(صفحه180)
ولكن يرد عليه: أوّلاً: أنّ الإشارة اللفظيّة وإن كانت مقترنة بالإشارةالعمليّة في أكثر الموارد، مع أنّه لا كلّيّة لها، وهي تأكيد لها، فإنّا نرى بالوجدانتحقّق إشارة لفظيّة مستقلّة، ولم يلتزم أحدٌ بعدم صحّة هذا الاستعمال أومجازيّته.
وثانياً: أنّ الضمائر وأسماء الإشارة لا تنحصر بباب التكلّم فقط، بل يستفادمنها في مقام الكتابة أيضاً، ولا معنى لاقترانها ههنا.
وثالثاً: أنّ لازم اقترانها بها دائماً ـ مع أنّ الإشارة العمليّة مستقلّة فيتحقّقها ـ أن تكون الإشارة اللفظيّة تأكيداً لها، فكلمة «هذا» ـ مثلاً ـ وضعتلتأكيد الإشارة.
والحاصل: أنّ كلاًّ منهما مستقلّة من حيث التحقّق، وقد يجتمعان للتأكيد،ولاريب في أنّ مدلول حركة اليد ومفاد الإشارة العمليّة لا يكون المفردالمذكّر، بل حركة نحو المشار إليه، عمل وفعل يدلّ على الإشارة، والدالّ هوالفعل، والمدلول هي واقعيّة الإشارة، كأنّه وضع بالوضع الطبيعي للدلالة علىالإشارة، وهي معنى حرفي تتقوّم بشخصين: المشير والمشار إليه، وهكذمدلول «هذا» ومفاد الإشارة اللفظيّة، فإنّه أيضاً يدلّ على الإشارة بلا فرقبينهما، إلاّ أنّه أخذ في مشار إليه كلمة «هذا» الخصوصيّتين ـ أعني: كونه المفردالمذكّر والحاضر ـ ولكن لا ربط لهما في حقيقة المعنى كما يؤيّده ابن مالك بقوله:«بذا لمفرد مذكّر أشر».
وأمّا ما قال به المحقّق الخراساني قدسسره : من أنّ كلمة هذا وضع لكلّي المفردالمذكّر، فهو مخالف لفهم العرف منه، ويخالف ما يفهم من سائر مرادفاته في باقياللّغات، ولا يكون بينهما اتّحاد مفهومي ولا اتّحاد من حيث الماهيّة.
(صفحه 181)
لا يقال: إنّه إذا كان مدلول كلمة «هذا» الإشارة مع كونها من المعانيالحرفيّة، فلا يصلح لأن يقع مُسنداً ولا مسنداً إليه، مع أنّ وقوعه مسنداً ليستقابلةً للإنكار، مثل جملة: «هذا زيدٌ» و«هذا قائمٌ».
لأنّا نقول: إنّ الموضوع والمسند والمبتدأ في هذه الموارد وهكذا في الإشارةالعمليّة هو المشار إليه لا الإشارة، أو أنّ المحمول قرينةٌ على أنّ الموضوع هوالمشار إليه؛ إذ الإشارة ليست بقائم، بل المشار إليه قائمٌ.
والحاصل: أنّ الإشارة ـ سواء كانت إلى القريب أو البعيد ـ لها معان حرفيّةوإن عبّروا عنها بأسماء الإشارة.
مدلول الضمائر
ولابدّ لنا من البحث في كلّ منها مستقلاًّ، ولا دليل لاشتراكها في المعنىفنلاحظها مستقلّة، أمّا ضمير الغائب ـ مثل كلمة «هو» و«هما» و«هم»و«هي» وأمثال ذلك ـ فالظاهر أنّه مشترك مع اسم الإشارة في المعنى، كما أنّأسماء الإشارة وضعت لحقيقة الإشارة، كذلك ضمير الغائب وضع لحقيقةالإشارة، إلاّ أنّه قيّد في مرجع ضمير الغائب بمعهوديّته ذكراً أو ذهناً، وهذهتوجب صلاحيّته للإشارة وينزّله منزلة الحاضر، وإلاّ لا يمكن الإشارة اللفظيّةإلى الغائب، كما أنّه لا يمكن إشارة عمليّة إليه، مع أنّ الإشارة اللفظيّة أكثر متكون معها إشارة عمليّة، سواء كانت إلى الغائب أو الحاضر، فيكون لضميرالغائب كأسماء الإشارة معنى حرفي.
وأمّا ضمير المخاطب فلا يخفى أنّه لا تحقّق لعنوان الإشارة فيه، وفي مدلولهاحتمالان:
الأوّل: أنّه وضع للمخاطبة التي كانت لها واقعيّة متقوّمة بالطرفين، فوضع
(صفحه182)
ضمير «أنت» و«إيّاك» وأمثال ذلك للمخاطبة، فهو مشترك مع ضمير الغائبفي المعنى الحرفي.
الثاني: أنّ الواضع في مقام الوضع لاحظ عنوان كلّي المخاطب ثمّ وضع لفظالمخاطب لهذا العنوان الكلّي، ولفظ «أنت» و«إيّاك» لمصاديق هذا المفهوم، ولذإن سمع كلمة «أنت» من وراء الجدار يتصوّر مخاطباً جزئيّاً، بخلاف كلمة«المخاطب»، وهذه عبارة عن الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، فلا تنحصرمصاديقه بباب الحروف، ولكنّ هذا الاحتمال مبنائي، وهو ممنوع عندنا ـ كممرّ ـ فيكون معنى الضمير المخاطب على هذا الاحتمال معنى اسمي.
وأمّا ضمير المتكلّم ففي مدلوله أيضاً احتمالان:
أحدهما: أنّ لفظ «أنا» وكذا لفظ «نحن» وضع للإشارة بشرط أن يكونالمشار إليه فيه نفس المتكلّم أو الأنفس، ويؤيّده اقترانها غالباً مع الإشارةالعمليّة إلى النفس أو الأنفس، فيكون له معنى حرفي.
وثانيهما: أنّ الواضع حين الوضع لاحظ مفهوم كلّي المتكلّم، ثمّ وضع كلمة«المتكلّم» لهذا المفهوم الكلّي، وكلمة «أنا» لمصاديقه بنحو الوضع العامّوالموضوع له الخاصّ. ويؤيّده سماعهما من وراء الجدار، فإنّ من السماع الأوّلينتقل الذهن إلى المعنى الكلّي، ومن السماع الثاني إلى المعنى الجزئي والخاصّ،فيكون له معنى اسمي.
نكتة: أنّ المعاني الحرفيّة مع أنّها في تحقّقها تحتاج إلى الطرفين، ولكن فيمقام الإفادة وبيان المقاصد يتعلّق الغرض بها؛ لأنّ غرض المتكلّم في جميعالجمل بيان هوهويّة متحقّقة بين الموضوع والمحمول، فيكون لها في هذا المقامكمال الاستقلال.
(صفحه 183)
(صفحه184)
في استعمال اللفظ في المعنى المجازي
الأمر الثالث
استعمال اللفظ في المعنى المجازي
اختلفوا في أنّ ملاك صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازي وما يناسبالموضوع له هل هو بالطبع أو بالوضع، أعني ترخيص الواضع في الاستعماللوجود عُلقة من العلائق؟ وجهان بل قولان، أظهرهما أنّه بالطبع، بشهادةالوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه، وباستهجان الاستعمالفيما لا يناسبه، ولو مع ترخيصه، ولا معنى لصحّته إلاّ حُسنه، هذا ما قال بهصاحب الكفاية قدسسره (1).
لا يخفى أنّ أصل كلامه مؤيّد بوضع أعلام شخصيّة؛ إذ الواضع ـ مثل الأبوغيره ـ يضع لفظ «حاتم» مثلاً لابنه، مع أنّه لا يعلم باتّصافه بصفة الجود فيالمستقبل، وبعد اتّصافه بهذه الصفة يطلق هذا اللفظ على كلّ من اتّصف بصفةالجود بلا ترخيص من الواضع؛ إذ الطبع يقبله ويحسّنه، ولكنّ دليله قدسسره مجملٌ،فإنّا لا نعلم أنّ التفسير من صحّة الاستعمال بحسن الاستعمال ينحصر فيالاستعمالات المجازيّة أو يشمل الاستعمالات الحقيقيّة أيضاً، ولابدّ من أعمّيّتهفي كلّ الاستعمالات؛ إذ لا يعقل للصحّة معنيان، وحينئذٍ هل يكون الحسن في