(الصفحة 447)
أنّه لا يروي فيه إلاّ عن ثقات الأصحاب(1) ، وإلى أنّ الصدوق مع تضعيفه كتابه وإنكاره كونه له كما عرفت قد روى في الفقيه رواية عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي(2) مع التزامه في ديباجته أن لا يورد فيه إلاّ ما كان حجّة بينه وبين الله تعالى(3) .
وهذا ممّا يوجب الترديد في نسبة التضعيف والإنكار إليه ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ من جملة الأفراد التي وقعت في سند رواية كامل الزيارات ، المنتهية إلى زيد النرسي هو عليّ بن بابويه والد الصدوق وشيخ القمييّن ، الذي خاطبه الإمام العسكري (عليه السلام) في توقيعه بقوله : «يا شيخي ومعتمدي»(4) فإنّه كيف يمكن الجمع بين رواية الوالد عنه وبين اعتقاد الولد كونه موضوعاً .
ويمكن المناقشة في جميع ما ذكر ، فإنّ ثبوت الأصل له لا يستفاد منه الوثاقة بوجه ; لعدم ظهور هذا العنوان في المعنى المذكور ، ويحتمل قويّاً ـ تبعاً للماتن دام ظلّه(5) ـ أن يكون الأصل قسماً من الكتاب وقسيماً للمصنّف ; نظراً إلى أنّ الأصل عبارة عن الكتاب الموضوع لنقل الحديث ، سواء كان مسموعاً عن الإمام (عليه السلام) بلا واسطة أو معها ، وسواء كان مأخوذاً من كتاب واصل آخر أم لا ، وسواء كان معتمداً أم لا . وأمّا المصنّف فهو عبارة عن كتاب موضوع لغير نقل الحديث كالتاريخ والتفسير والرجال والكلام وغيرها ، والشاهد عليه مقابلة المصنّف
- (1) كامل الزيارات: 37.
- (2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 207 ح5480.
- (3) من لا يحضره الفقيه: 1 / 3.
- (4) لؤلؤة البحرين: 384.
- (5) كتاب الطهارة للإمام الخميني: 3 / 266.
(الصفحة 448)
بالأصول في كثير من العبارات ، وجعل كليهما قسمين من الكتاب في بعضها ، وقول بعضهم في عدّة من الموارد : له أصل معتمد .
وبالجملة : لم يظهر كون المراد بالأصل ما ذكر .
وأمّا كون ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، فلابدّ من بيان المراد من معقد هذا الإجماع المعروف ، فنقول :
الأصل في دعوى الإجماع هو الكشي في رجاله ، حيث قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام)وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خرّبوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل ابن يسار ، ومحمّد بن مسلم الطائي . قالوا : وأفقه الستة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي : أبو بصير المرادي ; وهو ليث بن البختري(1) .
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه ، من دون أولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم ، ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان . قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه ـ يعني ثعلبة بن ميمون ـ أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج ، وهم أحداث أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام)(2) .
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام) : أجمع
- (1) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 238 رقم 431.
- (2) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 375 رقم 705.
(الصفحة 449)
أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم ، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستّة نفر آخر دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) ، منهم : يونس بن عبدالرحمن ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبدالله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر . وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن عليّ بن فضّال وفضالة بن أيّوب ، وقال بعضهم مكان فضالة بن أيّوب : عثمان بن عيسى . وأفقه هؤلاء يونس بن عبدالرحمن وصفوان بن يحيى(1) .
وقد استفاد جماعة من هذه العبارات صحّة كلّ حديث رواه أحد هؤلاء إذا صحّ السند إليه ، حتّى إذا كانت روايته عمّن هو معروف بالفسق ، فضلا عمّا إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل ، أو كانت الرواية مرسلة ، ومن هذه الجماعة صاحب الوسائل في الفائدة السابعة من خاتمة كتابه ، قال : وناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده قرينة قطعيّة على ثبوت كلّ حديث رواه واحد من المذكورين مرسلا أو مسنداً عن ثقة ، أو ضعيف أو مجهول ; لإطلاق النصّ والإجماع كما ترى(2) .
هذا ، والظاهر أنّه لا مجال لهذه الاستفادة ; لأنّ مفاد العبارة الاُولى مجرّد إجماع العصابة على تصديق الستّة المذكورين أوّلا ، والانقياد لهم بالفقه والتصديق لا يلازم الإغماض عمّن روى عنه من جهة الفسق والجهالة والإرسال ; لأنّ مرجعه إلى عدم كون الستّة متّهمين بالكذب في نقلهم وروايتهم ، وأين هذا من صحّة
- (1) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 556 رقم 1050.
- (2) وسائل الشيعة: 20 / 80 ـ 81.
(الصفحة 450)
الرواية التي رووها ، وإن كان الواسطة بينهم وبين المعصوم غير واجد لشرط الاعتماد والحجيّة .
وأمّا العبارتان الأخيرتان المشتملتان على تصحيح ما يصحّ عنهم ، فالظاهر عدم كون المراد بهما أمراً زائداً على ما هو مفاد العبارة الاُولى ، بحيث كان مرجعهما ظاهراً إلى ثبوت مزيّة زائدة لغير الستّة الأوّلين ، مع تصريحه بوقوعهم في الدرجة العليا والمرتبة الأولى ، بل المراد منهما ما هو مفاد الأولى خصوصاً مع إضافة التصديق بعدهما ، ولا مجال للتنزّل في مقام المدح والمزيّة بذكر عدم الاتّهام بالكذب بالإضافة إلى أنفسهم بعد الحكم بتصديق من رووا عنه أيضاً ، كما لا يخفى .
والإنصاف أنّه لا يستفاد من عبارة معقد الإجماع إلاّ مجرّد كونهم صادقين في النقل غير متّهمين بالكذب ، والغرض من نقل الإجماع ثبوت الامتياز لهم بكونهم مورداً للاتّفاق على الوثاقة والاعتماد .
هذا ، ولو فرض كون معقد الإجماع صحّة ما يصحّ عنهم مطلقاً ، ولو كانت الواسطة فاقدة لبعض الخصوصيّات المعتبرة ، فنقول : هذا من مصاديق الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وقد قرّر في الأصول عدم حجيّته ، فلا يمكن لنا الاستفادة من هذا الإجماع بوجه . هذا كلّه فيما يتعلّق بمحمّد بن أبي عمير من جهة كونه من أصحاب الإجماع .
وأمّا من جهة أنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة ، فنقول : الأصل في ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي(قدس سره) في كتاب «العدّة» في البحث عن حجيّة خبر الواحد ، قال : وإذا كان أحد الراويين مُسنِداً والآخر مرسِلا نظر في حال المرسِل ، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسِل إلاّ عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن
(الصفحة 451)
محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنَّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم(1) . وحكي الحكم بهذه التسوية أيضاً عن النجاشي في ترجمة محمّد بن أبي عمير ، وذكر أنّ سببها ضياع كتبه وهلاكها(2) .
أقول : هل مراد الشيخ(قدس سره) من هذا الكلام إثبات مزيّة زائدة لهؤلاء غير كونهم من أصحاب الإجماع؟ أو أنّ مراده بيان منشأ الإجماع المذكور ؟ وعليه فالحكم لا يختصّ بالثلاثة المذكورين ، بل يعمّ غيرهم من سائر أصحاب الإجماع .
فإن كان مراده الثاني ، نظراً إلى زعمه أنّ منشأ الإجماع هو عدم رواية أصحابه إلاّ عن ثقة موثوق به ، فقد عرفت أنّ المزيّة الحاصلة بسبب الإجماع لا تتجاوز عن أشخاصهم ولا تسري إلى غيرهم ، وليس الإجماع ناظراً إلى حال من يروون عنه أصلا .
وإن كان مراده الأوّل ، فيدفعه ـ مضافاً إلى استلزامه ثبوت الترجيح لمثل محمّد ابن أبي عمير على مثل زرارة ، وهو ممّا لا يمكن الإلتزام به أصلا ـ أنّه من أين علم أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عن ثقة؟ فإن كان المنشأ هو تصريحهم بذلك فلا مانع منه ، ولكنّه لا إشعار في كلامه بذلك ولا في كلام غيره أصلا ، ولم ينقل عن أحدهم ذلك ، وإن كان المنشأ هو التتبّع فيمن يروون عنه فهو لا يدلّ إلاّ على وثاقة من يروون عنه مسنداً ، وأمّا من رووا عنه بنحو الإرسال فكيف يمكن إستفادة وثاقتهم مع الجهل بهم؟ هذا مع غمض النظر عن ثبوت رواية هؤلاء عن الضعفاء في موارد حكي عن الشيخ نفسه ذكر جملة منها(3) ، وإلاّ فلا مجال لما ذكر في
- (1) عدّة الاُصول: 1 / 154.
- (2) رجال النجاشي: 316 رقم 887.
- (3) يراجع معجم رجال الحديث لسيّدنا الاُستاذ (قدس سره): 1 / 64 ـ 68 و72.