(الصفحة 324)
أوليس هو كما اُنزل؟ فقال: لا ، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وما ترك أبو لهب إلاّ إزراءً على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ; لأ نّه عمّه (1) .
2 ـ ما رواه الشيخ أبو عمر والكشّي في محكيّ رجاله في ترجمة أبي الخطّاب ، عن أبي علي خلف بن حامد قال : حدّثني أبو محمّد الحسن بن طلحة ، عن ابن فضّال ، عن يونس بن يعقوب ، عن بريد العجلي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم ، فمحت قريش ستَّة وتركوا أبا لهب (2) .
3 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال: دفع إليّ أبو الحسن (عليه السلام) مصحفاً وقال: لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (3) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إليّ : اِبعث إليّ بالمصحف (4) .
مناقشة الطائفة الثالثة
والجواب عن هذه الطائفة ـ مضافاً إلى عدم تماميّة شيء منها من حيث السند لأجل الضعف أو الإرسال ، وإلى ثبوت المعارضة والمنافاة بين أنفسها ، ولا يدفعها ما ذكره المحدّث المعاصر من عدم حجّية مفهوم العدد ، ولعلّ الاقتصار على السبعة في رواية بريد لعدم تحمّل السامع أزيد منها ; فإنّهم كانوا يكلّمون الناس
- (1) الغيبة للنعماني : 318 ب 21 ح 5 ، وعنه بحار الأنوار: 52 / 364 ب 27 ح 141 وج92: 60 ح46 .
(2) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ«رجال الكشي»: 290 ، الرقم 511 ، وعنه بحار الأنوار 92: 54 ، كتاب القرآن ب 7 ح 21 .
(3) سورة البينة 98 : 1 .
(4) الكافي: 2 / 631 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح 16 ، وعنه الوافي 9: 1778 ح9088 ومرآة العقول12: 521 ح16 ، وقد تقدّم في ص205 .
(الصفحة 325)
على قدر عقولهم (1) ،(2); لوضوح بطلان الدفع ، وإلى مخالفتها للكتاب ، فتشملها الأخبار الدالّة على العرض على الكتاب ، وأ نّ ما خالفه باطل أو زخرف(3)بالتقريب المتقدّم في الطائفة السابقة ـ أ نّ ملاحظة مضامينها تشهد بكذبها ; ضرورة أ نّ ترك أبي لهب لا مساس له بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ; فإنّ مجرّد العمومة ما لم يكن اشتراك في التوحيد والنبوّة ، لا يترتّب عليها شيء من التوقير والحرمة .
مضافاً إلى أنّ الرواية الاُولى مشعرة بأ نّه كان المناسب محو اسم أبي لهب أيضاً ، ولا يتوهّم في الإمام (عليه السلام) مثل ذلك بوجه .
والرواية الثانية صدرها مناقض لذيلها ; لأنّ صدرها يدلّ على أنّه أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم ، والذيل يدلّ على محو السبعة جميعاً وترك أبي لهب ، فهو يدلّ على كون المجموع ثمانية ، وليس قوله (عليه السلام) : «وتركوا أبا لهب » بمنزلة الاستثناء عن محو السبعة ، كما لا يخفى .
والرواية الثالثة لا دلالة فيها على كون اسم سبعين من قريش بعنوان الجزئيّة للقرآن ، مع أنّ تصريح الراوي بمخالفة نهي الإمام (عليه السلام) عن النظر فيه يوجب سقوط روايته عن الاعتماد ، كما أنّ الظاهر من الرواية أ نّ دفع الإمام (عليه السلام) المصحف إليه إنّما هو لأجل أن يرى فيه ما رأى ، ولا يجتمع ذلك مع النهي عن النظر ، فتدبّر .
وكيف كان ، فالاعتماد على هذه الطائفة مع ملاحظة ما ذكرنا لا يتحقّق من الطالب المنصف البعيد عن التعصّب ، والتابع للدليل والبرهان .
الطائفة الرابعة: الروايات الدالّة على أنّه قد غُيِّر بعض كلمات الكتاب العزيز
- (1) الكافي: 1 / 23 ح15 ، وج8 / 268 ، تحف العقول: 37.
(2) فصل الخطاب: 214، أوائل الدليل الحادي عشر «يج».
(3) يراجع ص173، 237 و 332.
(الصفحة 326)
بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ووضِع مكانه بعض آخر ، ففي الحقيقة تدلّ على وقوع الزيادة والنقيصة معاً; الزيادة من جهة الوضع ، والنقيصة من ناحية الحذف .
1 ـ ما رواه عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قرأ : اهدنا الصراط المستقيم ، صراط من أنعمت عليهم وغير المغضوب عليهم ولا (وغير خ ل) الضالّين (1) .
2 ـ ما عن العيّاشي عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله ـ تعالى ـ : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا) (2) ؟ فقال: هو آل إبراهيم وآل محمّد على العالمين ، فوضعوا اسماً مكان اسم (3) .
3 ـ ما رواه ربعي بن حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قرأ : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْر وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) (4) ضعفاء ، وما كانوا أذلّة ورسول الله فيهم ، عليه وعلى آله الصلاة والسلام (5) .
4 ـ ما رواه محمد بن جمهور ، عن بعض أصحابنا قال : تلوت بين يدي
- (1) تفسير القمّي : 1 / 29 ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1: 107 ح274 ، وبحار الأنوار 24: 20 ح24 وج92: 230 ح6 .
(2) سورة آل عمران 3: 33 .
(3) تفسير العيّاشي: 1 / 168 ح 30 ، وعنه تفسير الصافي 1: 305 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 614 ح1667 وبحار الأنوار 23: 225 ح45 ، وتفسير كنز الدقائق 2: 62 .
(4) سورة آل عمران 3: 123 .
(5) تفسير العياشي: 1 / 196 ح 135 ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1: 679 ح1899 ، وبحار الأنوار 19: 284 ح23 ، وفيه: ربعي ، عن حريز . وفي تفسير الصافي 1: 348 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 679 ح1896 و 1899 ، وتفسير كنز الدقائق 2: 217ـ 218 عنه وعن تفسير القمّي 1: 122 . وفي بحار الأنوار 19: 243 ح1 عن تفسير القمّي .
(الصفحة 327)
أبي عبدالله (عليه السلام) هذه الآية: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَْمْرِ شَىْءٌ) (1) فقال : بلى ، وشيء وشيء ، وهل الأمر كلّه إلاّ له (صلى الله عليه وآله) ، ولكنّها نزلت: «ليس لك من الأمر شيء إن تبت عليهم أو تعذّبهم فإنّهم ظالمون» ، وكيف لايكون له من الأمرشيء والله ـ عزّوجلّ ـ يقول : (مَآ ءَاتَـئـكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَـئـكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (2) . وقال ـ عزّوجلّ ـ : (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَـكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (3) إن عليك إلاّ البلاغ (4) .
ومنها غير ذلك من الروايات الواردة الدالّة على وقوع التغيير وحذف شيء ووضع آخر مكانه .
مناقشة الطائفة الرابعة
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة ـ مضافاً إلى اختلال سند أكثرها ، وإلى مخالفتها للكتاب ، وشمول أخبار العرض على الكتاب لها بالتقريب المتقدّم في الجواب عن الطائفة الثانية ـ أ نّها مخالفة للإجماع ; لانعقاده من المسلمين على عدم وقوع التحريف بالزيادة في القرآن بوجه ، وأ نّ الكتاب الموجود كلّه قرآن من دون زيادة حرف فيه أصلاً .
مضافاً إلى أنّ التغيير في مثل الآية الواقعة في الرواية الاُولى لا يترتّب عليه فائدة ; لأنّ الآية الأصليّة ـ على هذا الفرض ـ لا تكون منافية لغرض المحرِّف ، ولاموجبة للإيراد على الكتاب من الجهات الأدبيّة وغيرها من الجهات ، ولا سبباً
- (1) سورة آل عمران 3: 128 .
(2) سورة الحشر 59 : 7 .
(3) سورة النساء 4: 80 .
(4) التنزيل والتحريف للسيّاري: 15 ـ 16 (مخطوط) .
(الصفحة 328)
لتنقيص مقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
وعليه: فيقع السؤال عن وجه التحريف وعلّة التغيير مع عدم ترتّب فائدة عليه أصلاً ، كما لا يخفى .
وإلى أنّ الآية الواقعة في الرواية الثالثة معناها عدم استقلال النبيّ (صلى الله عليه وآله) في شيء ; فإنّ مفاد «اللاّم» هو الاختصاص بمعنى الاستقلال ، كما في مثل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّـآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ) (1) ، ومع ثبوت الاستقلال لله وانحصاره به يصحّ نفيه عن غيره ولو كان نبيّاً ; فإنّ النبوّة لا تخرج النبيّ عن وصف الإمكان في مقابل الوجوب ،والممكن كما قد ثبت في محلّه(2) ذاته الافتقار والاحتياج والربط والاتّصال ، وبلوغه إلى أعلى مراتب الكمال لا يغيّر ذاته ، ولا يوجب ثبوت وصف الاستقلال له .
وعليه: فلا يبقى للإيراد على الآية مجال ، ولا منافاة بين هذه الآية ، وبين سائر الآيات المذكورة في الرواية ، الدالّة على وجوب الأخذ بما آتاه الرسول والانتهاء عمّا نهى عنه ، ولزوم الإطاعة له ، وأ نّ إطاعته إطاعة الله تعالى ; ضرورة أ نّ جميع هذه الخصائص لا ينافي عدم الاستقلال ، بل ربما يؤيّده ويثبته ; لأنّ هذه الامتيازات من شؤون كونه رسولاً نبيّاً مبلِّغاً عن الله تعالى ، ومرتبطاً بمبدإ الوحي ، فكيف يجتمع مع الاستقلال ؟ فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر .
الطائفة الخامسة: الروايات الدالّة على وقوع النقيصة في القرآن بتعبيرات مختلفة ومضامين متعدّدة ، فقسم منها يدلّ على أنّ عدد آيات الكتاب أزيد من العدد الموجود ، وقسم آخر يدلّ على أنّ السورة الفلانية كان عدد آياتها أزيد ممّا
- (1) سورة البقرة 2: 156 .
(2) كشف المراد: 78 ـ 79 ، شرح المنظومة 2: 260 ـ 265، نهاية الحكمة 1: 237 ـ 247.