(الصفحة 131)
1 ـ التاج في قدم العالم .
2 ـ الزمرّدة في إبطال الرسالة .
3 ـ نعت الحكمة في الاعتراض بالبارئ ـ تبارك وتعالى ـ من جهة تكليفه للعباد .
4 ـ الدامغ في الطعن على نظم القرآن .
5 ـ قضيب الذهب في حدوث علم البارئ .
6 ـ الفريد في الطعن على النبيّ .
7 ـ المرجان في اختلاف أهل الإسلام(1) .
وحكي أنّه قد نقض على أكثر كتبه ، وردّه أبو الحسين الخيّاط وأبو علي الجبائي ، هذا حال الرجل في محيط العامّة (2) .
وأمّا أصحابنا ، فقد ذكر المحدِّث القمّي(قدس سره) في كتاب «الكنى والألقاب» الرجل ، ووصفه بالعالم المقدّم المشهور ، له مقالة في علم الكلام ، وله مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام ، وله من الكتب المصنّفة نحو من مائة وأربعة عشر كتاباً . قال : «وكان عند الجمهور يرمى بالزندقة والإلحاد» ، وحكى عن الروضات أ نّه قال : وعن ابن شهرآشوب في كتابه «المعالم» : أنّ ابن الراوندي هذا مطعون عليه جدّاً ، ولكنّه ذكر السيِّد الأجلّ المرتضى في كتابه «الشافي في الإمامة» أ نّه إنّما عمل الكتب التي قد شنع بها عليه مغالطة للمعتزلة ; ليبيّن لهم عن استقصاء نقصانها ، وكان يتبرّأ منها تبرّأ ظاهراً ، وينتحي من علمها وتصنيفها إلى غيره ، وله كتب سداد ، مثل كتاب الإمامة ، والعروس ، ثمّ قال : ساق صاحب الروضات الكلام في ترجمته ، وفي آخره أ نّ صاحب رياض العلماء قال : ظنّي أنّ السيّد المرتضى نصّ
- (1 ، 2) رسالة الغفران : 232 ، المنتظم: 13 / 108 ، الوافي بالوفيات: 8 / 233ـ 234 .
(الصفحة 132)
على تشيّعه وحسن عقيدته في مطاوي الشافي أو غيره»(1) انتهى .
ومن ذلك يظهر أنّ رمي الجمهور له بالزندقة والإلحاد إنّما كان لأجل استبصاره واتّباعه لمذهب الحقّ ، واختياره التشيّع والعقيدة الصحيحة ; ولذا طعنوا عليه بأنّ اختياره لذلك إنّما هو لأجل أ نّه لم يجد فرقة من فرق الاُمّة تقبله ، تلويحاً بأنّه ليست الشيعة من فرق الاُمّة الإسلاميّة ، والحكم هو العقل والوجدان ، والحاكم هو الدليل والبرهان .
8 ـ كاتب رسالة «حسن الإيجاز»(2)
وهو كُتيِّب صدر من المطبعة الانجليزيّة الأمريكيّة ببولاق مصر سنة 1912 الميلاديّة ; فإنّه ذكر في رسالته أ نّه يمكن معارضة القرآن بمثله ، وأتى بهذا العنوان جملاً اقتبسها من القرآن ، مع تغيير بعض ألفاظه ، وحذف بعض آخر ، مثل ما ذكر في معارضة سورة الكوثر من قوله : «إنّا أعطيناك الجواهر ، فصلِّ لربِّك وجاهر ، ولا تعتمد قول ساحر»، وما ذكر في معارضة سورة الفاتحة من قوله : «الحمد للرحمن ، ربّ الأكوان ، الملك الديّان ، لك العبادة وبك المستعان ، إهدنا صراط الإيمان» وزعم أنّ هذا القول واف لجميع مقاصد سورة الفاتحة ، ويمتاز عنها بكونه أخصر منها .
أقول : لابدّ قبل المقايسة بين جمله ـ التي أتعب بها نفسه ، مع كونها مقتبسة من الكتاب ـ وبين السورتين من بيان معنى المعارضة ، وتعليم هذا الكاتب الجاهل وهدايته إلى حقيقة هذه اللفظة ، وتوضيح مفهومها ، وأ نّ المألوف في معارضة كلام
- (1) الكنى والألقاب : 1 / 287 ـ 288 ، روضات الجنات: 1 / 193 ـ 195 ، معالم العلماء : 144 ، الرقم 1007 ، الشافي: 1 / 87 .
(2) لم نعثر عليها. نعم، ذكر بعض ما جاء فيها في البيان في تفسير القران: 95 ـ 101 وأجاب عنه.
(الصفحة 133)
من نثر أو نظم ماذا؟ أفيصدق معنى معارضة الشعر مثلاً ، بأن يأتي المعارض بذلك الشعر ، مع تغيير في بعض ألفاظه بوضع لفظ آخر يتّحد معناه معه مكانه ، فإذا كانت حقيقة المعارضة متحقّقة بذلك ، فلا يكون من له أدنى اطّلاع من لغة ذلك الشعر عاجزاً عن الشعر والإتيان بالمعارض ، وإن لم يكن له القريحة الخاصّة الشعريّة الباعثة له على ذلك بوجه أصلاً ، بحيث لا يكاد يقدر على الإتيان ببيت من عند نفسه .
وهل تكون المعارضة مع الكاتب بتبديل بعض الألفاظ ، وحذف البعض الآخر ؟! فإذن تكون معارضة كلّ كلام بهذه المثابة ممكنة جدّاً ، أكانت المعارضة بهذا النحو غير مقدورة لمعاصري نزول الكتاب من الفصحاء البارعين ، والبلغاء المتبحِّرين ؟!
وكان مضيّ أكثر من ثلاثة عشر قرناً من حين النزول لازماً لأن يعلو مستوى العلم ويدرج البشر مراتب الكمال ; ليظهر كاتب هذه الرسالة ، ويقدر على الإتيان بالمعارض بمثل ما ذكر ، بعدما لم يكن في تلك القرون من كان قادراً على الإتيان بمثله ، وإذا كان الأمر كذلك فكان ينبغي له ادّعاء النبوّة والتحدّي بما أتى به من الكلمات ; لأ نّ المفروض عدم قدرة غيره على الإتيان بمثله ، وإلاّ لأتى به .
فمتى ينزل البشر عن مركب الهوى والعصبيّة المهلكة ؟! ومتى يُلقي زمام اُمور عقائده وأفعاله على العقل السليم ؟! ومتى ينكشف له أ نّ إضلال الناس بما لا يعتقد به من أشدّ المعاصي وأعظم الجرائم ؟! وممّا لا يعفى عنه ، ويغضّ منه ، ولكنّ الأسف ـ كماله ـ من جهل الناس ، وبعدهم عن الحقائق ، وتخيّلهم أنّ مثل كاتب الرسالة ممّن له حظّ وافر من العلم ، ولا يقصد من نشر رسالته إلاّ نشر العلم ، وكشف الحقيقة ، مع أنّه من الواضح كون مثله أجيراً لعمّال الاستعمار ، ناشراً لأفكارهم السخيفة ، ونواياهم السيّئة التي لا تنتهي إلاّ إلى خذلان المسلمين ،
(الصفحة 134)
وتضعيف عقائدهم ، ونهب أموالهم ، والتسلّط عليهم ، كما هو ظاهر .
ولعمري ، أ نّ مثل ذلك ممّا يوجب الطمأنينة للنفس بأنّ البشر مع ادّعائه السير الكمالي والرقى العلمي ، لا يكون إلاّ في القوس النزولي ، والسير الانحطاطي ، فإنّ العرب في الجاهليّة ـ مع شدّة تعصّبهم ، وبعدهم عن الحقائق والمدنيّة ـ قد عرفوا حقيقة المعارضة ، واعترفوا بعجزهم عن الإتيان بما يماثل القرآن ، مع كون امتيازهم في ذلك العصر من حيث البلاغة والفصاحة فقط ; فلذا آمن به بعض ، وقال غيره : ( إِنْ هَـذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ) (1) .
وأ مّا في هذا العصر ، فلا معرفة لمثل الكاتب بهذه الحقيقة ، فتراه يأتي بمثل ما ذكر بعنوان المعارضة ، ويفتخر بهذا المبلغ العلمي ، وهذه الدرجة من الإدراك .
وبالجملة : فمعنى المعارضة الراجعة إلى الإتيان بما في عرض الكلام الأوّل ، وفي رتبته ودرجته عبارة عن الإتيان بكلام مستقلّ في جهاته الراجعة إلى ألفاظه وتركيبه واُسلوبه ، ومع ذلك كان متّحداً مع الكلام الأوّل في جهة من الجهات ، أو غرض من الأغراض ، وهذا المعنى لا يكون موجوداً في الجمل المذكورة .
مع أنّه سرق قوله في معارضة سورة الكوثر من مسيلمة الكذّاب الذي يقول : «إنّا أعطيناك الجواهر ، فصلِّ لربّك وهاجر ، إنّ شانئك هو الكافر»(2) وكم من المماثلة والسنخية بين السارق والمسروق منه ، من جهة اعتقاد كليهما ببطلان مدّعاهما ، ووقوعهما مغلوبين لهوى النفس وحبّ الجاه ، والطمع في مطامع الدنيا الزائلة غير الباقية ، والغفلة عن عالم الآخرة ، والعقوبات المعدّة لمضلّي النّاس .
وأ مّا المقايسة بين ما ذكره ، وبين الكتاب الذي لا يقايس عليه شيء ، وليس كمثله كتاب .
- (1) سورة المدّثر 74 : 24 .
(2) البرهان في علوم القرآن: 2 / 93 .
(الصفحة 135)
فنقول : إنّ تبديل كلمة ( الكوثر) بلفظ «الجواهر» ممّا لا مسوّغ له ; فإنّ إعطاء الجواهر التي هي من شؤون هذه الدنيا الدنيّة وزخرفها ، ومن الاُمور المادّية المحضة لا يتناسب مع التأكيد والإتيان بكلمة «إنّ» ثمّ الإسناد إلى ضمير الجمع ; فإنّ العطيّة الإلهيّة والعناية الربّانيّة لا تلائم هذا النحو من الذكر ، والتعبير الكاشف عن العظمة والأهمّية إذا كانت من الاُمور المادّية الفانية غير الباقية ، وهذا بخلاف لفظ «الكوثر» الذي معناه هو الخير الكثير العامّ الشامل للجهات الدنيويّة والأخرويّة معاً ، أ مّا في الدنيا ، فشرف الرسالة والهداية والزعامة وكثرة الذرّيّة من البضعة الطاهرة (عليها السلام) إلى يوم القيامة ، الموجبة لبقاء الاسم ، وعدم النسيان ما دامت الدنيا باقية . وأ مّا في الآخرة ، فلا تعدّ ولا تحصى من الشفاعة والجنان وحوض الكوثر ، وغيرها من نعم الله تعالى .
ثمّ ما المناسبة بين إعطاء الجواهر وبين إيجاب الصلاة المتفرّع عليه ؟ فإنّ الصلاة ـ التي هي معراج المؤمن ، وعمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردَّ ما سواها ، وهي التي أثرها النهي عن الفحشاء والمنكر ، وهي التي تناسب مقام التقوى ، وتكون قربان كلّ تقيّ ، وهي التي خير موضوع من شاء استقلّ ، ومن شاء استكثر(1) ـ لا ملاءمة بينها وبين إعطاء الجواهر التي هي من النعم الدنيّة الفانية ، وهذا بخلاف ترتّب الصلاة على الكوثر بالمعنى الذي عرفت ; فإنّ شدّة الملاءمة بين الأمرين ، وكمال المناسبة بين المعنيين غير خفيّ ، كما أنّ ترتّب النحر بناءً على أن يكون المراد به هو النحر بمنى ، أو نحر الأضحية في الأضحى واضحة .
ضرورة أنّ ذلك إنّما هو لأجل كون الكمال النفساني كما يتوقّف على الخضوع في مقابل الرب ، والخشوع دونه ، كذلك يتوقّف على صرف المال الذي هو الغاية
- (1) اُنظر وسائل الشيعة: 4 / 33 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، ب 8 ح 6 و ص 43 ـ 44 ب 12 ح 1 و 2 ، و ج 5 / 247 ، أبواب أحكام المساجد ب 42 ح 1 وغيرها .