(صفحه300)
الغير الركنيّة وبعض الشرائط، مثل: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(1) و«لا صلاةإلاّ بطهور»(2)، ونحوهما.
وأمّا تقريب الاستدلال بالطائفة الاُولى حسب ما يستفاد من كلام صاحبالكفاية: أنّه جعل ماهيّة الصلاة ـ مثلاً ـ موضوعاً، وآثار وجودها الخارجيـ كالمعراجيّة ـ محمولاً في القضيّة، مع أنّا نرى ترتّب أمثال هذا العنوان علىخصوص الصلاة الصحيحة فقط لا الأعمّ، فلابدّ إمّا من الالتزام بإضمار كلمة«صحيحة» فيها والقول بأنّ حقيقة القضيّة أنّ الصلاة الصحيحة معراج المؤمن،وإمّا من الالتزام بأنّ ماهيّة الصلاة ومسمّـاها مساوق للصلاة الصحيحة،فالموضوع في الواقع هو الصلاة الصحيحة، والمحمول لوازمها، والأوّل خلافالظاهر، والثاني هو الحقّ، فيستفاد منها أنّ الموضوع له لكلمة «الصلاة» هيالصلاة الصحيحة.
ولكنّ هذا الاستدلال ليس بتامّ؛ لأنّ المعراجيّة وأمثال ذلك وإن كان مناللوازم والآثار للأفراد الصحيحة ـ والمراد من الصلاة في القضيّة المذكورة هوخصوص الصلاة الصحيحة ـ إلاّ أنّ استعمالها فيها بنحو الحقيقة غير معلومهنا، بل لقائل أن يقول: إنّها استعملت فيها بنحو المجاز بقرينة العلم بكونالمحمول في هذه الموارد من لوازم الوجود الخارجي، فإنّ الاستعمال أعمّ منالحقيقة على المشهور.
نعم، لو قلنا بأنّ الأصل في الاستعمال هي الحقيقة في مورد الشكّ ـ كما قالبه السيّد المرتضى قدسسره ـ فيتمّ الاستدلال، ولم يقل به المحقّق الخراساني قدسسره . هذا هو
- (1) المستدرك 4: 158، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5.
- (2) الوسائل 1: 365، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1.
(صفحه 301)
التقريب الأوّل للاستدلال بهذه الأخبار.
التقريب الثاني للاستدلال بهذه الطائفة من الروايات: تظهر من نفس هذهالتعبيرات قاعدة كلّيّة، وهي أنّ كلّ ما هو مسمّى باسم الصلاة يكون معراجللمؤمن، ويكون قرباناً لكلّ تقي ونحوهما، ويضاف إليها ما هو المسلّم عندالصحيحي والأعمّي من أنّ الصلاة الفاسدة ليست موضوعة لشيء من هذهالآثار.
ثمّ نشكّ في أنّ خروج الصلاة الفاسدة عن عموم «الصلاة معراج المؤمن»هل يكون بنحو التخصّص أو بنحو التخصيص؟ ومن المعلوم أنّ الصحيحييقول: إنّ خروجها عنها يكون بنحو التخصّص؛ لأنّ الصلاة الفاسدة ليستبصلاة عنده، والأعمّي يقول: إنّ خروجها عنها يكون بنحو التخصيص؛ إذالصلاة الفاسدة عنده تكون من مصاديق الصلاة.
فيستدلّ الصحيحي على مدّعاه بأنّه إذا دار الأمر بين التخصّصوالتخصيص فلاشكّ في أنّ التخصّص مقدّم على التخصيص، فإنّ لازمه بقاءالعامّ على عموميّته، بخلاف التخصيص فإنّه يوجب تضييق العامّ، فإذا كانالتخصّص أولى يتمّ الاستدلال حسبما استفدنا من قوله صلىاللهعليهوآله : «الصلاة معراجالمؤمن»(1) فإنّ كلّ ما هو مسمّى بهذا الاسم يكون معراجاً للمؤمن، فيكونالمسمّى والموضوع له لكلمة الصلاة عبارة عن الصلاة الصحيحة لا الأعمّ.
ولكنّ هذا الاستدلال أيضاً ليس بتامّ؛ لأنّ مسألة تقدّم التخصّص علىالتخصيص ممّا لا شبهة فيه ولكنّه في مورده، فلابدّ لنا من توضيح ذلك بذكرمثالين هنا، فلو قال المولى: «أكرم كلّ عالم»، ثمّ قال في دليل منفصل آخر:
- (1) الاعتقادات للمجلسي: 29.
(صفحه302)
«لا تكرم زيداً» وكان في الخارج زيدان أحدهما عالم والآخر ليس بعالم، فلوشكّ في أنّ المراد من زيد منهيّ الإكرام هو زيد العالم أو غير العالم؟ فإن كانمراد المولى هو الأوّل فهذا يوجب تخصيص العامّ، وإن كان مراده هو الثانيفهذا حكم مستقلّ لا يوجب التخصيص في العامّ، بل كان خروج «زيد» عنالعامّ بنحو التخصّص، وفي هذا المورد يحكم العقلاء بتقدّم التخصّص علىالتخصيص وأنّ مراد المولى هو «زيد» الجاهل، والخصوصيّة الموجودة في هذالمورد هو وقوع ترجيح التخصّص في طريق استكشاف مراد المولى.
وأمّا لو قال المولى: «أكرم كلّ عالم» ثمّ قال في دليل منفصل آخر: «لا تكرمزيداً» وكان في الخارج زيدٌ واحدٌ، ولا نعلم أنّه عالم أو غير عالم، وحينئذٍ لترديد في مراد المولى، بل الترديد في أنّه هل يكون عالماً حتّى يكون خروجهعن «أكرم كلّ عالم» على نحو التخصيص أم يكون جاهلاً حتّى يكون خروجهعنه بنحو التخصّص؟ فهذا الأمر أيضاً دائر بين التخصّص والتخصيص، ولكنلا وجه لتقدّم التخصّص على التخصيص في هذا المورد؛ إذ لا ترديد في مرادالمولى حتّى يكون المخاطب في صدر استكشافه، بل الغرض من تقديمه ارتفاعالجهل عن نفسِهِ، ولا يحكم العقلاء في هذا المورد بتقدّمه، ولا أقلّ من الشكّ فيعدم تقدّمه، وليست هناك قاعدة كلّيّة تنصّ على أنّه إذا دار الأمر بينالتخصّص والتخصيص فالترجيح مع التخصّص، بل مورده وقوعه في طريقاستكشاف مراد المولى فقط.
والظاهر أنّ ما نحن فيه يكون من قبيل المثال الثاني؛ إذ لا نشكّ في مرادالمولى من قوله: «الصلاة» هو: «الصلاة معراج المؤمن» سيّما بعد إضافة القاعدةالكلّيّة المذكورة إليه، ولا شكّ في أنّ الصلاة الفاسدة ليست معراجاً للمؤمن،
(صفحه 303)
سواء كان خروجها عن العموم بنحو التخصّص أو التخصيص، ولا نعلم أنّالصلاة الفاسدة هل تكون مسمّـاة باسم الصلاة أم لا، فهذا الاستدلال مبتنٍعلى تحقّق قاعدة كلّيّة تنصّ على أنّه كلّما دار الأمر بين التخصيص والتخصّصكان التخصّص مقدّماً على التخصيص. وهو كما ترى.
مع أنّ أصل الاستدلال بهذه الطائفة من الأخبار مخدوش؛ بأنّ هذا الدليللا ينطبق على ما ادّعاه الصحيحي في محلّ النزاع من أنّ جميع الأجزاءوشرائط القسم الأوّل داخل في محلّ النزاع بخلاف شرائط القسم الثانيوالثالث، مع أنّ الصلاة ما لم تكن واجدة لجميع الأجزاء والشرائط لم تكنمعراجاً للمؤمن، فكيف ينطبق الدليل على هذا المدّعى؟!
فلو قلت: الصلاة الصحيحة من حيث الأجزاء وشرائط القسم الأوّل مؤثّرةفي المعراجيّة.
قلنا: لا شكّ في أنّ الصلاة بدون قصد القربة لا تكون معراجاً للمؤمن.
وإن قلت: الصلاة مقتضية لأن تكون معراجاً للمؤمن.
قلنا: هذا بعينه ما ادّعاه الأعمّي.
فالاستدلال بهذه الأخبار مبتنٍ على أن يكون المدّعي في محلّ النزاعالصحّة من حيث الأجزاء وجميع الشرائط.
وأمّا الاستدلال بالطائفة الثانية من الأخبار التي كانت لها ظهور في نفيالماهيّة لفقدان بعض الشرائط والأجزاء غير الركنيّة، مثل: «لا صلاة إلاّ بفاتحةالكتاب»(1)، وأمثال ذلك بأنّه لا شكّ في دخالة فاتحة الكتاب في صحّة الصلاة،وأنّ تركها عمداً يوجب فساد الصلاة قطعاً عند الصحيحي والأعمّي، فمع
- (1) المستدرك 4: 158، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5.
(صفحه304)
ملاحظة هذا المعنى لابدّ لنا في مقام استكشاف المراد من الجملة المذكورة إمّمن تقدير كلمة «صحيحة» فيها، أي لا صلاة صحيحة إلاّ بفاتحة الكتاب، ولوكان معناها كذلك فلا فائدة في الاستدلال بها، فإنّ توقّف صحّة الصلاة عليهممّا اتّفق عليه الصحيحي والأعمّي معاً، ولكنّ التقدير خلاف الظاهر، مع أنّالطريق لا ينحصر به.
وإمّا من القول بأنّ الظاهر منها نفي الماهيّة والمسمّى بدون فاتحة الكتاب،وهذا لا ينطبق إلاّ على القول الصحيحي، فإنّه يقول بأنّ الموضوع له والمسمّىلكلمة الصلاة هي الصلاة الصحيحة لا غيرها، ويعامل جميع الأجزاء معاملةالأجزاء الركنيّة في دخالتها في المسمّى، بخلاف الأعمّي.
إن قلت: إنّا نشاهد في أشباه ونظائر هذا التركيب أنّه لابدّ من الالتزامبالتقدير والحذف، مثل: «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»(1)، فإنّا نعلمبعدم دخالة وقوعها في المسجد في صحّتها أصلاً، ولم يقل أحد بفساد صلاةجار المسجد ما لم يصلِّ فيه، فاستعمل هذا التركيب في نفي الصفة، مثل الكمالونحوه، لا نفي الماهيّة والحقيقة، فتقديره: لا صلاة كاملة لجار المسجد إلاّ فيالمسجد، وإذا كان الأمر هنا كذلك فيقتضي اتّحاد السياق بين الجملتين أنتكون في نوع هذه التعبيرات كلمة تناسبه محذوفةً، نحو كلمة «صحيحة» فيجملة «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب».
قلنا: إنّ نفي الصفة ممنوع حتّى في مثل: «لا صلاة لجار المسجد إلفي المسجد»، بل استعملت كلتا الجملتين في نفي الماهيّة والحقيقة، إلأنّ نفي الماهيّة تارة يكون على وجه الحقيقة، مثل: «لا صلاة إل
- (1) المستدرك 3: 356، الباب 2 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1 و 2.