(الصفحة 320)
ولأجله جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس في اليوم المعروف في وسط الطريق ; لأجل إظهار الولاية وتبليغ الخلافة وتعيين الوصاية(1) ، ولو كان اسم عليّ (عليه السلام) مذكوراً في القرآن ـ ولا محالة كان ذلك بعنوان الولاية والإمارة ـ لما كان حاجة إلى أصل النّصب ، ولما كان وجه لخوف الرسول(صلى الله عليه وآله) ، ولما كان لمكث الناس وجمعهم في
- (1) غدير خمّ وولاية عليٍّ(عليه السلام) : غدير خمّ: منطقة ت
قع بين مكّة والمدينة ، بينها وبين الجحفة ميلان ، وفيها تتشعّب طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيّين . كان النبي (صلى الله عليه وآله) في طريق عودته من مكة إلى المدينة سنة 10 هجريّة بعد أدائه لحجّته الأخيرة (حجّة الوداع) نزل عليه الوحي بقوله ـ تعالى ـ : (
يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـفِرِينَ) سورة المائدة 5: 67 . أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) الحجّاج المسلمين بالتوقّف في هذا المكان ، وألقى خطبته الشهيرة التي قال فيها: إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنتُ مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره . . . . وما أن أتمّ (صلى الله عليه وآله) خطبته حتى نزل جبريل بقوله ـ تعالى ـ : (
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلَـمَ دِينًا) سورة المائدة 5: 3 . ثمّ طفق القوم يهنّئون أميرالمؤمنين(عليه السلام) وفي مقدمتهم الشيخان أبو بكر وعمر كلّ يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة . وقال ابن عباس: فوجبت والله في رقاب القوم . وقال حسّان بن ثابت: يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمٍّ فأسمع بالرسول مناديا يقول فمن مولاكم ووليّكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت وليّنا *** ولم ترَ منّا في الولاية عاصيا فقال له: قم ياعليُّ فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا اللّهمّ وال وليّه *** وكن للذي عادى عليّاً معاديا كشف الغمّة 1: 318 ـ 319 عن الحافظ ابن مردويه ، وخصائص وحي المبين: 61ـ 62 عن الحافظ أبي نعيم ، المسند لابن حنبل 1: 182 ح 641 ، وج 9: 43 ح 23168 وص143 ح23622 ، وسنن ابن ماجة 1: 88 ح 116 ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير2: 14 ، والبداية والنهاية 5: 198ـ 203 وج7: 328ـ 332 ، ولمزيد الاطّلاع اُنظر مصادر حديث الغدير عند الفريقين في كتاب الغدير للأميني .
(الصفحة 321)
وسط الطريق مع كثرتهم جدّاً أثر أصلاً .
كلّ ذلك دليل قطعيّ على عدم كون موضوع الولاية معلوماً عند المسلمين ، وعدم كون إمارة عليّ (عليه السلام) معروفة لديهم ; لأجل عدم اشتمال القرآن على ذلك صريحاً ، وعدم التعرّض لاسمه قطعاً ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ قصّة الغدير إنّما وقعت في أواخر عمر النبيّ(صلى الله عليه وآله) في الرجوع عن حجّة الوداع ، وفي ذلك الزمان قد نزلت عامّة القرآن وشاع بين المسلمين .
وبالجملة: فنفس حديث الغدير ـ الذي لا مجال للخدشة فيه ، وهو المسلّم عند القائل بالتحريف أيضاً ـ دليل قطعيّ على عدم اشتمال القرآن على التصريح بالولاية لعليّ (عليه السلام) بحيث لم يكن معه حاجة إلى النصب ، كما هو واضح .
هذا ، مضافاً إلى دلالة الروايات المتواترة على وجوب عرض الروايات المنسوبة إليهم (عليهم السلام) ـ المنقولة عنهم ـ على الكتاب والسنّة ، وأ نّ ما خالف الكتاب يجب طرحه ، وأ نّهم لم يقولوا به ولم يصدر عنهم (عليهم السلام) (1) ، ومن الواضح:
أوّلاً: أنّ المراد بالكتاب الذي يجب عرض الروايات عليه ، ليس هو الكتاب الذي لم يكن بأيدي الناس ، بل كان عند أهله على فرض اختلافه مع القرآن الذي يكون بأيدي الناس ، كما يقول به القائل بالتحريف; ضرورة أنّ المأمور بالعرض على الكتاب هو عموم الناس ، والكتاب الذي اُمروا بالعرض عليه هو الكتاب الذي يكون بأيديهم .
ثانياً: أ نّ أخبار العرض على الكتاب لا يختصّ موردها بخصوص الروايات الواردة في الأحكام الفرعيّة العمليّة ; لأ نّه ـ مضافاً إلى عدم قرينته على
- (1) وسائل الشيعة 27: 106ـ 124 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 .
(الصفحة 322)
الاختصاص ـ يدلّ عليه أنّ القرآن لا دلالة له على كثير من هذه الأحكام ، فكيف يكون الغرض من هذه الأخبار ـ على كثرتها ـ عرض خصوص الروايات الواردة في الفروع ؟ بل الظاهر العموم ، وحينئذ نقول:
إنّ هذه الطائفة من الروايات الدالّة على اشتمال القرآن على ذكر أسماء الأ ئـمّة (عليهم السلام) مخالفة للكتاب ، فيجب طرحها وضربها على الجدار .
مع أنّ عمدتها هي ما رواه في الكافي عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) ، وفيها قرينة واضحة على كذبها وعدم صدقها ; فإنّ ذكر عليّ (عليه السلام) في الآية التي كانت بصدد إثبات النبوّة وفي مقام التحدّي على الإتيان بمثل القرآن ، لا مناسبة له أصلاً ; ضرورة أنّ الغرض منها إثبات أصل النبوّة والسفارة ، وكون القرآن نازلاً من عند الله غير قابل للريب فيه ، وأ نّ البشر عاجز عن الإتيان بمثله ، فأيّ تناسب بين هذا الغرض وبين ذكر عليّ (عليه السلام) ؟!
وبعبارة اُخرى: الريب الذي كانوا فيه ، هو الريب بالإضافة إلى جميع القرآن ، وتخيّل أ نّه غير مرتبط بالوحي الإلهي ، لا الريب فيما نزل في عليّ (عليه السلام) ، والتحدّي المناسب إنّما هو التحدّي على الإتيان بما يماثل القرآن ، ولا ملاءمة بين الريب فيما نزل في عليّ ، وبين الإتيان بسورة مثل القرآن ، كما هو واضح .
ومع قطع النظر عن جميع الأجوبة المذكورة ، وتسليم ما استفاد المستدلّ من هذه الطائفة نقول: إنّها معارضة برواية صحيحة صريحة في خلافها ، وهي ما رواه في الكافي عن أبي بصير ، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الاَْمْرِ مِنكُمْ) (2) فقال: نزلت في
- (1) تقدّمت في ص316 .
(2) سورة النساء 4: 59 .
(الصفحة 323)
عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) . فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله عزّوجلّ؟ قال: فقال : قولوا لهم: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) . . . هو الذي فسّر ذلك لهم . . . الحديث (1) .
فإنّه يستفاد منه مفروغيّة عدم اشتمال القرآن على اسم عليّ والأ ئـمّة من ولده (عليهم السلام) بين السائل والإمام ، وكان غرض السائل استفهام العلّة ، والسؤال عن نكتة عدم الاشتمال وعدم التسمية .
وعليه: فهذه الرواية حاكمة على الروايات المتقدّمة ومبيّنة للمراد منها ، وأ نّ الغرض من الاشتمال ليس هو التصريح بالاسم بعنوان القرآنيّة ، بل بعنوان التفسير والتأويل ، ولو أبيت عن الحكومة وقلت بالمعارضة ، يكفي ذلك لسقوط الاستدلال ، وأن لا يكون للتمسّك بهذه الطائفة مجال ، فهل مع ذلك يبقى الشكّ والإشكال ؟!
الطائفة الثالثة: الروايات الدالّة على ذكر أسامي أشخاص اُخر في القرآن ، وأ نّ المحرّفين حذفوها وأبقوا من بينها اسم أبي لهب:
1 ـ ما في محكيّ غيبة النعماني عن أبو سليمان أحمد بن هوذة قال : حدّثنا إبراهيم ابن اسحاق النهاوندي ، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاري ، عن صباح المزني ، عن الحارث بن الحصيرة ، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول: كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة، يعلّمون الناس القرآن كما اُنزل، قلت: يا أميرالمؤمنين
- (1) الكافي: 1 / 286 ، كتاب الحجّة ب 64 ح 1 ، وعنه الوافي 2: 269 ح745 ، والبرهان في تفسير القرآن 2: 105 ح2481 ، ومرآة العقول 3: 213 ح1 . وفي تفسير الصافي 1: 428 عنه وعن تفسير العيّاشي 1: 249 ح169 . وأخرجه في البرهان في تفسير القرآن 2: 111 ح2493 وبحار الأنوار 35: 210 ح12 عن تفسير العيّاشي باختلاف .
(الصفحة 324)
أوليس هو كما اُنزل؟ فقال: لا ، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وما ترك أبو لهب إلاّ إزراءً على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ; لأ نّه عمّه (1) .
2 ـ ما رواه الشيخ أبو عمر والكشّي في محكيّ رجاله في ترجمة أبي الخطّاب ، عن أبي علي خلف بن حامد قال : حدّثني أبو محمّد الحسن بن طلحة ، عن ابن فضّال ، عن يونس بن يعقوب ، عن بريد العجلي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم ، فمحت قريش ستَّة وتركوا أبا لهب (2) .
3 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال: دفع إليّ أبو الحسن (عليه السلام) مصحفاً وقال: لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (3) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إليّ : اِبعث إليّ بالمصحف (4) .
مناقشة الطائفة الثالثة
والجواب عن هذه الطائفة ـ مضافاً إلى عدم تماميّة شيء منها من حيث السند لأجل الضعف أو الإرسال ، وإلى ثبوت المعارضة والمنافاة بين أنفسها ، ولا يدفعها ما ذكره المحدّث المعاصر من عدم حجّية مفهوم العدد ، ولعلّ الاقتصار على السبعة في رواية بريد لعدم تحمّل السامع أزيد منها ; فإنّهم كانوا يكلّمون الناس
- (1) الغيبة للنعماني : 318 ب 21 ح 5 ، وعنه بحار الأنوار: 52 / 364 ب 27 ح 141 وج92: 60 ح46 .
(2) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ«رجال الكشي»: 290 ، الرقم 511 ، وعنه بحار الأنوار 92: 54 ، كتاب القرآن ب 7 ح 21 .
(3) سورة البينة 98 : 1 .
(4) الكافي: 2 / 631 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح 16 ، وعنه الوافي 9: 1778 ح9088 ومرآة العقول12: 521 ح16 ، وقد تقدّم في ص205 .