(صفحه 251)
موضوعة للصحيح أو الأعمّ؟ وهذا التعبير يشمل القول بثبوت الحقيقةالشرعيّة فقط، فإنّ منكريها منكرون لأصل الوضع، فلا معنى للوضعللصحيح أو الأعمّ عندهم، وهذا التعبير ليس بجامع للأقوال والأراء.
وأمّا المحقّق الخراساني قدسسره (1) فقد عبّر بأنّ ألفاظ العبادات أسامي لخصوصالصحيحة أو الأعمّ منها.
لكن لا يندفع به تمام الإشكال؛ لأنّه يشمل القولين: القول بالوضع التعيينيكما هو المعلوم، وهكذا القول بالوضع التعيّني، فإنّ بعد كثرة استعمال لفظ«الصلاة» في الأركان المخصوصة على حدٍّ لا يحتاج في الدلالة عليها إلى قرينةيصدق أنّ لفظ «الصلاة» صار اسماً لها، كما أنّ في كلمة «الأسد» بعد الاستعمالفي الرجل الشجاع بهذا الحدّ يصدق أنّ «الأسد» صار اسماً للرجل الشجاع،بخلاف القول بالمجاز فإنّ الاستعمال على هذا القول يحتاج إلى قرينة دائماً،وعليه لا يصدق أنّ «الصلاة» صارت اسماً للأركان المخصوصة، فهذا التعبيرأيضاً لا يكون جامعاً للآراء والأقوال.
والأولى في التعبير ما ذكرناه في عنوان البحث، فيدخل فيه الجميع حتّىقول الباقلاّني على توجيه، أمّا شموله للقول بالوضع التعييني وكذا القولبالحقيقة التعيّنيّة فمعلوم لا كلام فيه.
وأمّا على القول بالمجاز ـ سواء استعملت الألفاظ في الصحيح أو الفاسد فلأنّ الأصل في هذه الألفاظ المستعملة في كلام الشارع مجازاً هو استعمالها فيخصوص الصحيحة أو الأعمّ، بمعنى أنّ أيّهما كان فقد اعتبرت العلاقة بينهوبين المعاني اللغويّة ابتداء، واستعمل في الآخر بتبعه ومناسبته، كي ينزّل
(صفحه252)
كلامه عليه مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغويّة، وعدم قرينة اُخرى معيّنةللآخر، فيكون أحدهما مجازيّاً في طول الآخر لا في عرضه، كما قال به صاحبالكفاية قدسسره . ويعبّر عنه في العلوم الأدبيّة بسبك المجاز عن المجاز، وكان له أثر فيمقام العمل، فإنّ الشارع إذا أراد من اللفظ معناه المجازي الأوّل فلابدّ له مننصب قرينة صارفة عن المعنى اللّغوي بدون نصب قرينة معيّنة اُخرى، وأمّإذا أراد منه معناه المجازي الثاني فلينصب قرينتين: صارفة ومعيّنة، فيمكن أنيقول البعض بالأصالة للصحيح والتبعيّة للأعمّ، والبعض الآخر بالعكس.
وأمّا على قول الباقلاّني فبأنّ الألفاظ مستعملة في معانيها اللغويّة، ولكنالخصوصيّات من الأجزاء والشرائط مستفادة من القرينة، وهي قد تكونبألفاظ مفصّلة خاصّة، مثل: أن يقال: «صلّ» و«اسجد» و«اركع» إلى غيرذلك، وحينئذٍ لم يكن أي نزاع.
وقد تكون باللفظ الجامع العامّ بأن يقال: «صلّ» ويضمّ إليه لفظ جامعلشتاتها، وحينئذٍ أمكن النزاع بأنّ المراد من هذه القرينة الجامعة هل يكونجميع ما يعتبر من الأجزاء والشرائط أو في الجملة؟ فيعبّر عن الأوّل بالصحيحوعن الثاني بالأعمّ.
ولابدّ لنا قبل الخوض في أصل البحث من ذكر اُمور:
الأوّل: تعريف الصحّة والفساد ومعناهما، فقد صرّح المحقّق الخراساني قدسسره (1)في مواضع متعدّدة بأنّ الصحّة عند الكلّ بمعنى واحد وهي التماميّة، ولامحالةيكون الفساد بمعنى النقصان.
ويستفاد من كلامه أنّ الصحّة والتماميّة كانتا مترادفتين، كما أنّ الفساد
- (1) كفاية الاُصول 1: 34 ـ 35.
(صفحه 253)
والنقصان كانا من المترادفين، وأنّ اختلاف التعبيرات عن الصحّة لا يرجع إلىاختلاف في مفهومها، بل لمّا كانت الأغراض مختلفة عبّر كلّ عن الصحّةبلازمها الموافق لغرضه، فإنّ غرض الفقيه ـ مثلاً ـ البحث عن حال فعلالمكلّف الذي هو موضوع علمه، ولذا عرّف الصحّة بإسقاط القضاء أوالإعادة، ولما كان غرض المتكلّم البحث عمّا يرجع إلى المبدأ وصفاته وأفعالهالتي منها أوامره ونواهيه وموافقتها الموجبة لاستحقاق المثوبة ومخالفتهالموجبة لاستحقاق العقوبة، عرّف الصحّة بموافقة الشريعة، وكذا الطبيب كانغرضه البحث عمّا يرتبط بسلامة بدن الإنسان ـ مثلاً ـ عرّف الصحّة باعتدالالمزاج، وهكذا عرّفها كلّ بما يوافق غرضه، وهذا لا يوجب تعدّد المعنى.
ثمّ قال(1) في آخر كلامه: إنّ الصحّة والفساد أمران إضافيّان، فيختلف شيءواحد صحّة وفساداً بحسب الحالات، فيكون تامّاً بحسب حالة وفاسدبحسب اُخرى، فإنّ الصلاة من جلوس صحيحةٌ للعاجز عن القيام، وفاسدةللقادر عليه.
وفيه: أوّلاً: أنّ تقابل التمام والنقص كان تقابل للعدم والملكة؛ إذ الناقصعبارة عن الشيء الذي من شأنه أن يكون تامّاً ولكنّه بالفعل غير تامّ، مثلاً:يقال: للإنسان الذي لم يكن له رجلٌ أنّ هذا الإنسان ناقص؛ لأنّ من شأنه أنيكون له رجلان، وأمّا الجدار ـ مثلاً ـ إذا كان كذلك فلا يقال له: إنّه ناقصٌ؛لأنّ الجدار ليس من شأنه أن يكون له رجلٌ، فيكون أحدهما أمراً وجوديّوالآخر أمراً عدميّاً خاصّاً.
وأمّا الصحّة والفساد فهما عبارة عن أمرين وجوديّين متضادّين؛ إذ الفساد
(صفحه254)
أمرٌ وجودي ملموس كما هو المعلوم، وهكذا الصحّة.
وثانياً: أنّ لازم الترادف جواز استعمال كلّ واحد من الألفاظ المترادفة فيمحلّ الآخر، مع أنّا نرى أنّ إطلاق كلمة الناقص على الإنسان الفاقد للبصرصحيح، بخلاف إطلاق كلمة الفاسد عليه، ولا يصحّ القول بأنّ هذا الإنسانفاسدٌ. وهكذا إطلاق كلمة الفاسد على البطّيخ إذا كان كذلك صحيحٌ، بخلافإطلاق كلمة الناقص عليه، ولا يصحّ القول بأنّه ناقص.
فالملاك في إطلاق كلمتي الناقص والتمام أنّهما يطلقان على المركّبات بلحاظفاقديّتها لبعض الأجزاء وواجديّتها لجميعها، كما في المولود الذي كان واجدلجميع الأعضاء والجوارح فيقال: إنّه تامّ الخلقة، وأمّا إذا كان فاقداً لبعضهفيقال له: إنّه ناقص الخلقة.
وأضاف اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ مورداً آخر لإطلاقهما وهو: أنّهميطلقان على البسائط بلحاظ المراتب التشكيكيّة والدرجات الشديدةوالضعيفة، فيقال للوجود الشديد ولمبدأ المبادئ: إنّه وجود تامّ، وللضعيفمثل الممكن: إنّه ناقصٌ، ولا يصحّ القول: بأنّ الممكن له وجود فاسد، أوللباري أنّه وجود صحيح.
وأمّا الملاك في إطلاق كلمتي الصحيح والفاسد فهو أنّ الشيء إذا تترتّبعليه الآثار المترقّبة من نوعه يطلق عليه كلمة الصحيح، كاللون والطعمالخاصّين في البطّيخ ـ مثلاً ـ وإذا لم يترتّب عليه ذلك يطلق عليه كلمة الفاسد،فإطلاقهما عليه ليس لكونه مركّباً ذي أجزاء قد يكون واجدها، وقد يكونفاقداً لبعضها، وليس لكونه أمراً بسيطاً ذات مراتب متفاوتة، فتكون موارداستعمال الصحّة والفساد غير موارد استعمال التام والناقص، كما لا يخفى.
(صفحه 255)
واستشكل بأنّ الصلاة مركّبة اعتباريّة من الأجزاء والشرائط، بل منالمقولات المتباينة والمختلفة، فلازم هذا البيان عدم صحّة إطلاق كلمتيالصحيح والفاسد عليها، مع أنّه متداول بلحاظ واجديّتها للأجزاء والشرائط،وفاقديّتها لبعضها.
وأمّا جوابه فأنّ الصلاة مع كونها من المركّبات الاعتباريّة كانت لها بنظرالشارع الوحدة الاعتباريّة أيضاً، ويؤيّدها تسمية الشارع عدّة من الاُمورباسم قواطعها كالضحك والتكلّم وأمثالهما، ومعلوم أنّ مورد إطلاق كلمةالقطع عبارة عن الشيء الذي كانت له وحدة اتّصاليّة.
ولا يتوهّم أنّ هذا الإطلاق يكون بلحاظ كون الصلاة من الأقلّ والأكثرالارتباطي، كما إذا أمر الطبيبُ المريض بأكل المعجون المركّب من الأجزاءالعشرة ـ مثلاً ـ ويشترط بأنّه إذا فقد بعض الأجزاء لم يكن للباقي شيء منالأثر أصلاً، وكذلك في الصلاة؛ لأنّ المفروض في الصلاة تحقّق جميع الأجزاء،ومعه تحقّق أمر آخر باسم القاطع كالضحك مثلاً، وهذا مؤيّد لاعتبار الشارعلها وحدة اعتباريّة.
ويؤيّدها أيضاً فرض بعض الروايات الصلاة بمنزلة الإحرام الصغيرة التيشروعها بتكبيرة الإحرام وختمها بالتسليم، مثل إحرام الحجّ التي شروعهبالتلبية وختمها بالتقصير أو الحلق.
فيكون إطلاق الفاسد والصحيح عليها بلحاظ ترتّب الأثر المترقّب منهعليها وعدمه، فإنّ الصلاة الفاقدة لبعض الأجزاء لا تكون معراجاً للمؤمنوقرباناً لكلّ تقي، ولذا يطلق عليها كلمة الفاسد، لا بلحاظ تركّبها من الأجزاءوفقدان بعضها.