(الصفحة 24)
ضميمة ما ذكرنا من لزوم الإغراء بالجهل القبيح ، ومع إنكار القبح والحسن ـ كما هو المفروض ـ ينسدّ هذا الباب ، ولا يبقى مجال للتصديق من ناحية الإعجاز .
وما حكي عن بعض الأشاعرة(1) من جريان عادة الله على صدور ما يخرق العادة وناموس الطبيعة بيد النبيّ فقط (2) .
يدفعه أنّ العلم بذلك من غير طريق النبيّ كيف يمكن أن يحصل ، والمفروض أنّ الشكّ في أصل نبوّته ؟ مضافاً إلى أنّه لا دليل على لزوم الالتزام بهذه العادة ، مع إنكار القبح رأساً .
- (1) هو الفضل بن روزبهان .
(2) حكى عنه في البيان في تفسير القرآن: 39 .
(الصفحة 25)
وجوه إعجاز القرآن
* آيات التحدّي .
* القرآن معجزة خالدة .
* عدم اختصاص إعجاز القرآن بوجه خاصّ .
* التحدّي بمن أنزل عليه القرآن .
* التحدّي بعدم الاختلاف وبالسلامة والاستقامة .
* التحدّي بأنّه تبيان كلّ شيء .
* التحدّي بالإخبار عن الغيب .
* القرآن ومعارفه الاعتقادية .
* القرآن وأسرار الخلقة .
* التحدّي بالبلاغة .
* القرآن وقوانينه التشريعية .
(الصفحة 26)
(الصفحة 27)وجوه إعجاز القرآن
آيات التحدّي
ليس في الكتاب العزيز ما يدلّ بظاهره على توصيفه بالإعجاز الاصطلاحي بهذه اللفظة ، بل وقع فيه التحدّي به ، الذي هو الركن الأعظم للمعجزة ، وتتقوّم به حقيقتها ، والآيات الدالّة على التحدّي بمجموع القرآن أو ببعضه لا تتجاوز عن عدّة آيات:
أوّلها : الآية الكريمة الواردة في سورة الإسراء : (قُل لَّـئـِنِ اجْتَمَعَتِ الاِْنسُ وَ الْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوابِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِوَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيرًا) (1) .
والظاهر من الآية الكريمة الإخبار عن عدم الإتيان بمثل القرآن ; لأجل عدم تعلّق قدرتهم به ، وأنّ القرآن يشتمل على خصوصيّات ومزايا من جهة اللفظ والمعنى لا يكاد يقدر عليها الإنس والجنّ ، وإن اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيراً ، فاتّصاف القرآن بأنّه معجز إنّما هو من جهة الخصوصيّة الموجودة في نفسه ،
- (1) سورة الإسراء 17 : 88 .
(الصفحة 28)
البالغ بتلك الخصوصيّة حدّاً يعجز البشر عن الإتيان بمثله .
وعليه: فما ذهب إليه من وصف بأنّه شيطان المتكلِّمين(1); من القول بالصرف في إعجاز القرآن ، وأنّ الله صرف الناس عن الإتيان بمثله مع ثبوت وصف القدرة لهم ، وتوفّر دواعيهم عليه (2) ، مناف لما هو ظاهر الآية الشريفة ، المعتضد بما هو المرتكز في أذهان المتشرّعة من بلوغ القرآن علوّاً وارتفاعاً إلى حدٍّ لا تصل إليه أيدي الناس ، ولا محيص لهم إلاّ الاعتراف بالعجز والقصور والخضوع لديه .
فهذا القول باطل من أصله وإن استصوبه الفخر الرازي في تفسيره ، واختاره ،
- (1) وهو أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار النظّام ، شيخ الجاحظ; وهو من زعماء المعتزلة ، ونسبت إليه الفرقة النظاميّة ، توفي سنة بضع وعشرين ومائتين في خلافة المعتصم العباسي أو الواثق . ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي 9 : 213 ـ 214 الرقم 1710 . وذكر الرافعي في إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة : 101 ، بأنّ النظّام شيطان المتكلّمين ، وأنّه من شياطين أهل الكلام .
(2) فقد ذهب إلى القول بالصرفة عددٌ من علماء المعتزلة وغيرهم وإن اختلفوا في المقصود منها . فأبو إسحاق النظّام ، ذهب إلى أنّ إعجاز القرآن إنّما كان بـ «الصِّرفة» أي: أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ صرف البشر عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها ، وخلق فيهم العجز عن محاكاته في أنفسهم وألسنتهم ، ولولا أنّ الله صرفهم عن ذلك لاستطاعوا أن يأتوا بمثله; أي كان مقدوراً لهم ، ولكن عاقهم أمر خارجيّ . . . وقد بالغ النظّام في القول بالصرفة حتى عُرِفت به ، فصوّبه فيه قوم وشايعه عليه آخرون فيما خالفه جمع كثير ، وكان من ردودهم عليه واعتراضاتهم أنّ قوله هذا يستلزم كون القرآن ليس معجزاً بذاته بل بأمر خارجي ، بل الصرفة هي المعجزة لا القرآن . . . .[ اُنظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ت 671 هـ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الجزء الأوّل: 75 ـ 76 ] ، الإتقان في علوم القرآن 4 : 7 ، إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة: 101 ، التبيان في علوم القرآن للصابوني: 149 . وممّن ذهب إلى هذا القول الشيخ المفيد; وهو من علماء الإماميّة ، حيث قال في جهة إعجاز القرآن: إنّ جهة ذلك هو الصّرف من الله ـ تعالى ـ لأهل الفصاحة واللّسان عن المعارضة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بمثله في النّظام عند تحدّيه لهم ، وجعل انصرافهم عن الإتيان بمثله ـ وإن كان في مقدورهم ـ دليلاً على نبوّته (صلى الله عليه وآله) ، واللطف من الله ـ تعالىـ مستمرّ في الصّرف عنه إلى آخر الزمان ، وهذا من أوضح برهان في الإعجاز وأعجب بيان ، وهو مذهب النظّام ، وخالف فيه جمهور أهل الاعتزال .[ أوائل المقالات ، المطبوع ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد 4: 63 ] .