أمّا البحث في الجهة الاُولى فإنّه قد تحقّق في المنطق أنّ العرض يستعمل فيقبال الذات والذاتيّات، وأنّ الكلّيّات الخمسة ثلاثة منها ترتبط بالذاتوالذاتيّات، وهي: النوع والجنس والفصل، واثنان منها ترتبط بالعرض، وهما:العرض الخاصّ والعرض العامّ، وهذا أحد التقسيمات للعرض. والتقسيم الآخرله يكون إلى عرض مفارق وعرض لازم، وللعرض اللازم تقسيمٌ إلى اللازمالبيّن واللازم غير البيّن، واللازم البيّن ينقسم إلى البيّن بالمعنى الأخصّ، والبيّنبالمعنى الأعمّ، والمقصود هنا تقسيمه الثالث، وهو أنّ العرض قد يكون ذاتيّوقد يكون غريباً، وذكروا لتنقيح البحث صوراً للعرض.
وعند المشهور بعضها عرض ذاتي بلا إشكال، وبعضها عرض غريب بلريب، وبعضها مختلف فيه، وقالوا: إنّ العرض على ثمانية أقسام:
الأوّل: أن يكون العرض عارضاً على المعروض بلا واسطة أصلاً، لا ثبوتولاعروضاً؛ إذ كان العرض بديهيّاً، بل ربما كان من لوازم ماهيّة المعروضمثل: الأربعة زوج.
إن قلت: إنّ الدليل على زوجيّة الأربعة موجودٌ، وهو أنّها منقسمة إلىالمتساويين.
قلنا: هذا معنى الزوجيّة لا دليلها، وإن أبيت قلنا: إنّ انقسام الأربعة إلىالمتساويين لا يحتاج إلى العلّة، مع أنّها عرض للأربعة.
إن قلت: إنّ هذه ماهيّة الأربعة لا عرضها.
قلنا: إن كانت هي ماهيّة لها فلِمَ تنقسم السِتَّة والثمانية والعشرة إلىالمتساويين؟! فهذا دليل على عدم كونها ماهيّةً لها، فالزوجيّة والانقسام إلىالمتساويين عارضان على الأربعة بلا واسطة وبلا علّة، مع أنّهما غير مرتبطينبماهيّة الأربعة.
الثاني والثالث: أن يكون العرض عارضاً على المعروض بواسطة داخليّة،يعني: أن تكون الواسطة جزءً لماهيّة المعروض، وأجزاء الماهيّة ليست أزيدمن اثنين، أحدهما: الجزء الأعمّ ـ أي الجنس ـ وثانيهما: الجزء المساوي ـ أيالفصل ـ والجزء الأخصّ للماهيّة ليس بموجود، فإنّ الماهيّة مركّبة من الجنسوالفصل ولا ثالث لهما.
وأمّا إن كان العروض بواسطة داخليّة أعمّ، مثل: الإنسان ماشي؛ لأنّهحيوان، فإنّ المشي عارض على الإنسان بواسطة جزء ماهيّة الأعمّ، يعني:الحيوانيّة التي هي أعمّ من الإنسان وغيره. وأمّا إن كان العروض بواسطةداخليّة مساوية، مثل: الإنسان عالم؛ لأنّه ناطق، أي مدرك للكلّيّات، فإنّ
(صفحه30)
عنوان العالميّة عارض على الإنسان بواسطة داخليّة مساوية؛ إذ النطق مع أنّهجزء لماهيّة الإنسان لكنّه مساوٍ له.
وأمّا الأقسام الخمسة الباقية فلها جهة مشتركة، وهي: أنّ الواسطة فيالجميع خارجيّة.
توضيح ذلك: أنّ الواسطة قد تكون مساوية للمعروض، وقد تكون أعمّمنه، وقد تكون أخصّ منه، وقد تكون مباينة للمعروض، والمباينة علىقسمين.
وأمّا إن كان العرض عارضاً على المعروض بواسطة خارجيّة مساويةللمعروض فهو مثل: الإنسان ضاحك؛ لأنّه متعجّبٌ، فالمتعجّب وإن كانخارجاً عن ذات الإنسان إلاّ أنّه مساوٍ له، فإنّ كلّ إنسان متعجّب، وكلّمتعجّب إنسانٌ.
وأمّا إن كانت الواسطة الخارجيّة أعمّاً من المعروض فهو مثل: الإنسانالذي أصابه التعب والألم لأنّه ماشٍ، فالمشي واسطة خارجيّة أعمّ منالمعروض؛ إذ المشي لا يختصُّ بالإنسان.
وأمّا إن كانت الواسطة الخارجيّة أخصّ من المعروض كأن عرض عارضعلى النوع وحملناه على الجنس بصورة قضيّة مهملة لا بصورة قضيّة كلّيّة،مثل: الحيوان ناطق لأنّه إنسان، فإنّا إذا لاحظنا الإنسان يكون الحيوان جزءًلماهيّته، بينما لاحظنا الحيوان فليس الإنسان جزء ماهيّته، فحمل الناطق علىالحيوان عرضيٌّ بواسطة خارجيّة هي أخصّ من المعروض؛ أي الإنسان.
وأمّا إن كانت الواسطة مباينة للمعروض فمعلوم أنّه لا يكون المراد منالمباينة خارجاً عن ماهيّة المعروض، بل المراد أنّه لا يكون في الخارج فردٌ