مجال دون هذا.
فيستفاد من تعليله أنّه قائل بعقليّة النزاع في المقام، وإلاّ لابدّ أن يقيمالدليل على أنّ الواضع وضع لفظ المشتقّ للمعنى الأعمّ من المتلبّس ومانقضى عنه المبدأ، ولكنّ أصل كلامه ليس بتامّ، فإنّ العقل ناظر إلىالحقائق والواقعيّات ولا يكون من أهل المسامحة، فحينئذٍ بعد القولبأنّ المشتقّ عنوان يتحقّق من قيام العرض بالمعروض يحكم العقل بأنّ«زيداً» اليوم لا يكون متلبّساً بالعرض حقيقة؛ إذ لا فرق عقلاً بين المتلبّسبالمبدأ في ما مضى والتلبّس به في المستقبل، ويصدق الفاقديّة للعرض علىالذات في كلتا الصورتين بلا فرق بينهما أصلاً، وهذا بعينه دليل على أنّ المسألةلغويّة لا عقليّة، وحينئذٍ لابدّ لنا من تبعيّة الوضع متعبّداً وملاحظة أنّالموضوع عنده عبارة عن خصوص المتلبّس بالمبدأ أو الأعمّ من المتلبّسبالفعل ومن قضى.
ويستفاد أيضاً عقليّة المسألة عنده من تعليله لخروج العناوين الذاتيّة عنمحلّ النزاع بأنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته، وإنسانيّة الإنسان ليستبالصورة الترابيّة، بل إنّما تكون بالصورة النوعيّة التي بها يمتاز الإنسان عنغيره. وإقامة هذا الدليل الفلسفي دليل على أنّه قائل بأنّ المسألة عقليّة، مع أنّالمسألة لغويّة ولا ربط لها بالعقل أصلاً، كما لا يخفى على المتأمّل.
في كتاب المحاضرات(1):
الاُولى: في كيفيّة ارتباط العنوان مع الذات، بأنّ ارتباطه معها بأيّ نحو كانحتّى يدخل في محلّ النزاع؟
الثانية: في جهة المعنى الاشتقاقي للعناوين، فإنّه إذا تحقّق الضرب ـ مثلاً من «زيد»، فإن لاحظنا هذا الارتباط بصورة «زيد ضرب» فهو خارج عنمحلّ النزاع، وإن لاحظناه بصورة «زيد ضارب» فهو داخل في محلّ النزاع.
الحيثيّة الاُولى: لا إشكال ولا خلاف في أنّ العناوين المنتزعة عن الذاتبلا واسطة أمر خارج عنها ـ كالإنسانيّة والحيوانيّة والناطقيّة للإنسان خارجة عن محلّ النزاع في باب المشتقّ، فلا يقال للتراب: إنّه إنسان حقيقةولا مجازاً باعتبار أنّه كان إنساناً في ما مضى.
إنّما الكلام في دليله، فالمحقّق النائيني قدسسره (2) وصاحب المحاضرات(3) ذكرا دليلله؛ بأنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته، فإذا فرضنا تبدّل الإنسان بالتراب فمهو ملاك الإنسانيّة ـ وهي الصورة النوعيّة ـ قد انعدم وزال ووجدت حقيقةاُخرى وصورة نوعيّة ثانية، ولا يصدق الإنسان على التراب بوجه منالوجوه، ولا معنى لأن يقال: إنّ إطلاق الإنسان على التراب حقيقة أو مجاز.
وفيه: أوّلاً: أنّه قد مرّ آنفاً أنّ المسألة لا تكون عقليّة حتّى يحتاج إلى دليلعقلي، بل هي مسألة لغويّة ومنوطة بوضع الواضع.
وثانياً: أنّ هذا الدليل منقوض بأمثال الخلّ والخمر، فإنّ الخلّ إذا صار
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 218.
- (2) فوائد الاُصول 1: 84 .
(صفحه 369)
خمراً يتبدّل الشيء من حالة إلى حالة اُخرى، ولا يتبدّل قطعاً من صورة إلىصورة اُخرى، فيصحّ على هذا إطلاق الخلّ على الخمر على نحو الحقيقةبلحاظ كونه في ما مضى خلاًّ، مع أنّه لم يلتزم به أحد.
وثالثاً: أنّه سلّمنا أنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادته، ولكن لا دخل لهذالكلام في ما نحن فيه، فإنّه لا ينحصر بالجواهر، بل يشمل كلّ موجود حتّىالأعراض، فكما أنّ شيئيّة الجسم بصورته كذلك شيئيّة البياض بصورته، فليصحّ القول بأنّ الجسم اليوم أبيض بلحاظ عروض البياض له في ما مضى،مع أنّه لا كلام في صحّة هذا الإطلاق، وإنّما الكلام في أنّه حقيقة أو مجاز،فكيف يصحّ هذا الإطلاق مع تبدّل الصورة البياضيّة فلا يكون علّة لخروجهذه العناوين عن محلّ النزاع؟! إلاّ أنّ وضعها يكون بكيفيّة خاصّة يعني وضعالواضع لفظ الإنسان لما هو بالفعل إنسان، ولفظ الحجر لما هو بالفعل حجرٌ،فالمسألة لغويّة، ويلزمنا متابعة الوضع والواضع كما مرّ آنفاً.
وأمّا العناوين المنتزعة عن الذات بواسطة أمر خارج عن الذات فهيداخلة في محلّ النزاع، بلا فرق بين أن تكون الواسطة أمراً حقيقيّاً وجوديّـ مثل عنوان الأبيض الذي ينتزع من الذات بواسطة البياضيّة ـ أم تكونالواسطة أمراً حقيقيّاً عدميّاً ـ مثل عنوان العمى الذي ينتزع من الذات بواسطةعدم البصر ـ أم تكون الواسطة أمراً اعتباريّاً من ناحيّة الشرع أو العقلـ كالملكيّة والزوجيّة، وأمثال ذلك ـ أم تكون من العناوين الانتزاعيّةـ كالفوقيّة والتحتيّة ـ فتدخل في محلّ النزاع مثل: «الجسم أبيض» و«زيدأعمى» و«زيد زوج» و«هذا السقف فوق» و«زيد مالك»، وهكذا.
وأمّا العناوين التي تكون لها مصداقان إذا لوحظت بالنسبة إلى أحدهما