(صفحه438)
التلبّس بالمبدأ بنحو خاصّ على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواردتارة، واختلاف الهيئات اُخرى، من القيام صدوراً ـ كالإعطاء والضرب ـ أوحلولاً ـ كالمرض ـ أو وقوعاً عليه ـ كالضرب بالنسبة إلى المضروب ـ أو فيهـ كمجلس ومسجد ـ أو انتزاع المبدأ عن الذات مفهوماً مع اتّحاد معها خارجكما في صفاته تعالى، أو مع عدم تحقّق إلاّ للمنتزع عنه كما في الإضافات ـ نحوالاُبوّة ـ والاعتبارات ـ نحو الملكيّة ـ التي لا تحقّق لها ولا يكون بحذائها فيالخارج شيء، ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايراً له مفهوموقائماً به عيناً، لكنّه بنحو من القيام، لا بأن يكون هناك اثنينيّة وكان ما بحذائهغير الذات، بل بنحو الاتّحاد والعينيّة وكان ما بحذائه عين الذات، وعدم اطّلاعالعرف على مثل هذا التلبّس من الاُمور الخفيّة لا يضرّ بصدقها عليه تعالىعلى نحو الحقيقة إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ولو بتأمّلٍ وتعمّلٍمن العقل، والعرف إنّما يكون مرجعاً في تعيين المفاهيم لا في تطبيقها علىمصاديقها. هذا ملخّص كلامه قدسسره .
وما يستفاد من كلام الإمام قدسسره (1) وبعض الأعلام على ما في كتابالمحاضرات(2) أنّه لا يعتبر في جري المشتقّ على الذات تلبّسها بالمبدأ حتّىنحتاج إلى توسعة دائرة التلبّس وشمول الموارد التي لا يساعدها العرف،وينتهي الأمر إلى إنكار مرجعيّة العرف، بل المعتبر فيه واجديّة الذات للمبدفي قبال فقدانها له، وهي تختلف باختلاف الموارد، فتارة يكون الشيء واجدلما هو مغاير له وجوداً ومفهوماً، كما هو الحال في غالب المشتقّات.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 128.
- (2) محاضرات في الفقه 1: 291 ـ 292.
(صفحه 439)
واُخرى يكون واجداً لما هو متّحد معه خارجاً وعينه مصداقاً وإن كانيغايره مفهوماً، كواجديّة ذاته تعالى لصفاته الذاتيّة.
وثالثاً يكون واجداً لما يتّحد معه مفهوماً ومصداقاً وهو واجديّة الشيءلنفسه، وهذا نحو الواجديّة، بل هي أتمّ وأشدّ من واجديّة الشيء لغيره،فالواجديّة خصوصيّة متحقّقة في المشتقّ، ويشهد له التبادر والوجدان.
وأمّا كيفيّة الواجديّة من كونها بنحو العينيّة أو بنحو زيادة المبدأ علىالذات فلا دخل لها في مفهوم المشتقّ، فالعالم يعني الواجد للعلم، سواء كانتالواجديّة بنحو العينيّة ـ كما في الباري ـ أم بنحو زيادة المبدأ على الذات ـ كمفي المخلوقين ـ فإنّهما خارجتان عن مفهوم العالم، فلا فرق بين إطلاق العالم علىزيد ـ مثلاً ـ وعلى الباري من حيث كونه إطلاقاً حقيقيّاً، فلا نحتاج إلىالالتزام بالنقل والتجوّز. وهذا المعنى قريب إلى الذهن بعد الدقّة والتأمّل،والعرف أيضاً يساعده.
الأمر الخامس: لا يعتبر في صدق المشتقّ التلبّس الحقيقيّ
الظاهر أنّه لا شكّ في أنّ إطلاق كلمة «جارٍ» على الماء كـ «الماء جارٍ»إطلاق حقيقي، ولا بحث فيه، ولا شكّ أيضاً في أنّ إطلاق كلمة «جارٍ» علىالميزاب ـ كما في الميزاب جارٍ ـ إطلاق مجازي، وإنّما البحث في أنّ لفظ «جارٍ»بما أنّه مشتقّ هل هو استعمل فيه في معناه الحقيقي حتّى يكون مجازاً فيالإسناد، أم استعمل في غير معناه الحقيقي حتّى يكون مجازاً في الكلمة؟
وما يستفاد من كلام صاحب الفصول(1) أنّه يعتبر في صدق المشتقّ حقيقةً
(صفحه440)
الإسناد الحقيقي، فلازمه أن يكون قولنا: «الميزاب جارٍ» مجازاً في الكلمة،ولكنّ المحقّقين قائلون بأنّ كلمة «جارٍ» استعملت في معناها الحقيقي، إلاّ أنّتطبيقها على الميزاب وإسناده إليه مجازي، فكلمة «جارٍ» في قولنا: «الماءجارٍ»، وفي قولنا: «الميزاب جارٍ» استعملت في معناها الحقيقي بلا فرق بينهما،إلاّ أنّ الإسناد في الأوّل حقيقي، وفي الثاني مجازيٌ.
فالتحقيق: أنّ الحقّ مع المحقّقين، وما قال به صاحب الفصول كان من بابالخلط بين المجاز في الإسناد والمجاز في الكلمة. هذا تمام الكلام في بحث المشتقّ.
(صفحه 441)
(صفحه442)
المقصد الأوّل
في الأوامر
وفيه فصول