(صفحه378)
لا المفهوم.
وأمّا الشاهد الأوّل فمردود؛ بأنّ الاختلاف في لفظ الجلالة ناشٍ عنالاختلاف في أصل التوحيد؛ لأنّ عدّة من الفلاسفة قالوا بتعدّد الواجبـ تعالى عن ذلك شأنه ـ ومعلوم أنّ الواضع في مقام الوضع لا يكون تابعاً لنظرالموحّدين، فيمكن وضع لفظ الجلالة لمفهوم كلّي.
ثمّ اختلف الإلهيّون في مصداقه بأنّه واحد أم متعدّد، فلا ربط للوضعبالاعتقاد الصحيح والباطل، مثل: وضع كلمة الصنم لشريك الباري، مع أنّالحقّ أنّه علم شخص كما لا يخفى.
وأمّا الشاهد الثاني فواضح البطلان؛ إذ المراد منه إن كان كلمةالواجب فقط فهو بمعنى الثابت والضرورة وكان له مصاديق متعدّدة، فإنّه قديضاف إلى الوجود وقد يضاف إلى العدم، فيقال: واجب العدم، مثل: شريكالباري، وإن كان المراد منه كلمتي الواجب والوجود معاً فلا وضع لهما أصلاً،بل هما كلمتان كان لكلّ منهما وضع على حدة وركّبهما المستعمل حينالاستعمال، مع أنّه بعد التركيب أيضاً لا ينحصر بالباري، فإنّ لها أقساممتعدّدة، مثل: واجب الوجود بالغير ـ أي الممكنات ـ وواجب الوجودبالقياس إلى الغير. نعم، ينحصر به إذا ركّبت ثلاث كلمات مثل: واجبالوجود بالذات.
وأمّا الجواب الثاني عن الإشكال فهو ما قال به اُستاذنا المرحوم السيّدالبروجردي قدسسره (1) وبعض الأعلام على ما في كتاب المحاضرات(2) وهو: أنّ اسم
- (2) محاضرات في اُصول الفقه 1: 232 ـ 233.
(صفحه 379)
الزمان لم يوضع بوضع على حدة في قبال اسم المكان، بل الهيئة المشتركة بينهمـ وهي هيئة مفعل ـ وضعت بوضع واحد لمعنى واحد كلّي، وهو ظرف وقوعالفعل في الخارج أعمّ من أن يكون زماناً أو مكاناً، والنزاع يكون في وضعالهيئة بلا نظر إلى مادّة دون مادّة، وفرد دون فرد، فإذا لم يعقل بقاء الذات فيفرد مع زواله لم يوجب ذلك عدم جريان النزاع في نفس الهيئة المشتركة بين ميعقل فيه بقاء الذات مع انقضاء المبدأ عنها ومالا يعقل فيه ذلك، وحيث إنّالهيئة في محلّ البحث وضعت لوعاء المبدأ الجامع بين الزمان والمكان كانالنزاع في وضعها لخصوص المتلبّس أو الأعمّ نزاعاً معقولاً، غاية الأمر أنّالذات إذا كانت زماناً لم يعقل بقاؤها مع زوال التلبّس عن المبدأ، وإذا كانتمكاناً يعقل فيه ذلك.
نعم، لو كانت هيئة اسم الزمان موضوعة بوضع على حدة لخصوصالزمان الذي وقع فيه الفعل لم يكن مناص من الالتزام، إلاّ بخروج اسم الزمانعن النزاع.
ولا يخفى أنّ صحّة هذا الجواب مبتنٍ على أن تكون هيئة «مفعل» مشتركمعنوياً، وإلاّ بقي الإشكال بحاله، فلابدّ من تحقيق أنّ هذا الاشتراك معنوي أولفظي، ومعلوم أنّه لا يعقل بين الزمان والمكان جامع ماهوي وحقيقي، فإنّهممن المقولتين المتباينتين.
نعم، يتصوّر بينهما جامع عنواني مثل عنوان «الظرف» بأنّ الواضع وضعهيئة «مفعل» للظرف، وهو يشمل ظرف الزمان والمكان بصورة مشتركمعنوي.
ولكنّه مخدوش بأنّ هذا الوضع إن فرض بصورة الوضع العامّ والموضوع له
(صفحه380)
العامّ فلابدّ من انسباق الذهن إلى مفهوم الظرف بمجرّد سماع هيئة «مفعل» فإنّهمعناها، وهو خلاف المتبادر عند العرف، وإن فرض بصورة الوضع العامّوالموضوع له الخاصّ؛ بأنّ الواضع لاحظ مفهوم الظرف ووضع هيئة «مفعل»لمصاديقه وكان له في الخارج مصداقان، أي الزمان والمكان.
وفيه: أوّلاً: أنّ لازم ذلك كون الوضع في جميع المشتقّات كذلك، وهوكماترى.
وثانياً: أنّ أصل الإشكال يعود بحاله، فإنّ الوضع العامّ والموضوع لهالخاصّ نوع من الاشتراك اللفظي كما مرّ ـ وإن كان أصل إمكان هذا القسممن الوضع مخدوشاً عندنا ـ إذ يتحقّق عنوان الاشتراك اللفظي بلحاظ تعدّدموضوع له وإن لم يكن الوضع متعدّداً، وكأنّه تحقّق هنا وضع مستقلّ لاسمالزمان ووضع مستقلّ آخر لاسم المكان، فلابدّ من خروج اسم الزمان عنمحلّ النزاع؛ إذ لا يتصوّر له من قضى عنه المبدأ.
وثالثاً: أنّه إذا قلنا بأنّ يوم عاشوراء مقتل الإمام الحسين عليهالسلام كانالعاشوراء معنى كلّيّاً، وهو عبارة عن يوم العاشر من المحرّم الحرام، وهوعنوان ثابت يتحقّق في كلّ سنة، فاليوم العاشر من المحرّم سنة «61» تلبّسبالمبدأ، واليوم العاشر من المحرّم في السنوات الاُخر انقضى عنه المبدأ، فيدخلاسم الزمان في محلّ النزاع.
وفيه: أنّ البحث هنا لا يكون في مفاد يوم العاشر، بل البحث في معنى هيئة«مفعل» والقول بأنّ قتل الحسين عليهالسلام وقع في يوم عاشوراء، وعاشوراء كلّيقابل للدوام لا يوجب حلّ الإشكال، فإنّ هذا نظير تلبّس الفرد بالمبدأ،وانتساب بقائه إلى فرد آخر من ماهيّته، وهو كما ترى.
(صفحه 381)
ورابعاً: أنّ الاتّصال مساوق مع الوحدة، ولذا لا تعدّد في الزمان.
وفيه: أنّ هذا بحث فلسفي، ولكنّ العرف يرى الزمان ممّا يوجد وينقضي.
فالحقّ أنّ الإشكال لايكون قابلاً للجواب، فلابدّ من الالتزام بخروج اسمالزمان عن محلّ النزاع.
(صفحه382)
الأمر الثالث
في خروج الأفعال والمصادر من النزاع
لا شكّ في أنّ للمشتقّات تحقّق مادّة الاشتقاقي، ويعبّر عنه بمشتقّ منه،ولكنّ الاختلاف في أنّها عبارة عن المصدر أو الفعل، وهكذا في كيفيّة وضعها،وحكي عن الكوفيّين أنّها عبارة عن المصدر، وعن البصريّين أنّها عبارة عنالفعل، وكلا القولين واضح البطلان؛ إذ لابدّ في المادّة من كونها محفوظة بلفظهومعناها في جميع المشتقّات، ولا تتحقّق هذه الخصوصيّة فيهما؛ إذ الظاهر منالفعل ههنا هو الفعل الماضي، وكان له معنىً خاصّاً وهيئة خاصّة، وليسأحدهما موجوداً في أحد المشتقّات، فإنّ هيئته آبيةٌ عن ورود هيئة اُخرىعليه، ومعناه مباين لمعنى سائر المشتقّات كما لا يخفى.
وأمّا المصدر فإن كان معناه مشتملاً على النسبة ـ مثل الضرب الذي يعبّرعنه بالفارسي بـ «كتك زدن» ـ فهو أيضاً لايحفظ لفظه ولا معناه في سائرالمشتقّات، وأمّا إن كان معناه خالياً عن النسبة ـ مثل أن يعبّر عن الضرببالفارسي بـ «كتك» ـ فهو وإن كان معناه محفوظاً في سائر المشتقّات إلاّ أنّهيئته ليست بمحفوظة.
فالتحقيق كما قال المحقّقون من المتأخّرين: إنّ مادّة المشتقّات عارية