(الصفحة 3)
مدخل التفسير - الطبعة المحققة
أبحاث حول حقيقة المعجزة، وجوه إعجاز القرآن، شبهات حول إعجاز القران، حول القرّاء والقراءات، اُصول التفسير، عدم تحريف الكتاب، شبهات القائلين بالتحريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، ولا اختلاف فيه أبداً، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً، ولئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، ما فرّط فيه من شيء، بل جعله تبياناً لكلّ شيء، ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تُفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلاّ به، ويصدّق بعضه بعضاً، وهو الناصح الذي لا يغشّ والهادي الذي لا يُضلّ والمحدّث الذي لا يكذب، ما جالسه أحدٌ إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى ، أو نقصان من عمى.
وإنّما القرآن هو خطّ بين الدفّتين، لا ينطق بلسان ولابدّ له من ترجمان، وإنّما ينطق عنه الرِّجال الّذين هم مع القرآن والقرآن معهم وهم أحقّ الناس به، بهم عُلِمَ الكتاب وبه عُلِموا وبهم قام الكتاب وبه قاموا، أخبرونا بأنّ فيه علم ما يأتي والحديث الماضي ودواء دائنا ونظم ما بيننا، ألا ومَنْ أدرك القرآن بهم يسري في الفتن بسراج منير ويحذو فيها على مثال الصالحين، فأين نذهب والأعلام قائمة والآيات واضحة والمنار منصوبة وبيننا عترة نبيّنا، وهم أزمّة الحقّ وأعلام الدِّين وألسنة الصدق !؟ ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض؟ فإن تمسّكنا بهم نجونا وإن تخلّفنا عنهم غرقنا، ونسأل الله أن يوفّقنا ويهدينا سواء الطريق حتّى لانستعمل الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا يتغلغل إليه الفكر.
جعله الله ريّاً لعطش العلماء وربيعاً لقلوب الفقهاء ومَحاجَّ لطرق الصُّلحاء وهدىً لمَن ائتمّ به وبرهاناً لمَنْ تكلّم به وعلماً لمَن وعى وحديثاً لمَن روى وحكماً لمن قضى. وممّن وفّقه الله للتفقّه في الدِّين ومَنَّ عليه في التمسّك بحبل الله المتين القرين بعترة سيِّد المرسلين المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (قدس سره) ; فتدبّر في آياته وحاجّ بالسنّة في تبيين معضلاته ومتشابهاته، وتفقّه فيه بنيِّة سليمة ونفس صافية، واستشفى صدره بنوره واتّبع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه، فطوبى له حيث شرع في تفسير كتاب الله العزيز وتبيين مقدّمات لا يستغني عنها الباحثون; وبحث فيها عن أُمور ثلاثة أهمّها إثبات عدم تحريف القرآن ، فقد أثبت بشكل
(الصفحة 4)
استدلالي عميق عدم وقوع التحريف في كتاب الله العزيز وكشف الغطاء عن افتراء التحريف على الشيعة من قبل بعض المعاندين للدِّين ، فعلى روّاد العلم والفضل واُولي الإنصاف والمروءة أن ينظروا بعين الدقّة حتّى يصلوا إلى هذه النتيجة الواضحة من ذهاب علماء الشيعة الاثنى عشرية التابعين لمكتب أهل البيت (عليهم السلام) إلى أنّ الكتاب الموجود بأيدينا هو نفس ما أنزله الله تبارك وتعالى على النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) من دون زيادة ولا نقصان.
ولقد كان من آمالنا أن يبارك الله في عمر المؤلِّف العزيز ويطيله بسلامة وعافية، ويوفّقه لإكمال هذا المشروع، حيث نعلم إنّه كان من أقوى آماله وأمانيه ، ولكن ما كلّ ما يتمنّي المرء يدركه، فقد فاجئنا القدر، وصادف وللأسف الشديد إتمام هذا المشروع مع انقضاء نحبه وغروب عمره الشريف ، وقد رحل من دار الفناء إلى دار القرار، جعله الله أنيساً للأبرار ، وحشره مع محمّد وآله الأطهار (عليهم السلام) وجعل الله هذا الأثر القيّم من أحسن أعماله وذخراً له من دنياه إلى آخرته.
وقد طبع هذا المجلّد من الكتاب لأوّل وهلة بيد العلاّمة الخطيب حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسين الأنصاريان دامت افاضاته مع مقدّمة شافية وافية ثمّ طبع مراراً وبعد مضيّ سنوات من الطبع الأوّل لابدّ من طبعه باُسلوب جديد يناسب شأن هذا الأثر القويم، مع التصحيح وتخريج المصادر وتكميله بفهارس فنّية.
وقد تمّ هذا المشروع بجهود المحقّقين الأعزّاء في مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) حجج الإسلام والمسلمين الشيخ محمدرضا الفاضل الكاشاني دامت بركاته مدير المركز و الشيخ عباد الله السرشار الطهراني الميانجي والشيخ رضا علي مهدوي; حيث بذلوا غاية جهدهم في إعدادها للطبع بصورة جديدة في غاية الدقّة والجودة بما لا نرى فيما سبقها من طبعات.
شكر الله مساعيهم ونقدِّم لهم الشكر جميعاً للسابقين لسبقهم بنشر هذا الأثر القيِّم واللاّحقين لإكمالهم هذا المشروع ونسأل الله أن يوفّقنا ويوفّقهم لما يحبّ ويرضى إنّه خير ناصر ومعين.
مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)
محمد جواد الفاضل اللنكراني
(الصفحة 5)
(الصفحة 6)
الإهداء
إلى المربِّي الكبير: الوالد المعظّم والرجل الفذّ الذي لا أقدر على أداء حقوقه ، ولا أستطيع شكر عناياته ، وقد بالغ في تربيتي العلميّة والدينيّة ، وأجهد في تهيئة الوسائل اللاّزمة ، وكان جامعاً للفضائل المعنويّة ، ومربيّاً بالتربية القوليّة والعمليّة ، وحائزاً لشرف المهاجرة ، مصداقاً لقوله تعالى:
(وَمَن يَخْرُجْ مِنم بَيْتِهِمُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُو عَلَى اللَّهِ ) (سورة النساء 4: 100)
فنسأله تعالى أن يعطيه أجر عمله هذا ، ويحشره في زمرة من يحبّه من أوليائه الطاهرين ، وأصفيائه المكَرمين صلوات الله عليهم أجمعين ، وأن يقدرني على أداء بعض حقوقه ، آمين .
ولدك
(الصفحة 7)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، وجعله هدًى للمتّقين ، وذكرى لأُولي الألباب ، وأثبت إعجازه بقوله ـ عزّ من قائل ـ :
(قُلْ لَّـئـِنِ اجْتَمَعَتِ الاِْنسُ وَ الْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوابِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِوَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيرًا) (1) .
كما أنّه أثبت بجعله معجزاً خلود الإعجاز ; لاستمرار الشريعة ودوام النبوّة إلى يوم القيامة ، وابتنائها على المعجزة الخالدة .
وقد صانه من التحريف والتغيير بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَـفِظُونَ) (2) .
وأخبر عن عدمه بقوله ـ تعالى ـ :
(لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـطِـلُ مِنبَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاَ مِنْ خَلْفِهِتَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيم حَمِيد) (3) .
- (1) سورة الإسراء 17 : 88 .
- (2) سورة الحجر 15 : 9 .
- (3) سورة فصّلت 41 : 42 .