(صفحه 389)
ولا يتوهّم أنّ القدر الجامع بينهما موجود، فلا ضرورة بتعدّد الوضع؛ بأنّالواضع وضع اللفظ لكلّي الارتباط، سواء كان صدوريّاً أم حلوليّاً؛ لأنّهمردود؛ إذ كلّي الارتباط يشمل الفعل الماضي المجهول أيضاً، مع أنّ الارتباطفيه وقوعيّ، فلا يكون جامعاً بين خصوص الارتباط الصدوري والحلولي،فلابدّ من تعدّد الوضع فيه وإن كانت الهيئة واحدةً. وأمّا الفعل المضارعفيختلف في الدلالة، فمنه ما يدلّ على المستقبل، ومنه ما يطلق على الحال، مثل:قول القائل: هل تعلم حكم هذه المسألة؟ والجواب: نعم أعلم حكمها، وهكذقوله: هل تقدر على الذهاب إلى المدرسة؟ والجواب: نعم أقدر على ذلك،فاستعمل في هذين المثالين بمعنى الحال، واستعماله في هذا المعنى كثير، ولذا قالالمحقّق النائيني قدسسره : إنّ الفعل المضارع وضع للحال ولا يستعمل في الاستقبال إلبالقرائن، واستدلّ بقوله تعالى: «وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً»(1).
وجوابه: أنّ الآية تدلّ على استعمال الفعل المضارع في الحال، لا أنّهيستعمل فيه مطلقاً، وهو يكون معنى حقيقيّاً له، فلا شكّ في استعمال الفعلالمضارع في الحال والاستقبال بدون القرينة، إنّما الكلام في أنّ اشتراكه بينهمهل يكون معنويّاً أم لفظيّاً، أو يكون في المسألة احتمال ثالث؟ ويستفاد منكلام صاحب الكفاية قدسسره (2) أنّ اشتراكه بينهما يكون معنويّاً، ومن هنا ذكرتأييداً لما ادّعاه من عدم دلالة الفعل على الزمان بقوله: إنّ المضارع يكونمشتركاً معنويّاً بين الحال والاستقبال، ولا معنى له إلاّ أن يكون له خصوصمعنى صحّ انطباقه على كلّ منهما، لا أنّه يدلّ على مفهوم زمان يعمهما مثل
(صفحه390)
الزمان غير الماضي.
كما أنّ الجملة الاسميّة كـ «زيد ضارب» يكون لها معنى صحّ انطباقه علىكلّ واحد من الأزمنة مع عدم دلالتها على واحد منها أصلاً.
وحاصله: أنّ المشترك المعنوي ليس بمعنى وجود عنوان جامع بينهما، بليكون لمدلول فعل المضارع خصوصيّة تنطبق في الزمانيّات على الحالوالاستقبال.
وقال اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (1): «لايبعد أنّ يقال: إنّ هيئة المضارع وضعتللصدور الاستقبالي، لكنّها استعملت في بعض الموارد في الحال حتّى صارتحقيقة فيه».
ولكنّ الظاهر أنّه لايبعد القول بتعدّد الوضع في الفعل المضارع أيضاً؛ بأنّالواضع وضعه تارةً للصدور الحالي واُخرى للصدور الاستقبالي بصورةالاشتراك اللفظي؛ إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 110.
(صفحه 391)
(صفحه392)
الأمر الرابع
في أنّ اختلاف مبادئ المشتقّات هل يوجب الاختلاف
في المبحوث عنه ـ يعني هيئات المشتقّات ـ أم لا؟
قال صاحب الكفاية قدسسره (1): إنّ اختلاف المشتقّات في المبادئ وكون المبدأ فيبعضها حرفة وصناعة ـ كالتاجر والصائغ ـ وفي بعضها قوّة وملكة ـ كالمثمروالمجتهد ـ وفي بعضها فعليّاً ـ كالضارب والشارب ـ لا يوجب اختلافاً في دلالةالمشتقّات بحسب الهيئة أصلاً، ولا تفاوتاً في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى،غاية الأمر أنّه يختلف التلبّس به في المضي أو الحال، فيكون التلبّس بالمبدفعلاً لو أخذ حرفة أو ملكة ولو لم يتلبّس به إلى الحال أو انقضى عنه، ويكونممّا مضى أو يأتي لو أخذ فعليّاً، فلا يتفاوت في دلالة الهيئة أنحاء التلبُّساتوأنواع التعلّقات.
والحاصل: أنّ المبدأ إن كان ملكة أو حرفة فالتلبّس به عبارة عنوجودهما وإن لم يتلبّس بهما بعد، أو انقضى عنه بعد التلبّس بهما وإن لم يكنحين النطق متلبّساً بهما كالمجتهد إذا أكل مثلاً، وإن كان فعلاً فالتلبّس بالمبد
(صفحه 393)
هو الاشتغال به، فإطلاق المشتقّ على من لم يتلبّس به أو انقضى عنه يكونمجازاً كالشارب والضارب، فما يترتّب على اختلاف المبادئ هو طول زمانالتلبّس بها وقصره، فالشجرة المثمرة يصدق عليها عنوان المثمر في جميعفصول السنة مادامت لها قابليّة الإثمار وشأنيّته، وإذا زالت عنها هذه الشأنيّةفينقضي عنها المبدأ.
وهذا الكلام وإن كان صحيحاً بحسب الظاهر والنظر الابتدائي ولكن الواقعوالنظر الدقّي يقتضي خلافه، فإنّ أكثر المبادئ يكون بنحو الفعليّة؛ إذ التاجرـ مثلاً ـ مادّته عبارة عن التجارة لو أخذ فيه عنوان الحرفة، كيف ينطبق فيالآية الشريفة: «لاَ تَأْكُلُوآاْ أَمْوَ لَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـطِـلِ إِلاَّآ أَن تَكُونَ تِجَـرَةً عَنتَرَاضٍ»(1)، مع أنّه لا شكّ في أنّ المراد من التجارة فيها هو صدور التجارةوفعليّتها لا حرفته، وهكذا الخيّاط ـ مثلاً ـ مبدأه عبارة عن الخياطة، وليؤخذ فيه عنوان الحرفة؛ إذ لو نذر أحدٌ أن لا يتحقّق منه الخياطة فلا شكّ فيتحقّق المخالفة والحنث بتحقّق عنوان الخياطة ولو لم يجعل حرفته ذلك. وهكذفي مثال القوّة فمثلاً: كما أنّ تنجيس المصحف يكون محرّماً كذلك يحرم كتابتهبالمركّب النجس، ومعلوم أنّ المراد منه الكتابة الفعليّة لا الكتابة بالقوّة، وهكذفي أكثر المبادئ أخذ عنوان الفعليّة حتّى في مبدأ المثمر، فإنّ مبدأه عبارة عنالإثمار، فلو أخذ فيه عنوان الشأنيّة كانت إضافة كلمة الشأنيّة إليه فيالاستعمالات لغواً.
نعم، كلمة الاجتهاد بوحدتها تكون في الاصطلاح بمعنى الملكة والقدرةعلى الاستنباط، إلاّ أنّها ليست في اللغة كذلك، بل تكون بمعنى استفراغ الوسع