(صفحه42)
النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله
المطلب الرابع
في النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله
قال المحقّق الخراساني قدسسره (1) تبعاً للمشهور: «إنّ النسبة بينهما نسبة الكلّي إلىمصاديقه والطبيعي إلى أفراده».
ودليلهم: أنّ العمدة في احتياج العلوم إلى الموضوع هو وحدة الغرض،فإنّهم قالوا: يكشف من وحدة الغرض في كلّ علم أن يكون بين مسائله قدرجامع وجهة مشتركة، وهو عبارة عن القدر الجامع بين الموضوعات ونسمّيهبـ «موضوع العلم»، وعلى هذا لابدّ لهم من قولهم هذا في النسبة بين موضوعالعلم وموضوعات مسائله.
ولكن يرد عليهم: أنّ النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله قدتكون نسبة الكلّ إلى الجزء، كما قال به الإمام ـ دام ظلّه ـ(2) في علم الجغرافيا،وقد تكون نسبة التساوي مثل علم العرفان، وقد تكون نسبة العموموالخصوص من وجه مثل الأدلّة الأربعة وصيغة الأمر على الوجوب في علمالاُصول؛ لأنّ المراد من الأمر في هذا البحث مطلق الأمر ولا ينحصر بأوامر
- (2) هذا ما استفاده الاُستاذ من درس الامام قدسسره .
(صفحه 43)
الكتاب والسنّة.
وأمّا على المبنى الذي اخترناه في مسألة وحدة الموضوع ـ أي اقتضاءالسنخيّة الجوهريّة والذاتيّة هي جهة الاشتراك بين المسائل، لا بصورة القدرالجامع، بل وإن سلّمنا نظر الإمام في علم الجغرافيا ـ لا يرد الإشكال، فإنّ بينمسائل علم الجغرافيا نوع من السنخيّة، ولا يكون من لوازمها وجود القدرالجامع والكلّيّة، بل لازمها الاشتراك ولو كان بصورة الكلّ والأجزاء، مثلاشتراك القراءة والركوع في أنّهما جزءان للصلاة.
وبالجملة، تختلف النسبة بحسب الموارد فقد تكون بصورة الكلّي إلىمصاديقه كما هو الغالب، وقد تكون بصورة الكلّ إلى الجزء، وقد تكونبصورة التساوي.
(صفحه44)
في مسألة التمايز بين العلوم
المطلب الخامس
في مسألة التمايز بين العلوم
إنّا نعلم بالبداهة أنّ العلوم تكون متعدّدة ومتغايرة، وأمّا ملاك المغايرةوالتمايز فمختلف فيه وهو معركة الآراء، والمشهور أنّ تمايز العلوم بتمايزالموضوعات، وفي كلامهم احتمالان:
الأوّل: أن يكون مقصودهم جميع العلوم، وأنّ القدر الجامع الذي يعبّر عنهبالموضوع يوجب التمايز بين العلوم، كالكلمة والكلام في النحو، وفعل المكلّففي الفقه أيضاً يوجب التمايز بينهما، وهذا الاحتمال ظاهر من كلامهم.
الثاني: ما يستفاد من كلام المحقّق الخراساني قدسسره ـ وهو أن يكون المراد منقولهم: تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ـ أنّ تمايز العلوم بتمايز موضوعاتالمسائل، أي تلاحظ موضوعات مسائل كلّ علم مع علم آخر.
ونحن نبحث بعون اللّه تعالى عن الاحتمالين فنقول: إن كان مرادهم الاحتمالالأوّل فيرد عليه إشكالان: أحدهما قابل للدفع، وثانيهما غير قابل للدفع، وأمّما هو قابل للدفع فإنّه لو كان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات فعلم النحووالصرف والمعاني والبيان مع أنّها علوم متعدّدة كيف يكون موضوعها الكلمةوالكلام؟! لأنّه على هذا التقدير لا يكون موضوعها شيئاً واحداً؛ إذ الكلمة
(صفحه 45)
والكلام شيئان.
وجوابه أوّلاً: أنّ الموضوع فيها القدر الجامع بين الكلمة والكلام، وهواللفظ العربي الذي له معنى، وقد يتحقّق هذا في ضمن الكلمة، وقد يتحقّق فيضمن الكلام.
وثانياً: أنّ موضوع علم النحو هو الكلمة والكلام من حيث الإعرابوالبناء، وموضوع علم الصرف هو الكلمة والكلام من حيث الصحّةوالاعتلال، وموضوع علم المعاني والبيان هو الكلمة والكلام من حيثالفصاحة والبلاغة، وهذه الحيثيّات توجب التمايز بين هذه العلوم، كما هوواضح.
نكتة:
قال المحقّق الأصفهاني قدسسره في حاشيته على الكفاية(1): إنّه ليس الغرض أنتكون الحيثيّات المزبورة حيثيّة تقييديّة لموضوع العلم، أي ليس موضوع علمالنحو الكلمة والكلام من جهة كونهما معربين بالفعل؛ إذ مبدأ محمول المسألةلا يعقل أن تكون حيثيّة تقييديّة لموضوعها ولموضوع العلم، وإلاّ لزم عروضالشيء لنفسه، بل الغرض منها كما عن جملة من المحقّقين من أهل المعقول هيحيثيّة استعداد ذات الموضوع لورود المحمول عليه، أي موضوع علم النحوالكلمة والكلام من حيث كونهما قابلين لورود الإعراب عليهما، مثلاً: موضوععلم النحو هو الكلمة من حيث الفاعليّة المصحّحة لورود الرفع عليها، أيالفاعل القابل لورود الإعراب عليه يكون مرفوعاً، ولذا أنكر بعض العلماءـ بدون الالتفات إلى هذا المعنى ـ أصل موضوعيّة الكلمة والكلام، فقال:
(صفحه46)
موضوع علم النحو المعرب والمبني.
وأمّا الإشكال الغير القابل للدفع فإنّهم يقولون: بأنّ وحدة الموضوعتكشف عن وحدة الغرض، فإنّ الغرض في كلّ علم واحد، والواحد لا يصدرإلاّ من الواحد، ومعلوم أنّ المسائل كانت متعدّدة، فلابدّ من قدر جامع بينها،وهو الذي نسمّيه بـ «الموضوع» وهو المؤثّر في الغرض.
وقد سبق جوابه منّا مفصّلاً، ونضيف ههنا: أنّه بناءً على هذا المبنى الذييوجب التوصّل إلى وحدة الموضوع عبارة عن وحدة الغرض، فهو الأصلوالأساس عندهم، وعليه يكون تمايز العلوم بالأغراض لا بالموضوعات.
لو قيل: إنّ للغرض عنوان المعلول، وللموضوع عنوان المؤثّر والعلّة،ومعلوم أنّ انتساب التمايز إلى العلّة مقدّم على انتسابه إلى المعلول. وبعبارةاُخرى: البرهان الذي أقامه المشهور برهانٌ إنّيٌ، أي إيصالٌ من المعلوم إلىالعلّة، فالتمايز يكون بالعلّة.
قلنا: إنّ برهان الإنّ واللمّ كلاهما يوصل إلى المطلوب والنتيجة، ولكنماهو أظهر وأجلى في مسألة وحدة الموضوع ووحدة الغرض هو الغرض وإنكان معلولاً، فلابدّ من أن يكون تمايز العلوم بتمايز الأغراض.
وأمّا الاحتمال الثاني في كلام المشهور والذي يستفاد من كلام المحقّقالخراساني(1) في الكفاية عند قوله: «قد انقدح بما ذكرنا أنّ تمايز العلوم إنّما هوباختلاف الأغراض الدّاعية إلى التدوين، لا الموضوعات ولا المحمولات، وإلكان كلّ باب ـ بل كلّ مسألة من كلّ علم ـ علماً على حدة» ففيه: أنّ في الكلامقرائن على أنّ تمايز العلوم بتمايز موضوعات المسائل: