(الصفحة 203)
الأزمان ، ولا عبرة بالنادر ، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها ـ إلى أن قال : ـ فلابدّ من تأويلها بأحد وجوه . . .(1) .
وعن السيِّد القاضي نور الله في مصائب النواصب : ما نسب إلى الشيعة الإماميّة من قولهم بوقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإماميّة ، وإنّما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم (2) .
و عن الشيخ البهائي(قدس سره) بأنّه قال: وأيضاً اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه ، والصحيح أ نّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادةً كان أو نقصاناً ، ويدلّ عليه قوله ـ تعالى ـ : (وَ إِنَّا لَهُ لَحَـفِظُونَ) (3) ، وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أميرالمؤمنين (عليه السلام) منه في بعض المواضع ، مثل قوله ـ تعالى ـ : (يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) (4) ـ في عليّـ وغير ذلك ، فهو غير معتبر عند العلماء (5) .
وعن المقدس البغدادي في شرح الوافية : . . .وإنّما وقع الخلاف في النقيصة ، والمعروف بين أصحابنا حتّى حكي عليه الإجماع عدم النقيصة أيضاً .
وعنه أيضاً، عن الشيخ عليّ بن عبد العالي(6) ، أ نّه صنَّف في نفي النقيصة رسالة مستقلّة، وذكر كلام الصدوق المتقدّم، ثمّ اعترض بما يدلّ على النقيصة من الأحاديث، وأجاب بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب والسنّة المتواترة أو الإجماع ، ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه (7) .
- (1) كشف الغطاء : 3 / 453 ـ 454 ، كتاب القرآن .
(2) مصائب النواصب: 121 ، الطائفة الثامنة ، وعنه الشيخ البلاغي في آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 64ـ65 .
(3) سورة الحجر 15 : 9 .
(4) سورة المائدة 5 : 67 .
(5) كما ذكره صاحب آلاء الرحمن في تفسير القرآن: 1 / 65 .
(6) توفّي سنة 940 .
(7) حكى عنه أيضاً في آلاء الرحمن في تفسير القرآن: 1 / 65 .
(الصفحة 204)
وحكي هذا القول ـ أيضاً ـ عن العلاّمة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه «العروة الوثقى» ناسباً له إلى جمهور المجتهدين (1) .
وعن المحدّث الشهير المولى الفيض الكاشاني في كتابي «الوافي(2) وعلم اليقين» (3) .
وصرّح به أيضاً فقيد العلم الكامل الجامع الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدّمة تفسيره ، المسمّى بـ «آلاء الرحمن» (4) .
وبالجملة : لا مجال للارتياب في أنّ المشهور بين علماء الشيعة الإماميّة بل المتسالم عليه بينهم ، هو القول بعدم التحريف ، وإنّما ذهب إليه منهم طائفة قليلة من الأخباريّين (5) ، اغتراراً بظاهر الروايات الدالّة على ذلك ، التي سيجيء الجواب عن الاستدلال بها ، ومع ذلك فلا مساغ لنسبة هذا القول إلى الطائفة المحقّة ، وجعل ذلك من المطاعن في الفرقة الناجية ، كما يظهر من بعض مفسِّري أهل السنّة وغيرهم .
ولا بأس بنقل عبارة بعضهم ليظهر ركوبهم مركب التعصّب وهو عثور ، وينقدح ابتلاء الطائفة المحقّة بمثل هذه الافتراءات الكاذبة ، والنسب الباطلة غير الصادقة ، فنقول :
قال الآلوسي في مقدّمة تفسيره روح المعاني : وزعمت الشيعة أنّ عثمان ، بل أبا بكر وعمر أيضاً حرّفوه ، وأسقطوا كثيراً من آياته وسوره ، فقد روى الكليني
- (1) ذكر هذا السيد الخوئي في كتابه البيان : 200 .
(2) الوافي: 9 / 1778 ـ 1780 .
(3) علم اليقين في اُصول الدين : 1 / 562 ـ 569 ، الفصل 8 من الباب الثاني عشر من المقصد الثالث .
(4) آلاء الرحمن في تفسير القرآن: 1 / 63 ـ 71 .
(5) قال في قوانين الاُصول 1 / 403 ، المقصد الثاني من الباب السادس ، قانون 2: فعن أكثر الأخباريّين: أنّه وقع فيه ـ أي في القرآن ـ التحريف والزيادة والنقصان ، ثمّ أجاب عنه .
(الصفحة 205)
منهم عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل (عليه السلام) إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) سبعة عشر ألف آية (1) .
وروى محمد بن نصر، عنه أنّه قال: كان في ( لَمْ يَكُنِ) اسم(2) سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم (3) .
وروى عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبدالله (عليه السلام) ـ وأنا أسمعه(4) ـ حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : كفّ عن هذه القرءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم (عليه السلام) ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله ـ عزّوجلّ ـ على حدّه(5) .
وروى عن محمّد بن جهم الهلالي وغيره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : ( أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة) (6) ليس كلام الله ، بل محرّف عن موضعه ، والمنزل : «أئمـّة هي أزكى من أئمّتكم»(7) .
وذكر ابن شهر آشوب المازندراني في كتاب «المثالب» له : أ نّ سورة الولاية اُسقطت بتمامها ، وكذا أكثر سورة الأحزاب ; فإنّها كانت مثل سورة الأنعام ، فأسقطوا منها فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ، وكذا أسقطوا لفظ «ويلك» من قبل ( لاَ تَحْزَنْ
- (1) الكافي: 2 / 634 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح 28 .
(2) في الكافي هكذا: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال: دفع إليّ أبو الحسن (عليه السلام) مصحفاً وقال: لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ سورة البيّنة 98: 1] فوجدت فيها اسم سبعين إلخ ، فوقع سهو من الآلوسي .
(3) الكافي: 2 / 631 ، كتاب فضل القرآن باب النوادر ح 16 .
(4) في الكافي: وأنا أستمع ، وفيه: كفّ بدل «مه» .
(5) الكافي: 2 / 633 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح 23 .
(6) سورة النحل 16: 92 .
(7) الكافي : 1 / 292 ، كتاب الحجّة ب 65 ح 1 ، وفيه زيد بن الجهم الهلالي ، والحديث هنا نقل بالمعنى .
(الصفحة 206)
إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (1) ، و«عن ولاية عليّ» من بعد ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْـُولُونَ) (2) .
و«بعليّ بن أبي طالب» من بعد ( وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) (3) ، و«آل محمّد» من بعد ( وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُوا) (4)(5) إلى غير ذلك .
فالقرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم شرقاً وغرباً ، وهو لكرة الإسلام ودائرة الأحكام مركزاً وقطباً أشدّ تحريفاً عند هؤلاء من التوراة والإنجيل ، وأضعف تأليفاً منهما وأجمع للأباطيل ، وأنت تعلم أنّ هذا القول أوهى من بيت العنكبوت ، وأ نّه لأوهن البيوت ، ولا أراك في مرية من حماقة مدّعيه وسفاهة مفتريه ، ولما تفطّن بعض علمائهم لما به جعله قولاً لبعض أصحابه .
ثمّ نقل كلام الطبرسي في مقدّمة مجمع البيان ، المشتمل على نقل كلام السيِّد المرتضى المتقدّم ، ونسبة ذلك إلى قوم من حشوية(6) العامّة .
ثمّ قال : وهو كلام دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتّى للأطفال .
ثمّ أنكر نسبة ذلك إلى قوم من الحشويّة ، نظراً إلى إجماع العامّة على عدم وقوع
- (1) سورة التوبة 9 : 40 .
(2) سورة الصافات 37 : 24 .
(3) سورة الأحزاب 33 : 25 .
(4) سورة الشعراء 26 : 227 .
(5) كتاب مثالب النواصب ، مخطوط .
(6) الحشوية: بسكون الشين وفتحها ، قوم من أهل الحديث ، همّهم نقل الأحاديث والالتزام بها حتّى وإن خالفت أصلاً من اُصول الدين وعارضت مبنىً من مبانيه ، لم يأبهوا عمّن يأخذون رواياتهم التي ينقلونها بلا دراية . . . ولا ممّن يستفيدونها . يقول عنهم العلاّمة التهانوي في موسوعته: وهم قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا الى التجسّم وغيره ، وهم من الفرق الضالّة . وراح ينقل ما قاله فيهم السُّبكي: الحشوية طائفة ضلّوا عن سواء السبيل ، يُجرون آيات الله على ظاهرها ويعتقدون أنّه المراد . . . ثمّ ذكر أسباب تسميتهم بالحشوية . . . (موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم 1 : 678 ـ 679) .
(الصفحة 207)
النقص فيما تواتر قرآناً ، كما هو موجود بين الدفّتين اليوم .
ثمّ قال : «نعم ، أسقط زمن الصديق ما لم تتواتر وما نسخت تلاوته ، وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ ، وما لم يكن في العرضة الأخيرة ، ولم يألُ جُهداً في تحقيق ذلك ، إلاّ أ نّه لم ينتشر نوره في الآفاق إلاّ زمن ذي النورين ، فلهذا نسب إليه .
كما روي عن حميدة بنت يونس أنّ في مصحف عائشة : « إنَّ الله و مَلـئـِكَته يصلُّون على النَّبىّ يَـأيُّهَا الَّذين ءامنُوا صَلُّوا عليْه وسَلّموا تسْلِيماً ـ وعلى الّذين يصلون الصفوف الأوّل» وأ نّ ذلك قبل أن يغيّر عثمان المصاحف (1) .
فما أخرج أحمد ، عن اُبيّ قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أمرني أن أقرأ عليك قال : فقرأ عليّ ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَ مَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) (2)إنّ الدين عند الله الحنيفيّة غير المشركة ، ولا اليهوديّة ، ولا النصرانيّة ، ومن يفعل خيراً فلن يكفر (3) .
وفي رواية : ومن يعمل صالحاً فلن يكفره ، وما اختلف الذين اُوتوا الكتاب إلاّ من بعدما جاءتهم البيّنة ، إنّ الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله وفارقوا الكتاب لمّا جاءهم أولئك عند الله شرّ البريّة ، ما كان الناس إلاّ اُمّة واحدة ، ثمّ أرسل الله
- (1) المصاحف لابن أبي داود السجستاني : 211 ، الرقم 236 ، وفيه: والّذين يصلون الصفوف الأوّل ، الإتقان في علوم القرآن: 3 / 82 ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 5: 580 ، الآية 56 من سورة الأحزاب، وفيه : والذين يصفون الصفوف الأوّل .
(2) سورة البيّنة 98 : 1 ـ 4 .
(3) المسند لابن حنبل : 8 / 40 ح 21261 .