(صفحه414)
فلا يرتبط بهذا المقام، بل هو مربوط بواقعيّة الحجر أو الشجر.
وإذا كان هذا معنى البسيط فالتركيب هو ما ينسبق إلى الذهن معنيان منسماع اللّفظ مثل ما ينسبق إليه من سماع اللفظين، نحو «ابن زيد»؛ إذ لاشكّ فيانسباق المعنيين إلى الذهن من سماع لفظ المضاف والمضاف إليه وإن كانتالنسبة ناقصة، فالتركيب ههنا ـ يعني انسباق المعنيين إلى الذهن ـ من لفظالضارب ـ مثلاً ـ نحو ذات ثبت له الضرب.
وقال بعض الأعلام(1): «هذا المعنى غريبٌ من المحقّق صاحب الكفاية قدسسره ؛لأنّ مورد النزاع هو البساطة والتركيب بحسب التحليل والواقع لا بحسبالإدراك والتصوّر، وذلك لأنّ البساطة الإدراكيّة تجتمع مع تركّب المفهومحقيقة؛ ضرورة أنّ المتفاهم في مرحلة التصوّر من كلّ لفظ مفرد عند الإطلاقمعنى بسيطٌ، سواء كان في الواقع أيضاً بسيطاً أم كان مركّباً، فلا معنى لأنيجعل مركز البحث البساطة والتركيب بحسب التصوّر والإدراك».
ثمّ حكى عن الفلاسفة والمتأخّرين من الاُصوليّين قولهم ببساطة المفاهيمالاشتقاقيّة، وأنّهم قد أصرّوا على أنّه لا فرق بين المشتقّات ومبادئها حقيقةوذاتاً، وإنّما الفرق بينهما بالاعتبار ولحاظ الشيء مرّةً «لا بشرط»، ومرّةاُخرى «بشرط لا»، فيكون معنى الضارب هو معنى الضرب الذي يجريويحفظ في جميع المشتقّات، يعني نفس الحدث الذي يعبّر عنه بالفارسيبـ «كتك»، إلاّ أنّ المبدأ إذا لوحظ «بشرط لا» فلا يكون قابلاً للحمل علىالذات، مثل: «زيدٌ ضرب»، وإذا لوحظ «لا بشرط» فيكون قابلاً له مثل«زيد ضاربٌ» فلا فرق بين الضارب والضرب من جهة المعنى أصلاً، فكما أنّ
- (1) محاضرات في اُصول الفقة 1: 266 ـ 267.
(صفحه 415)
معنى الضرب لا يكون قابلاً للانحلال فمعنى الضارب أيضاً كذلك.
ولكنّ بطلانه أظهر من الشمس، فإنّه كما قلنا في المعاني الحرفيّة أنّهواقعيّات وحقائق تحتاج في تحقّقهما إلى تحقّق الظرف والمظروف والنسبة بينهما،وهكذا في المعنى الاشتقاقي كالضارب فلابدّ في تحقّقه من وجود الذات والمبدوتلبّسها به؛ إذ لا شكّ في أنّ صرف الاعتبار واللحاظ لا يوجب تحقّقه أصلاً،فيكون لفظ الضارب في جملة «زيد ضاربٌ» حاكياً عن الواقعيّة وهي تلبّسهبالمبدأ، بخلاف لفظ «الضرب» في قولك: «زيدُ ضربٌ»، فاعتبار المبدأ وتخيّله«لا بشرط» أو «بشرط لا» لايوجب إيجاد الواقعيّة أو تغييرها في الخارج،فكيف يكون معنى الضارب هو معنى الضرب؟! ومعلوم أنّ معنييهما متغايران،كما يستفاد من تعبير المحقّق الشريف عن معنى المشتقّ بالمعنى البسيط المنتزععن الذات المتلبّس بالمبدأ حين الاستدلال لبساطته، فالمنتزع غير المنتزع منه.
فالأولى أن يكون المراد من البساطة والتركيب بحسب الإدراك والتصوّر لبحسب التحليل العقلي حتّى لا يفضي الكلام إلى هذا القول الباطل.
إلاّ أنّ بعض الأعلام قال بأنّه: لو كان المراد البساطة والتركيب بحسبالإدراك فلا نحتاج إلى إقامة البرهان الذي أقامه المحقّق الشريف على البساطة،والظاهر أنّ إثبات البساطة اللحاظيّة لا يحتاج إلى مؤونة الاستدلال وإقامةالبرهان، فإنّ المرجع الوحيد لإثباتها فهم أهل العرف أو اللّغة، ولا إشكال فيأنّهم يفهمون من المشتقّ معنى واحداً كما يفهمون من غيره من الألفاظ المفردةذلك.
وجوابه متوقّف على نقل بيان المحقّق الشريف وإيراد شارح المطالع(1) على
(صفحه416)
التعريف الذي ذكره الماتن للفكر، وهو: أنّ الفكر: ترتيب اُمور معلومةلتحصيل أمر مجهول. ثمّ استشكل عليه الشارح بأنّه لا يشمل التعريف بالفصلوحده أو بالخاصّة وحدها، مثل تعريف الإنسان بالحدّ الناقص أو بالرسمالناقص كقولنا: الإنسان ناطق أو ضاحك، ولا شكّ في تجويز المنطيقيّين لهذينالتعريفين للإنسان، فلا ضرورة لترتيب اُمور، بل يكفي أمر واحد معلوملتحصيل أمر مجهول.
فأجاب عنه بأنّ التعريف بالمفردات إنّما يكون بالمشتقّات، والمشتقّ وإنكان في اللفظ مفرداً إلاّ أنّه من حيث المعنى مركّب، فيكون معنى الناطق شيءله النطق، ومعنى الضاحك شيء له الضحك، فيتحقّق في التعريف بالفصل، أوالخاصّة أيضاً ترتيب اُمور معلومة بحسب دقّة النظر.
وأورد المحقّق الشريف في حاشيته(1) على شرح المطالع بما ملخّصه: أنّالشيء الذي هو جزء معنى المشتقّ إن اُريد به مفهومه لزم منه دخول العرضالعامّ في الفصل المقوّم للذات؛ لأنّ مفهوم الشيء من الأعراض العامّة؛ لصدقهعلى الاُمور المتباينة من جميع الجهات كالواجب والممكن والممتنع، وهو محال.وإن اُريد به مصداقه لزم انقلاب القضيّة الممكنة ضروريّة؛ لاستلزامه حملالشيء على نفسه وهي الضرورة، فإنّ قولنا: «الإنسان ضاحك» قضيّة ممكنةبالإمكان الخاصّ، والمصداق الذي له الضحك هو عين الإنسان، فيرجع معناهإلى قولنا: «الإنسان إنسان له الضحك»، ومن المعلوم أنّ حمل الشيء على نفسهضروري، فانقلبت جهة الإمكانيّة إلى الضروريّة، وهو أيضاً محال، فلابدّ منالالتزام ببساطة المشتقّ؛ لئلاّ يلزم شيء من هذين المحذورين.
(صفحه 417)
هذا، والمستفاد من كلام شارح المطالع أنّ معنى الناطق وإن كان بالنظرالبدوي مفرداً لكنّه بحسب دقّة النظر مركّب، ولكن هل هو نفس المعنى الذيذكره صاحب الكفاية بأنّ المقصود من البسيط ههنا البساطة في مقام الإدراكوالتصوّر؟ وهذا لاينافي التركّب عند التحليل، والمراد من التحليل في كلامصاحب الكفاية قدسسره هو دقّة النظر في كلام شارح المطالع حتّى لا يكون بينهمفرق إلاّ بالتسمية، بأنّ شارح المطالع سمّـاه مركّباً، وصاحب الكفاية سمّـاهبسيطاً.
والتحقيق: أنّ قول شارح المطالع في التركيب ههنا يشبه تركيب «غلامزيد» إلاّ أنّ معنى «غلام زيد» مركّبٌ بحسب بادئ النظر، ومعنى «ضاحك»مركّب بحسب دقّة النظر، فلا فرق بين «الضاحك» و «غلام زيد» في مقامالإدراك والتصوّر من حيث تركّب المعنى أصلاً، بخلاف ما قال به المحقّقالخراساني قدسسره ، فإنّه لا تركّب في معنى «الضاحك» و «الناطق» في مقام الإدراكوالتصوّر عنده أصلاً.
على أنّ البساطة التي ادّعاها المحقّق الشريف هي البساطة عند الإدراكوالتصوّر بحسب دقّة النظر(1)، فإنّه إذا كان معنى «الناطق» و «الضاحك»بحسب النظر الدقّي التصوّري مفرداً فلايستلزم أخذ العرض العامّ في الفصلوتبديل القضيّة الممكنة بالضروريّة وإن كان بحسب التعمّل والتحليل مركّباً.
- (1) لا يخفى أنّ المراد من المركّب بحسب الإدراك والتصوّر أن يكون المعنى المتبادر إلى الذهن مركّباً فيالواقع مثل المعنى المتبادر من «غلام زيد»، والبسيط بعكسه، والمراد من المركّب بحسب التحليل أن ليكون المعنى المتبادر إلى الذهن كذلك، بل كان في الواقع واحداً، ولكنّ العقل بالتعمّل والتعقّل،والتحليل يجعله مركّباً، والبسيط بعكسه، ولا يذهب عليك أنّ دقّة النظر في العبارة غير التحليل العقلي،والمقصود منه أن يكون المعنى مركّباً في الواقع ولكنّه في بادئ النظر يتصوّر بسيطاً، ومع دقّة النظريكشف الحال.
(صفحه418)
ومن مجموع ذلك يتبيّن أنّ محلّ النزاع هو البساطة والتركيب بحسبالإدراك والتصوّر، لا بحسب التحليل العقلي، بعكس ما يقول به بعض الأعلام،والدليل العمدة للبساطة أو التركيب في معنى المشتقّ مثل أصل معناه هوالتبادر، إلاّ أنّ المحقّق الشريف بلحاظ كونه منطقيّاً استدلّ بالبرهانينالمذكورين.
ولا يخفى أنّ البرهانين المذكورين على فرض صحّتهما لا يثبتان أن يكونمعنى المشتقّ بسيطاً؛ إذ يمكن أن يكون مفهوم ومعنى المشتقّ مركّباً بدوندخالة الشيء مفهوماً ولا مصداقاً فيه خصوصاً مع القول بعدم الفرق بين المبدوالمشتقّ إلاّ بالاعتبار، فيمكن أن يقال: إنّ معنى المشتقّ مركّب من المبدونسبته إلى الذات، ولاينفى هذا بالبرهانين المذكورين.
والتحقيق: أنّ برهان المحقّق الشريف مخدوشٌ من أصله.
واُجيب عن برهانه الأوّل بأنّ الشيء ليس بعرض عامّ، وقد ذكرنا فيمتقدّم أنّ ذلك لا يكون قابلاً للإنكار بعد صدقه على المقولات العشر المتباينةوالواجب والممتنع والممكن، حتّى على القول بأنّ الشيء هو الوجود؛ إذالوجود أيضاً لا يكون من ذاتيّات الإنسان كالجنس والفصل.
والجواب الصحيح عنه ـ كما قال به صاحب الكفاية قدسسره (1) وجماعة منالفلاسفة المتأخّرين منهم السبزواري(2) في حاشيته على منظومته ـ : أنّ«الناطق» ليس بفصلٍ حقيقيّ، بل هو لازم ما هو الفصل وأظهر خواصّه؛ إذ ليمكن وصول أحدٍ إلى حقائق الأشياء وفصولها الحقيقيّة ماعدا الباري سبحانه
- (1) كفاية الاُصول 1: 78 ـ 79.
- (2) يستفاد هذا من حاشيته على الأسفار 2: 25.