(صفحه 335)
الاُولى: أنّ القائل بالسببيّة لا يقول: بأنّ السبب عبارة عن نفس كلمة«بعت» و«اشتريت» ولو كان القائل في حال النوم أو في مقام الإخبار، بلالسبب عنده عبارة عن قولهما في مقام الإنشاء مع قصد التمليك والتملّك، فنسبةهذا التوهّم إليه بعيد من المحقّق النائيني قدسسره .
الثانية: أنّا لا نعلم أنّ مقصوده من اتّحاد الآلة وذيها ما هو؟ فكيف يعقلالاتّحاد الوجودي بين السكّين والقتل أو القلم والكتابة مع أنّ الاُولى تكونمن مقولة الجوهر والثانية من مقولة الفعل؟! مع أنّ في باب المعاملات شاهدأقوى على أنّ بين الآلة وذيها يتحقّق كمال المغايرة، وهو أنّ الآلة عبارة عناللفظ ولها واقعيّة غير قابلة للإنكار، وأمّا ذوها فعبارة عن الملكيّة وأمثالذلك، وهي من الاُمور الاعتباريّة، ولا يعقل الاتّحاد بينهما أصلاً.
ولو سلّمنا أنّ نسبة صيغ العقود إلى المعاملات نسبة الآلة إلى ذيها فلمناص عن تعدّد الوجود، وإذا كان الأمر كذلك فيعود الإشكال ههنا أيضاً؛لأنّه يدور مدار تعدّد الوجود، فإذا كانت الآلة وذوها متعدّدة والآية الشريفةناظرة إلى ذيها فهو دليل على عدم إمضاء المعاطاة والبيع بالفارسيّة وأمثالذلك من الأسباب أو الآلات المشكوكة، إلاّ في صورة وحدة السبب أو تعدّدهوكونها في رديف واحد من حيث التأثّر وعدمه.
وأمّا التحقيق في الجواب فيحتاج إلى مقدّمتين: إحداهما: أنّ المسبّبات التيوضعت الألفاظ والعناوين لها عبارة عن المسبّبات العرفيّة لا الشرعيّة، ولكنّالشكّ في السببيّة الشرعيّة بعد إحراز السببيّة العرفيّة، فإنّا نعلم أنّ المعاطاةوالبيع بالفارسيّة وأمثال ذلك لها سببّية عند العرف، ونشكّ في إمضاء الشارعلسببيّتها وعدمه.
(صفحه336)
والثانية: أنّ المسبّب ـ كالملكيّة ـ وإن كان من الاُمور الاعتباريّة إلاّ أنّهتتعدّد باختلاف طرف إضافتها، فإنّ ملكية «زيد» للكتاب غير ملكيّة«عمرو» له، وإذا صار ملكاً له فهذه ملكيّة اُخرى لا نفس تلك الملكيّة،وهكذا ملكيّة «زيد» لكتابه غير ملكيّته لداره، فللملكيّة مصاديق متعدّدة، إلأنّ جميعها مشتركة في الملكيّة الاعتباريّة كاشتراك أفراد الإنسان في الماهيّةالنوعيّة ـ أي الإنسانيّة.
وإذا عرفت ذلك فنقول: إنّ الأسباب المتعدّدة التي يكون بعضها متيقّنالسببيّة وبعضها مشكوك السببيّة ليس لها مسبّب واحد حتّى لا يكون إمضاءالمسبّب ملازماً لإمضاء الأسباب المشكوكة، بل كان لكلّ سبب مسبّبخاصّ، فإذا باع أحد كتابه ببيع المعاطاة أو العقد بالفارسيّة فلا شكّ في تحقّقالسبب العرفي وشمول إطلاق «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» له، ولا معنى لإمضاء الملكيّةالحاصلة عقيب المعاطاة والبيع بالفارسيّة، بدون إمضاء هذين السببين، فلمحالة إمضاء المسبّب يستلزم إمضاء السبب أيضاً.
وبعبارة اُخرى: أنّ المراد من وحدة المسبّب ما هو؟ فإن كان المراد الوحدةالشخصيّة الخارجيّة فهو خلاف الواقع، فإنّ لكلّ بيع مسبّباً خاصّاً، ويدلّعليه تغيير الملكيّة بتغيير طرف إضافتها. وإن كان المراد منها الوحدة النوعيّةوالسنخيّة وله مصاديق متعدّدة ـ وإطلاق الآية الشريفة يشمل جميعها فإمضاء المسبّب بالإطلاق إمضاء للسبب العرفي، ولو كان مشكوكاً من حيثالشرع فلا يعقل صحّة الملكيّة الواقعة عقيب المعاطاة بدون المعاطاة، ولا يكادينفكّ إمضاء المسبّب عن السبب، فيتمسّك في موارد الشكّ بالإطلاق، وينفي بهمشكوك الشرطيّة أو الجزئيّة.
(صفحه 337)
(صفحه338)
في الاشتراك اللفظي
الأمر الحادي عشر
في الاشتراك اللفظي
فقد وقع الخلاف في أنّ الاشتراك ضروري الوجود أو ضروري العدم؛لامتناع وقوعه خارجاً، أو سلب الضرورة من وجوده وعدمه وإمكانوقوعه خارجاً.
واستدلّ القائل بوجوب الاشتراك في اللّغات بأنّ الألفاظ متناهية؛ لتركّبهمن الحروف الهجائيّة المتناهية والتراكب المؤلّفة منها أيضاً متناهية قطعاً،بخلاف المعاني الموجودة في الواقع ونفس الأمر، فإنّها غير متناهية، فلابدّ منالاشتراك في الألفاظ حتّى تكون الألفاظ وافية بالمعاني، ولا يبقى معنى بلا لفظدالّ عليه، إلاّ أنّه لا يكون بمعنى الاشتراك في جميع الألفاظ، بل بمعنى وقوعهولو كان بوضع لفظ واحد لمعاني متعدّدة وعدمه في لفظ آخر أصلاً.
وأجاب عنه صاحب الكفاية قدسسره (1) بوجوه: أحدها: أنّ اشتراك الألفاظ فيالمعاني غير المتناهية يستدعي أوضاعاً غير متناهية، فإنّ تعدّد الوضع تابعلتعدّد المعنى، ويحتاج كلّ معنى من المعاني إلى وضع مختصّ به، وحيث إنّ
(صفحه 339)
المعاني غير متناهية فلابدّ من الأوضاع الغير المتناهية، وصدورها من واضعمتناه محال.
وثانيها: أنّه لو سُلّم إمكان الاشتراك حينئذٍ بدعوى أنّ الواضع هو اللّهتعالى إلاّ أنّه من البديهي أنّ الوضع مقدّمة للاستعمال ولإبراز الحاجةوالأغراض، وهو من البشر لا منه تعالى، فحينئذٍ وضع الألفاظ بإزاء المعانيالغير المتناهية يكون لغواً محضاً، ولا يترتّب عليه الأثر، فلا يصدر عن الواضعالحكيم، فإنّه زائد على مقدار الحاجة إلى الاستعمال.
وثالثها: أنّ المعاني الجزئيّة وإن كانت غير متناهية لكنّها لا تقتضيالأوضاع الغير المتناهية؛ لإغناء الوضع للمعاني الكلّيّة المتناهية عن الوضعللمعاني الجزئيّة الغير المتناهية، كما أنّ الأمر كذلك في جميع أسماء الأجناس،فإنّ لفظ الأسد ـ مثلاً ـ موضوع لطبيعي ذلك الحيوان الخاصّ ثمّ نستعمله فيكلّ فرد من أفرادها من دون أن تكون لأفرادها أسماء خاصّة فلا داعي إلىوجوب الاشتراك.
ورابعها: أنّ باب التفهيم والتفهّم ليس منحصراً بالاستعمال الحقيقي، بليمكن إفهام المعاني بالاستعمال المجازي، فإنّ باب المجاز واسع، ولا مانع من أنيكون الاستعمال لمعنى واحد حقيقيّاً ولمعان متعدّدة مجازيّة، فلا موجبلوجوب الاشتراك في الألفاظ. هذا تمام كلامه في مقام الجواب عن القولبوجوب الاشتراك.
ويضاف إليه ما ينسبق إلى الذهن من أنّه لا مانع من وضع لفظ مخصوصلمعنى غير متناهي، مثل: وضع لفظ «اللّه» لذات واجب الوجود.
ولا يخفى أنّ ما أفاده قدسسره في الجواب الأوّل من احتياج كلّ معنى من المعاني