(الصفحة 152)
7ـ الكسائي الكوفي(1) ، واختلف في تاريخ موته ، وأرّخه غير واحد من العلماء والحفّاظ سنة 189 ، وله راويان بغير واسطة ، هما : الليث بن خالد ، وحفص بن عمر .
وأ مّا الثلاثة المتمِّمة للعشرة :
1ـ خلف بن هشام البزّار(2) ، الذي هو أحد الراويين عن حمزة الكوفي ، ولد سنة 150 ، ومات سنة 229 ، وله راويان ، هما : إسحاق ، وإدريس .
2ـ يعقوب بن إسحاق(3) ، مات في ذي الحجّة سنة 205 ، وله ثمان وثمانون سنة ، وله راويان ، هما : رويس ، وروح .
3ـ أبو جعفر يزيد بن القعقاع(4) ، مات بالمدينة سنة 130 ، وله راويان ، هما : عيسى ، وابن جماز .
إذا عرفت ما ذكرنا نقول : إنّ المراد بتواتر القراءات السبع أو العشر ، إن كان هو التواتر عن مشايخها وقرّائها ، بحيث كان إسناد كلّ قراءة إلى شيخها وقارئها ثابتاً بنحو اليقين الحاصل من إخبار جماعة يمتنع عادةً تواطؤهم على الكذب ، وتوافقهم على خلاف الواقع ، وكان هذا الوصف موجوداً في جميع الطبقات ; لوجود الوسائط المتعدّدة ، على ما عرفت من تاريخ حياتهم ومماتهم ، ومن الواضح أ نّ التواتر في مثل هذا الخبر لابدّ وأن تكون رواته في جميع الطبقات كذلك ، أي كانوا جماعة يستحيل
- (1) هو: أبو الحسن عليّ بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي الكوفي المقرئ النحوي ، المشهور بـ «الكسائي» ، طبقات القرّاء: 1 / 149 ـ 157 ، الرقم 65 .
(2) هو: أبو محمّد خلف بن هشام بن ثعلب ـ وقيل: ابن طالب بن غراب ـ البغدادي ، البزّار المقرئ ، طبقات القرّاء: 1 / 245 ـ 248 ، الرقم 139 . (3) هو: أبو محمّد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبدالله بن أبي إسحاق مولى الحضرميّين ، مقرئ البصرة في عصره ، طبقات القرّاء: 1 / 175 ـ 178 ، الرقم 79 .
(4) هو: أبو جعفر يزيد بن قعقاع القارئ المدني . طبقات القرّاء: 1 / 49 ـ 53 ، الرقم 29 .
(الصفحة 153)
عادة اتّفاقهم على الكذب ، فالجواب عنه أمران :
الأوّل : أ نّك عرفت في تراجمهم أ نّ لكلّ من القرّاء السبع أو العشر راويين رويا قراءته من دون واسطة أو معها ، ومن المعلوم أ نّه لا يتحقّق التواتر بمثل ذلك ، ولو ثبتت وثاقتهما ، فضلاً عمّا إذا لم تثبت الوثاقة كما في بعض الرواة عنهم .
الثاني : أ نّه على تقدير ثبوت قراءة كلّ منهم بنحو التواتر عنهم ، فهذا لايترتّب عليه أثر ، ولا فائدة فيه بالإضافة إلينا ; ضرورة أنّهم ليسوا ممّن يكون قوله حجّة علينا ، ولا دليل على اعتبار قولهم أصلاً ، كما هو أوضح من أن يخفى .
وإن كان المراد بتواتر القراءات ، هو التواتر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، كما هو الظاهر من قولهم ; بحيث كان المراد أ نّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) بنفسه الشريفة قرأ على وفق تلك القراءات المختلفة ; بمعنى أ نّه قرأ على طبق قراءة عبدالله بن عامر مثلاً مرّة ، وعلى وفق قراءة عبدالله بن كثير تارةً اُخرى ، وهكذا ، وكان ذلك ثابتاً بنحو التواتر عنه (صلى الله عليه وآله) ، فيردّه اُمور :
الأوّل : ما عرفت من عدم ثبوت تلك القراءات عن مشايخها وقرّائها بنحو التواتر ، فضلاً عن ثبوتها عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) كذلك .
الثاني : أ نّه على تقدير ثبوتها بنحو التواتر عنهم ـ أي عن المشايخ والقرّاءـ فاتّصال أسانيد القراءات بهم أنفسهم ، أو انقطاعها مع الوصول إليهم ، بداهة انتهاء السند إلى الشيخ والقارئ في كلّ قراءة اجتهاديّة ، وعدم التجاوز عنه إلى غيره يمنع عن تحقّق التواتر ; إمّا لأجل انقطاع السند ، وعدم التجاوز عن الشيخ إلى مَن قبله ، وإمّا لأجل أ نّه يلزم في تحقّق التواتر اتّصاف الرواة في جميع الطبقات بكونهم ممّن يمتنع عادةً تواطؤهم على الكذب ، وإخبارهم خلاف الواقع ، وفي رتبة القرّاء أنفسهم لا يكون هذا الشرط بمتحقّق أصلاً ; لأ نّه في هذه الرتبة لا يكون الراوي إلاّ واحداً ، أو هو الشيخ والقارئ وحده ، فلا يبقى حينئذ مجال لاتّصاف القراءات
(الصفحة 154)
بالتواتر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، كما هو المفروض .
الثالث : استدلال كلّ واحد منهم واحتجاجه في مقام ترجيح قراءته على قراءة غيره وإعراضه عن قراءة غيره ، مع أنّه لو كانت بأجمعها متواترة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يحتجّ إلى الاحتجاج ، ولم يكن وجه للإعراض عن قراءة غيره ، بل لم يكن وجه لترجيح قراءته على قراءة الغير ورجحانها عليها ; فإنّه بعد ثبوت أ نّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قرأ على وفقها جميعاً ، لا يكون مجال للمقايسة ، ولا يبقى موقع لاحتمال رجحان بعضها على الآخر أصلاً ، كما هو واضح لا يخفى .
الرابع : إضافة هذه القراءات إلى خصوص مشايخها وقرّائها ; فإنّه على تقدير كونها ثابتة بنحو التواتر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، الذي نزل عليه الوحي ; لما كان وجه لإضافة هذه القراءات إلى هؤلاء الأشخاص ، بل كان اللاّزم إضافة الجميع إلى الواسطة بين الخلق والخالق ، ومن نزل عليه كلام الله المجيد ، بل اللاّزم الإضافة إلى الله تبارك وتعالى ; لأنّ قراءة النبي(صلى الله عليه وآله) لم تكن من عند نفسه ، بل حكاية لما هو في الواقع ، ووحي يوحى إليه .
وبالتالي لا يكون لهؤلاء القرّاء على هذا التقدير المفروض امتياز ، وجهة اختصاص موجبة للإضافة إليهم دون غيرهم ، ومجرّد وقوعهم في طريق النقل المتواتر لا يوجب لهم مزيّة وخصوصيّة ، واختيار كلّ واحد منهم لقراءة خاصّة ـ مع أنّه لم يكن له وجه ، كما عرفت في الأمر الثالث ـ لايصحّح الإسناد والإضافة أصلاً ، فلابدّ من أن يكون لهذه الإضافة وجه وسبب ، وليس ذلك إلاّ مدخليّة اجتهادهم واستنباطهم في قراءتهم .
وبالجملة : نفس إضافة القراءات إلى مشايخها ، دون من نزل عليه الوحي ، دليل قطعيّ على عدم ثبوتها بنحو التواتر عنه (صلى الله عليه وآله) ، وإلاّ فلا مجال لهذا الإسناد وهذه الإضافة .
(الصفحة 155)
الخامس : شهادة غير واحد من المحقّقين من أعلام أهل السنّة على عدم تواتر القراءات ، وإنكار بعضهم على جملة من القراءات والإيراد عليها ، وعلى فرض صدق التواتر وتحقّقه مع شرائطه ، لا يرى وجه للاعتراض والإيراد على شيء من القراءات ، وهل هو حينئذ إلاّ إيراد على النبيّ (صلى الله عليه وآله) واعتراض عليه ، نعوذ بالله منه ؟! .
ولا بأس بنقل كلمات بعض الأعلام ممّن صرّح بعدم تواتر القراءات :
1ـ ابن الجزري ـ الذي وصفه السيوطي في «الإتقان» بأنّه شيخ مشايخ القرّاء في زمانه ، وأ نّه أحسن من تكلّم في هذا المقام (1) ، قال ـ على ما حكي عنه ـ : «كلّ قراءة وافقت العربيّة ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً ، وصحّ سندها ، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها ، ولا يحلّ إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، ووجب على الناس قبولها ; سواء كانت عن الأ ئـمّة السبعة ، أم عن العشرة ، أم عن غيرهم من الأ ئـمّة المقبولين ، ومتى اختلّ ركن من هذه الأركان الثلاثة اُطلق عليها ضعيفة ، أو شاذّة ، أو باطلة ; سواء كانت عن السبعة ، أم عمّن هو أكبر منهم .
هذا هو الصحيح عند أئمّة التحقيق من السلف والخلف ، صرّح بذلك الدانيّ ، ومكّي ، والمهدويّ ، وأبو شامة ، وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه»(2) وقد نقل بقيّة كلامه الطويل أيضاً السيوطي في الإتقان ، ثمّ وصفه بأنّه «أتقن هذا الفصل جدّاً»(3) .
2 ـ أبو شامة في كتابه «المرشد الوجيز» قال ـ على ما حكاه عنه ابن الجزري في ذيل كلامه المتقدّم ـ : «فلا ينبغي أن يُغترّ بكلّ قراءة تُعزى إلى أحد الأ ئـمّة
- (1 ، 2) النشر في القراءات العشر: 1 / 9 ، الإتقان في علوم القرآن : 1 / 258 ، النوع 22 ـ 27 .
(3) الإتقان في علوم القرآن: 1 / 264 ، النوع 22 ـ 27 .
(الصفحة 156)
السبعة ، ويطلق عليها لفظ الصحّة ، وأ نّها هكذا اُنزلت ، إلاّ إذا دخلت في ذلك الضابط ، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنّف عن غيره ، ولا يختصّ ذلك بنقلها عنهم ، بل إن نقلت عن غيرهم من القرّاء ، فذلك لا يخرجها عن الصحّة ; فإنّ الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف ، لا عمّن تنسب إليه ; فإنّ القراءات المنسوبة إلى كلّ قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذّ ، غير أنّ هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم ، تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم»(1) .
3ـ الزركشي ، حيث قال : «إنّ التحقيق أنّ القراءات السبع متواترة عن الأ ئـمّة السبعة ، أ مّا تواترها عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ففيه نظر ; فإنّ إسناد الأئمّـة السبعة بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات ; وهي نقل الواحد عن الواحد»(2) .
ومن الغريب بعد ذلك ما وقع من بعض الاُصوليّين(3) ، وكذا بعض من أعلام فقهاء الشيعة الإماميّة كالشهيدين (قدس سرهما) في محكيّ «الذكرى»(4) و«روض الجنان»(5)من دعوى تواتر القراءات السبع .
قال في الثاني ـ بعد نقل الشهرة من المتأخّرين وشهادة الشهيد على ذلك ـ : «ولا يقصر ذلك عن ثبوت الإجماع بخبر الواحد فتجوز القراءة بها ، مع أنّ بعض محقّقي القرّاء من المتأخّرين أفرد كتاباً في أسماء الرجال الذين نقلوها في كلّ طبقة ،
- (1) النشر في القراءات العشر لابن الجزريّ : 1 / 9ـ 10 ، الإتقان في علوم القرآن : 1 / 258 / 259 . النوع 22 ـ 27 .
(2) البرهان في علوم القرآن للزركشي 1 : 319 ، النوع الثاني عشر .
(3) قوانين الاُصول: 1 / 406 ، مفاتيح الاُصول: 322 ، مناهج الأحكام والاُصول: 153 ، المقصد الثالث في الأدلّة الشرعيّة ، الفصل الأوّل . فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم): 1 / 157 .
(4) ذكرى الشيعة: 3 / 304 ـ 305 .
(5) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: 2 / 700 .