(صفحه 645)
الزوال فالاستصحاب يحكم بعدم نقض اليقين بالشكّ، كأنّه يقول: أنت علىطهارتك فيجوز لك الدخول في الصلاة، وهكذا إذا قامت البيّنة على طهارةالثوب المسبوق بالنجاسة، ولكن انكشف خلاف ما حكم به الاستصحاب أوالبيّنة، فبعد إتيان الصلاة مطابقا لحكمهما هل يجب الإعادة في الوقت أو القضاءفي خارج الوقت أم لا؟
الثاني: أن يكون المأمور به أيضا مركّبا من الأجزاء ومقيّدا بالشرائطوكان الشكّ في تعداد الأجزاء والشرائط كالشكّ في جزئيّة السورة أو شرطيّةشيء آخر للصلاة، ودلّت رواية صحيحة معتبرة على عدم جزئيّة السورة أوحكم الاستصحاب على ذلك، أو تدلّ الرواية على عدم شرطيّة ما شكّ فيشرطيّته، والمكلّف أقام الصلاة مدّة مديدة بدون السورة مستندا إلى الأمارةأو الاستصحاب ثمّ انكشف الخلاف، هل يجب الإعادة في الوقت أو القضاء فيخارج الوقت أم لا؟ ولا يخفى أنّ التمثيل بالصلاة ههنا يكون مع قطع النظر عنالحديث المسمّى بحديث «لا تعاد» الذي يقتضي عدم الإعادة في مثل ذلكالموارد.
الثالث: أن تدلّ الأمارة أو الأصل على تحقّق تكليف معيّن للمكلّف فيوقت معيّن ثمّ انكشف الخلاف بعد إتيان المكلّف بالتكليف المذكور مثل دلالةحديث صحيح على وجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة، أو جريانالاستصحاب عليه، وبعد إتيان المكلّف بها مدّة مديدة انكشف عدم وجوبهأصلاً حتّى على سبيل التخيير، وأنّ الواجب التعييني في هذا اليوم عبارة عنصلاة الظهر.
ولا يخفى أنّ هذا الفرض على القول بوحدة الأمر خارج عن محلّ النزاع،
(صفحه646)
فإنّه لم يأت بما هو التكليف والمأمور به، بل أتى بغير المأمور به، ومحلّ البحثفي هذه المسألة ـ كما مرّ في عنوان البحث ـ عبارة عن إتيان المأمور به علىوجهه هل يقتضي الإجزاء أم لا؟ فلا شكّ في خروج هذا الفرض عن محلّالنزاع.
وأمّا على القول بتعدّد الأمر وجعل حكم آخر مطابقا لمفاد الأمارة أوالأصل الدالّ على وجوب صلاة الجمعة، فيقع هذا الفرض أيضا في محلّالنزاع.
ولكن البحث من حيث الإجزاء وعدمه قد يقع في الأمارات، وقد يقع فيالاُصول، وفي الأمارات أيضا قد يقع على القول بالطريقيّة، وقد يقع على القولبالسببيّة.
ومعنى الطريقيّة أنّ الأمارة من حيث هي ليست فيها مصلحة إلاّ الهدايةإلى الواقع؛ إذ الاتّكاء بالقطع فقط في اُمور المعاش والمعاد يوجب اختلالالنظام، بل لا يمكن تحصيل القطع في بعض الموارد، ولذا اعتبر العقلاء الأمارةطريقا ظنّيا إلى الواقع في موارد عدم إمكان تحصيل القطع.
ومعنى السببيّة على ما هو المعقول وخاليا عن الإشكال عبارة عن تصديقعملي عادل تتحقّق فيه المصلحة التي توجب جبران المصلحة الواقعيّة الفائتةعلى فرض مخالفة الأمارة للواقع، وكأنّه لم يفت شيئا.
ونبحث الآن على مبنى الطريقيّة والكاشفيّة، ويتحقّق على هذا المبنى بحثآخر، وهو أنّ حجّيّة الأمارة عند الشارع هل تكون بنحو الإمضاء والتأكيدأو بنحو التأسيس؟ ويمكن أن يكون بين الأمارات من هذه الجهة اختلافا.
ومعنى الحجّيّة الإمضائيّة عبارة عن اعتبار العقلاء في اُمور معاشهم
(صفحه 647)
الأمارات ـ مثل خبر الثقة ـ ومعاملتها معاملة القطع، والشارع أيضا أمضاهولو بصورة عدم الردع.
ومعنى الحجّيّة التأسيسيّة عبارة عن جعل الشارع الحجّيّة مستقلللأمارات مثل الشهرة الفتوائيّة، كما أنّ صاحب الكفاية قدسسره (1) جعل الحجّيّة منالأحكام الوضعيّة التي تكون قابلة لتعلّق الجعل الاستقلالي بها.
وأمّا على القول بالحجّيّة التأكيديّة والإمضائيّة فيكون الحكم عند العقلاءعدم الإجزاء، وهكذا عند الشارع؛ إذ العقلاء يعاملون خبر الثقة معاملة القطعبالعدم عند انكشاف خلافه، فيحسبون ما عمل مطابقا لمفاده كالعدم، كأنّه لميتحقّق شيئا فلا يجزي عن شيء، وهكذا في الشرع بعد فرض إمضاء الشارعطريق العقلاء في مسألة الحجّيّة، فإذا أخبرنا زرارة بعدم كون السورة جزءًللصلاة وصلّينا زمانا كثيرا بدونها ـ استنادا إلى هذا الخبر ـ ثمّ انكشفالخلاف فلا معنى للإجزاء ههنا. وهكذا على القول بالحجّية التأسيسيّة يكونالحكم عدم الإجزاء؛ بأنّ الشارع في مقام جعل الحجّيّة لخبر الثقة، كأنّه قال:جعلت خبر الثقة حجّة؛ لأنّه كاشف عن الواقع وطريق إليه في حدّه، وإذا بيّنالعلّة فمن المعلوم أنّها تعمّم الحكم وتخصّصه وترفع الإبهام عن وجهه، كقوله:«الخمر حرام لأنّه مسكر»، فإن زال الإسكار يزول الحكم أيضا.
وبناءً على هذا إذا دلّ الخبر على أنّ السورة ليست من أجزاء الصلاةـ مثلاً ـ وصلّينا مدّة مديدة بدونها ـ استنادا إلى هذا الخبر ـ ثمّ انكشف خلافهفالقاعدة تقتضي عدم الإجزاء؛ إذ لا معنى لكشف الخلاف، إلاّ أنّه لم يكنطريقا إلى الواقع، بل نحن توهّمنا طريقيّته وكاشفيّته، كما أنّ هذا هو الحال في
- (1) كفاية الاُصول 1: 133.
(صفحه648)
الكشف التامّ ـ أي القطع ـ فنفهم بعد كشف خلاف ما اتّصف بالكاشفيّةالناقصة أيضا أنّه كان فاقدا لوصف الطريقيّة والكاشفيّة، فلم يكن من أوّلالأمر حجّة، فمع أنّ المركّب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه لا معنى للإجزاء، إلاّ أنّهلا يستحقّ المكلّف العقاب؛ لتوهّمه أنّه طريق إلى الواقع، فتحصّل ممّا ذكرنا أنّالإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري إذا كان مفاد الأمارة لا يكون مجزيا عنالأمر الواقعي.
في الاُصول العمليّة
ويبقى الكلام في الاُصول العمليّة، منها: أصالة الطهارة التي لا شكّ فياعتبارها، وهي كما تجري في الشبهات الموضوعيّة ـ كالشكّ في طهارة الثوبونجاسته ـ كذلك تجري في الشبهات الحكميّة كالشكّ في طهارة الحيوان المتولّدمن الكلب والغنم ـ مثلاً ـ ونجاسته، ولا يخفى أنّ جريان الاُصول العمليّة فيالشبهات الحكميّة مطلقا مشروط بالفحص واليأس عن الدليل، بخلافالشبهات الموضوعيّة كما يدلّ الإجماع ورواية زرارة على عدم لزوم الفحصفيها.
وتستفاد هذه القاعدة من قوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم أنّهقذر»(1)، وأمثال ذلك.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره في ضمن أدلّة الاستصحاب: إنّ المراد من الطهارةفي هذه الروايات الطهارة الواقعيّة، فيكون هذا الحكم حكما كلّيّا بالنسبة إلىجميع الأشياء، ولكنّه ربما يخصّص بتخصيص واحد أو متعدّد مثل الأعيان
- (1) اُنظر: المستدرك 2: 582، الباب 30 من أبواب النجاسات والأواني.
(صفحه 649)
النجسة، والموضوع فيها عبارة عن العناوين الأوّلية وذوات الأشياء، والغايةفيها عبارة عن العلم بالنجاسة، فيكون مفادها أنّ طهارة الأشياء تستمرّباستمرار ظاهري حتّى يتحقّق العلم بالخلاف، ونعبّر عنه بالاستصحاب،وقال عليهالسلام في دليل الاستصحاب أيضا: «لا تنقض اليقين بالشكّ ولكنّك تنقضهبيقين آخر»، ولذا جعل قدسسره هذه الروايات من أدلّة الاستصحاب، فلابدّ مناعتباره قاعدة الطهارة من طريق الإجماع أو إنكارها رأسا.
وقال المشهور: إنّ جعل العلم غاية فيها كان بمنزلة بيان خصوصيّةالموضوع، ويستفاد منه أنّ الشيء الذي وقع موضوعا للحكم بالطهارة ليكون الشيء بعنوانه الأوّلي، بل هو الشيء بما أنّه مشكوك الطهارة والنجاسة،فمعناها أنّ كلّ شيء شكّ في طهارته ونجاسته فهو طاهر، فيكون مفاد مجموعالغاية والمغيّا الحكم بالطهارة في الأشياء المشكوكة، سواء كانت الشبهة حكميّةأو موضوعيّة، وعلى هذا تكون قاعدة الطهارة مستندة إلى هذه الروايات.
وعلى مشي المشهور لابدّ لنا من ملاحظة عدّة خصوصيّات قبل الانتهاءإلى النتيجة من الإجزاء وعدمه:
الاُولى: أنّ موضوع الحكم في هذه القاعدة عبارة عن الشيء الذي ليس لهطريق معتبر إلى الواقعيّة أعمّ من النجاسة والطهارة، وتجعل القاعدة مع حفظعدم الطريقيّة إلى الواقع طهارة في مرحلة الظاهر فقط فلا طريقيّة لها إلىالواقع أصلاً.
الخصوصيّة الثانية: أنّ الشكّ المتحقّق في مجرى القاعدة عبارة عن مطلقالشكّ، لا الشكّ المستمرّ إلى الأبد، فإنّه قلّما يتّفق للإنسان، مع أنّ القاعدةوضعت بعنوان التسهيل على الناس وامتنانا عليهم في الاُمور المبتلى بها.