنّه (عليه السلام) أنزله في اليوم الرابع ، مع أنّه في صورة التلفيق لا مجال للإشكال في الدخول .
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما عن المسالك من أنّ المعتبر من الأيّام ، النهار دون
(الصفحة 673)مسألة 10 : إذا نفي المحارب عن بلده إلى بلد آخر ، يكتب الوالي إلى كلّ بلد يأوى إليه بالمنع عن مؤاكلته ومعاشرته ومبايعته ومناكحته ومشاورته ، والأحوط أن لا يكون أقلّ من سنة وإن تاب ، ولو لم يتب استمرّ النفي إلى أن يتوب ، ولو أراد بلاد الشرك يمنع منها ، قالوا : وإن مكّنوه من دخولها قوتلوا حتى يخرجوه1.
الليل . نعم ، تدخل الليلتان المتوسّطتان تبعاً(1) .
كما أنّه لا خفاء في أنّ مبدأ الأيّام هو الصلب دون الموت ، ولا وجه لتوهّم الخلاف ; بناءً على كون الصلب واقعاً في حال الحياة كما لا يخفى .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة من جهات :
الاُولى : في المراد من النفي من الأرض الواقع في الآية ، ويظهر من الفقهاء في ذلك أقوال :
أحدها : ما ذكره الشيخ(قدس سره) في المبسوط ، قال في كتاب قطّاع الطريق بناءً على كون المراد بالمحارب في الآية هو قاطع الطريق : «وإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ، والقتل ينحتم عليهم ، ولا يجوز العفو عنهم ، وإنّما يكون منحتماً إذا كان قصده من القتل أخذ المال ، وأمّا إن قتل رجلا لغير هذا فالقود واجب غير منحتم ، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، فمتى ارتكبوا شيئاً من هذا نفوا من الأرض ، ونفيهم أن يتبعهم أينما حلّوا كان في طلبهم ، فإذا قدر عليهم أقام عليهم الحدود التي ذكرناها ـ إلى أن قال بعد أسطر :ـ
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 17.
(الصفحة 674)
وأمّا قوله تعالى :
{أَوْ يُنفَواْ مِنَ الأَرْضِ}(1) معناه : إذا وقع منهم في المحاربة ما يوجب شيئاً من هذه العقوبات يتبعهم الإمام أبداً حتّى يجده ، ولا يدعه يقرّ في مكان ، هذا هو النفي من الأرض عندنا ، وعند قوم : المنفيّ من قدر عليه بعد أن يشهر السلاح وقبل أن يعمل شيئاً ، والنفي عنده الحبس ، والأوّل مذهبنا(2) .
وظاهره أنّ المراد من النفي هو أن يتبع المحارب الوالي الحاكم حتّى يجده ، ويجري عليه ما يستحقّه من العقوبات الثلاثة ، وليس هو عقوبة مستقلّة في رديف سائر العقوبات ، ومن الواضح كونه خلاف ظاهر الآية ، وأنّه لا يجتمع مع كلمة «أو» الواقعة في الآية ، بل إنّما يلائم مع كلمة «الواو» .
ثانيها : ما يظهر من محكيّ الصدوق في الفقيه من أنّ المراد به هو الغرق في البحر ، حيث قال: «ينبغي أن يكون نفياً شبيهاً بالصلب والقتل تثقل رجلاه ويرمى في البحر»(3) .
ثالثها : ما حكاه الشيخ في عبارته المتقدّمة عن قوم من أنّ المراد به الحبس .
رابعها : ما أشار إليه ابن سعيد في محكيّ الجامع ، قال : نفي من الأرض بأن يغرق على قول ، أو يحبس على آخر ، أو ينفى من بلاد الإسلام سنةً حتّى يتوب ، وكوتبوا أنّه منفيّ محارب فلا تئووه ولا تعاملوه ، فإن آووه قوتلوا(4) . ومرجعه إلى كون المراد هو النفي من بلاد الإسلام وإخراجه إلى بلاد الكفر .
خامسها : ما ذكره بعض الأعلام من أنّ المراد من النفي من الأرض أن لا يسمح
- (1) سورة المائدة 5: 33.
- (2) المبسوط: 8 / 48.
- (3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 68.
- (4) الجامع للشرائع: 241 ـ 242.
(الصفحة 675)
للمحارب بالاستقرار في مكان ، ولم يكن له مقرّ يستقرّ فيه ، نظراً إلى إطلاق الأرض في الآية الشريفة وعدم التقييد بأرض الإسلام ، مضافاً إلى أنّ بلاد المسلمين حين نزول الآية المباركة كانت قليلة جدّاً ، ولا يمكن تقييد الأرض في الآية بها ; لأنّه مستلزم لتخصيص الأكثر(1) .
سادسها : ما هو المشهور من أنّ المراد هو النفي من الأرض التي وقعت فيها المحاربة الموجبة للحدّ وإخراجه منها إلى غيرها ، ولا يلزم أن يكون الغير مشخّصاً، وهذا هو الظاهر من الآية الشريفة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الباب .
وأمّا الروايات ، فإثنتان منها ظاهرتان في النفي من بلاد الإسلام كلّها ، وهما :
موثّقة أبي بصير قال : سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو؟ قال : ينفى من بلاد الإسلام كلّها ، فإن قدر عليه في شيء من أرض الإسلام قتل ، ولا أمان له حتّى يلحق بأرض الشرك(2) .
وموثّقة بكير بن أعين ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا نفى أحداًمن أهل الإسلام نفاه إلى أقرب بلد من أهل الشرك إلى الإسلام ، فنظر في ذلك فكانت الديلم أقرب أهل الشرك إلى الإسلام(3) .
ولكنّهما ـ مضافاً إلى أنّه لا ظهور فيهما في كون المراد هو نفي المحارب ، ويمكن أن يكون المراد نفي غيره ، وإلى الإضمار في الاُولى ـ لم يعمل بهما غير ابن سعيد فيما أشار إليه في عبارته المتقدّمة ، فهما معرض عنهما لدى المشهور كما هو ظاهر .
وواحدة منها مشعرة بما ذكره الصدوق في الفقيه ، وهي :
- (1) مباني تكملة المنهاج: 1 / 323.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 540، أبواب حدّ المحارب ب4 ح7.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 540، أبواب حدّ المحارب ب4 ح6.
(الصفحة 676)
رواية عبدالله بن طلحة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ :
{إِنَّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَاداً}(1) الآية ، هذا نفي المحاربة غير هذا النفي ، قال : يحكم عليه الحاكم بقدر ما عمل وينفى ، ويحمل في البحر ثمّ يقذف به ، لو كان النفي من بلد إلى بلد ، كأن يكون إخراجه من بلد إلى بلد عدل القتل والصلب والقطع ، ولكن يكون حدّاً يوافق القطع والصلب(2) . ولا يخفى اضطراب متن الرواية جدّاً .
وروايات ظاهرة في أنّ المراد هو ما عليه المشهور ، مثل :
رواية عبيدالله المدائني ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث المحارب ، قال : قلت : كيف ينفى وما حدّ نفيه؟ قال : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره ، ويكتب إلى أهل ذلك المصر أنّه منفيّ فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه ، فيفعل ذلك به سنة ، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتّى تتمّ السنة ، قلت : فإن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها ؟ قال : إن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها(3) .
قال في الوسائل بعد نقل الرواية : ورواه أيضاً عن إسحاق المدائني ، عن أبي الحسن (عليه السلام) نحوه ، إلاّ أنّه قال : فقال له الرجل : فإن أتى أرض الشرك فدخلها؟ قال : يضرب عنقه إن أراد الدخول في أرض الشرك(4) . وقال فيها أيضاً : وعنه ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن سليمان ، عن عبيد الله بن إسحاق ،
- (1) سورة المائدة: 5 / 33.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 540، أبواب حدّ المحارب ب4 ح5.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 539، أبواب حدّ المحارب ب4 ح2.
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 539، أبواب حدّ المحارب ب4 ح3.