وممّا يستفاد من تعريف المحقّق الخراساني قدسسره للموضوع ضمناً أنّ هذا المعنىعند العلماء أمرٌ مفروغ عنه، والمناطقة أيضاً عرّفوه كذلك. وهذا المعنى يدلُّعلى مطالب:
احتياج العلم إلى الموضوع
الأوّل والثاني
احتياج العلم إلى الموضوع وأنّ الموضوع في كلّ علم يكون واحداً
فقد أنكر اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ(1) الأوّل، وبيان ذلك ـ حسبتقرير مقرّره ـ : أنّه لم يكن لمدوّن العلم في بادئ الأمر موضوع مشخّص معلومحتّى يبحث حوله، بل العلوم كانت في بادئ الأمر عدّة مسائل متشتّةومباحث مهملة ناقصة، وأضافوا إليها في طول الزمان مسائل متجدّدة حتّىبلغ ما بلغ، بحيث تعدُّ بالآلاف من المباحث والمسائل، بعدما كانت أوّلنشوءها تبلغ عدد الأصابع.
ويشهد لذلك ما نقله الشيخ الرئيس في تدوين المنطق عن المعلّم الأوّل: منأنّنا ما ورثنا عمّن تقدّمنا في الأقيسة إلاّ ضوابط غير مفصّلة، وأمّا تفصيلهوإفراد كلُّ قياس بشروطه فهو أمر قد كدّرنا فيه أنفسنا(2).
وعلى هذا لم يكن في بادئ الأمر موضوع معيّن للعلوم، وهذا الاستدلالمنوط بدعوى الاُستاذ.
وأمّا ما قرّره المقرّر ـ من أنّه لا يصحّ أنّ تكون نسبة موضوع العلم
- (2) ذكره الامام قدسسره في هذا البحث.
(صفحه 17)
وموضوعات المسائل نسبة الكلّي ومصاديقه والطبيعي وأفراده؛ إذ يمكن أنتكون نسبة موضوع العلم وموضوعات المسائل نسبة الكلّ والجزء، مثل:علم الجغرافيا، أو تكون نسبة الموضوع وموضوعات المسائل نسبة التساوي،مثل: علم العرفان ـ فهو منوط بالمرحلة الرابعة من بحثنا وسوف يأتيإن شاء اللّه.
كما أنّ قوله بأنّ العلم لايحتاج إلى موضوع مشخّص معلوم غير تامّ، فإنّعلم الفقه موضوعه فعل المكلّف، ولكنّ أكثر مسائله التي تبحث فيه لا ربطلها بفعل المكلّف، مثل مسائل الإرث والنجاسات وأمثالها، بل هي مربوطةبالمرحلة الثالثة من بحثنا، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى.
وأمّا إن قام الدليل على احتياج العلوم إلى الموضوع فلا منافاة بين ما تقدّموما ذكره الاُستاذ؛ إذ العلوم وإن كانت في بادئ الأمر مهملة وناقصة ولكننعلم بالبداهة أنّ المناطقة لم يبحثوا في ضمن مباحث المنطق عن مباحث علوماُخرى كالنحو والفقه ـ مثلاً ـ وأنّ النقص والكمال لا ينفي احتياج العلم إلىالموضوع.
والمشهور من العلماء أقام دليلاً على وحدة الموضوع، فإن تمّ هذا الدليلفيثبت به أصل الاحتياج أيضاً، ولهذا الدليل مقدّمتان:
الاُولى: أنّ كلّ علم يترتّب عليه غرض واحد وفائدة واحدة، أي علىأساس الغرض الواحد يدوّن علم واحد، فمثلاً: دوّن علم النحو لصيانةالإنسان عن الخطأ في المقال، ودوّن المنطق لصيانة الإنسان عن الخطأ فيالفكر، وهكذا.
الثانية: أنّ الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد، يعني لا تؤثّر أشياء متباينة على