الاشتباه بالإمر ـ بكسر الهمزة ـ فإنّه بمعنى العجيب كقوله تعالى: «لَقَدْ جِئْتَشَيْـءًا إِمْرًا»(1)، وأنّ الأمر في قوله تعالى: «وَ مَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ» وفي قولهتعالى: «فَلَمَّا جَـآءَ أَمْرُنَا» ما استعمل إلاّ في معنى الطلب كما لا يخفى.
ومنها: الشيء، كما تقول: «رأيت اليوم أمراً عجيباً».
ومنها: الحادثة، كما تقول: «وقع في هذا اليوم أمرٌ كذا».
ومنها: الغرض، كما تقول: «جاء زيدٌ لأمر كذا».
ومن المعلوم أنّ الأمر بهذه المعاني يكون من الجوامد، وجمعه عبارة عنالاُمور.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره (2): لا يخفى أنّ عدّ بعضها ـ أي بعض هذهالمذكورات من معاني الأمر ـ من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم؛ ضرورةأنّ الأمر في «جاء زيد لأمر كذا» ما استعمل في معنى الغرض، بل اللام قد دلّعلى الغرض. نعم، يكون مدخوله مصداقاً للغرض، وهكذا الحال في قولهتعالى: «فَلَمَّا جَـآءَ أَمْرُنَا» يكون مصداقاً للتعجّب لا مستعملاً في مفهومه،وكذا في الحادثة والشأن.
ثمّ قال: لايبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء، هذبحسب العرف واللّغة.
وحاصل كلامه: أنّ الأمر مشترك في المعنيين: وهما الطلب والشيء، إلاّ أنّالشيء قد يقع مصداقاً للغرض وقد يقع مصداقاً للحادثة، وهكذا، والتعابيرقرينة على كونه مصداقاً لأيّ من المعاني المذكورة.
- (2) كفاية الاُصول 1: 89 ـ 90.
(صفحه446)
ووافقه صاحب الفصول(1) في أنّ الأمر مشترك بين المعنيين، لكنّه ذكرعوض الشيء شأناً.
وأمّا تقييد الطلب بقيد «في الجملة» في كلام المحقّق الخراساني قدسسره فيحتمل أنيكون ناظراً إلى المباحث الآتية من أنّ للعلوّ والاستعلاء دخل في معنى الأمرأم لا، وأنّ الأمر بمعنى الطلب يختصّ بالأمر الوجوبي أو يشمل الطلبالاستحبابي أيضاً.
ويحتمل أن يكون ناظراً إلى أنّه إذا قلنا: إنّ الأمر يكون بمعنى الطلب فليسمعناه صحّة إطلاق لفظ الأمر في كلّ مورد يصحّ إطلاق لفظ الطلب فيه، بل إذطلب شخص من شخص آخر شيئاً ـ مثل طلب المولى من عبده ماءً ـ فيطلقعليه الآمر والطالب معاً، وأمّا إذا جعل لفظ الطلب صفة الشخص ـ مثل طالبالعلم وطالب الشهادة ـ فلا يطلق عليه لفظ الأمر، ولا يقال في المثال: آمرالعلم وآمر الشهادة.
ويستفاد من عدم تقييده كلمة «الشيء» بقيد «في الجملة» أنّ في كلّ مورديطلق لفظ «الشيء» يطلق لفظ الأمر أيضاً، مع أنّه ليس كذلك، فإنّ إطلاقلفظ الأمر في بعض موارد استعمال لفظ «الشيء» فيه غير مأنوس جدّاً، كما إذقلنا: هذا الكتاب أمرٌ عجيب، ومن هنا نكشف أنّه لابدّ من تقييد لفظ«الشيء» أيضاً بالقيد المذكور.
فقد عرفت أنّ معاني الأمر ليست من سنخ واحد، فأحدها حدثيواشتقاقي، وهو الطلب. والأمر بهذا المعنى جمعه أوامر، والمعنى الآخر ـ سواءكان شيئاً أو شأناً أو غيرها ـ ليس باشتقاقي، والأمر بهذه المعاني جمعه اُمور.
- (1) الفصول الغروية: 62 ـ 63.
(صفحه 447)
ومن المعلوم أنّ استعمال الأوامر محلّ الاُمور وبالعكس ليس بصحيح، ومنالواضح أنّ المغايرة في المشترك اللفظي لا تتحقّق إلاّ من ناحية المعنى؛ إذ اللفظمع جميع خصوصيّاته يوضع تارة لمعنى واُخرى لمعنى مغاير له وهكذا، كوضعلفظ العين لمعان متعدّدة، بلا تصرّف في اللفظ، وإن كان جمعها متفاوتاً، فإنّالعين الباكية تجمع على أعين، والعين الجارية تجمع على عيون، والعين بمعنىالأعاظم تجمع على أعيان.
ولكنّه في ما نحن فيه وضع لفظ الأمر بهيئته ومادّته لمعانٍ غير اشتقاقيّةتارةً ووضع بمادّته فقط لمعنى اشتقاقي آخر، فالدخيل في وضع الأمر للطلبهي المادّة وحدها يعني «أ، م، ر» وأمّا الدخيل في الأمر الموضوع للشيءوأمثاله فهي الهيئة المعيّنة والمادّة المعيّنة، فأين لفظ الواحد المشترك بينالمعنيين؟! فلا تتحقّق ههنا خصوصيّة لازمة في المشترك اللفظي، فيكون وضعاللفظين للمعنيين كما هو المعلوم.
ولا يخفى أنّ هذا الإشكال مبتنٍ على ما اخترناه في باب المشتقّ من أنّالمبادئ في المشتقّات عبارة عن المادّة الخالية عن الهيئة؛ إذ لابدّ من أن يكونالمبدأ سارياً وجارياً في جميع المشتقّات من حيث اللفظ والمعنى، فإذا كانللمبدأ هيئة مخصوصة ـ مثل هيئة المصدر ـ فلايمكن سريانه فيها لفظاً ومعنى؛إذ الهيئات متغايرة فيها، ولا تتحقّق فيها هيئة المصدر، ولذا قلنا: إنّ المصدروضع لإمكان النطق بالمبدأ، ولا معنى له أزيد من معنى المبدأ، فما هو المعروفمن أنّ المصدر أصل للكلام، وأنّ المصدر ما كان في آخر معناه الفارسي«د، ن» أو «ت، ن» ليس بصحيح.
والإشكال الثاني على المحقّق الخراساني قدسسره أنّه لم لا يعدّ الفعل من المعاني
(صفحه448)
الحقيقيّة، ولا من المعاني التي يعبّر عنها باشتباه المصداق بالمفهوم وإن كانداخلاً في هذا السنخ من المعاني؟! إلاّ أنّه لا دليل؛ لعدم ذكره وحده.
والإشكال المهمّ عليه قدسسره أنّه قال: إنّ الأمر في قولنا: «جاء زيدٌ لأمر كذا» ماستعمل في معنى الغرض، بل اللام قد دلّت على الغرض. نعم، يكون مدخولهمصداقاً للغرض.
فنقول: أوّلاً: ليس استعماله فيه باطلاً؛ إذ لا شكّ في صحّة قول: «جاء زيدلغرض كذا».
وثانياً: على فرض تسليم أن يكون مدخول اللام مصداقاً للغرض فهلالأمر استعمل في مصداق الغرض بما أنّه مصداق للغرض أو بما أنّه مصداقللشيء؟ إن قلت: استعمله فيه بما أنّه مصداق للغرض، قلنا: فلِمَ لا يجوزاستعماله في مفهوم الغرض؟! بل استعماله فيه يكون جائزاً بطريق أولى.
وإن قلت: استعمله فيه بما أنّه مصداق للشيء، قلنا: هذا ليس من اشتباهالمصداق بالمفهوم؛ لأنّه حينئذٍ استعمل في مصداق نفس الغرض لا في مصداقأحد المفاهيم العامّة، مع أنّ استعماله في مفهوم الشيء استعمال حقيقي عنده،وهكذا في قولنا: «شغلني أمر كذا» أنّ الأمر إن استعمل في مصداق الشأن بمأنّه مصداق للشأن فكيف لايجوز استعماله في مفهوم الشأن؟! وإن استعمل فيهبما أنّه مصداق للشيء فليس هذا من اشتباه المصداق بالمفهوم. وهكذا في سائرالمعاني.
وذهب المحقّق النائيني قدسسره (1) إلى أنّ لفظ الأمر مشترك بين المعاني بنحوالاشتراك المعنوي، والموضوع له أمر واحد، وهي الواقعة التي لها أهمّيّة في
- (1) فوائد الاُصول 1: 128.