(صفحه446)
ووافقه صاحب الفصول(1) في أنّ الأمر مشترك بين المعنيين، لكنّه ذكرعوض الشيء شأناً.
وأمّا تقييد الطلب بقيد «في الجملة» في كلام المحقّق الخراساني قدسسره فيحتمل أنيكون ناظراً إلى المباحث الآتية من أنّ للعلوّ والاستعلاء دخل في معنى الأمرأم لا، وأنّ الأمر بمعنى الطلب يختصّ بالأمر الوجوبي أو يشمل الطلبالاستحبابي أيضاً.
ويحتمل أن يكون ناظراً إلى أنّه إذا قلنا: إنّ الأمر يكون بمعنى الطلب فليسمعناه صحّة إطلاق لفظ الأمر في كلّ مورد يصحّ إطلاق لفظ الطلب فيه، بل إذطلب شخص من شخص آخر شيئاً ـ مثل طلب المولى من عبده ماءً ـ فيطلقعليه الآمر والطالب معاً، وأمّا إذا جعل لفظ الطلب صفة الشخص ـ مثل طالبالعلم وطالب الشهادة ـ فلا يطلق عليه لفظ الأمر، ولا يقال في المثال: آمرالعلم وآمر الشهادة.
ويستفاد من عدم تقييده كلمة «الشيء» بقيد «في الجملة» أنّ في كلّ مورديطلق لفظ «الشيء» يطلق لفظ الأمر أيضاً، مع أنّه ليس كذلك، فإنّ إطلاقلفظ الأمر في بعض موارد استعمال لفظ «الشيء» فيه غير مأنوس جدّاً، كما إذقلنا: هذا الكتاب أمرٌ عجيب، ومن هنا نكشف أنّه لابدّ من تقييد لفظ«الشيء» أيضاً بالقيد المذكور.
فقد عرفت أنّ معاني الأمر ليست من سنخ واحد، فأحدها حدثيواشتقاقي، وهو الطلب. والأمر بهذا المعنى جمعه أوامر، والمعنى الآخر ـ سواءكان شيئاً أو شأناً أو غيرها ـ ليس باشتقاقي، والأمر بهذه المعاني جمعه اُمور.
- (1) الفصول الغروية: 62 ـ 63.
(صفحه 447)
ومن المعلوم أنّ استعمال الأوامر محلّ الاُمور وبالعكس ليس بصحيح، ومنالواضح أنّ المغايرة في المشترك اللفظي لا تتحقّق إلاّ من ناحية المعنى؛ إذ اللفظمع جميع خصوصيّاته يوضع تارة لمعنى واُخرى لمعنى مغاير له وهكذا، كوضعلفظ العين لمعان متعدّدة، بلا تصرّف في اللفظ، وإن كان جمعها متفاوتاً، فإنّالعين الباكية تجمع على أعين، والعين الجارية تجمع على عيون، والعين بمعنىالأعاظم تجمع على أعيان.
ولكنّه في ما نحن فيه وضع لفظ الأمر بهيئته ومادّته لمعانٍ غير اشتقاقيّةتارةً ووضع بمادّته فقط لمعنى اشتقاقي آخر، فالدخيل في وضع الأمر للطلبهي المادّة وحدها يعني «أ، م، ر» وأمّا الدخيل في الأمر الموضوع للشيءوأمثاله فهي الهيئة المعيّنة والمادّة المعيّنة، فأين لفظ الواحد المشترك بينالمعنيين؟! فلا تتحقّق ههنا خصوصيّة لازمة في المشترك اللفظي، فيكون وضعاللفظين للمعنيين كما هو المعلوم.
ولا يخفى أنّ هذا الإشكال مبتنٍ على ما اخترناه في باب المشتقّ من أنّالمبادئ في المشتقّات عبارة عن المادّة الخالية عن الهيئة؛ إذ لابدّ من أن يكونالمبدأ سارياً وجارياً في جميع المشتقّات من حيث اللفظ والمعنى، فإذا كانللمبدأ هيئة مخصوصة ـ مثل هيئة المصدر ـ فلايمكن سريانه فيها لفظاً ومعنى؛إذ الهيئات متغايرة فيها، ولا تتحقّق فيها هيئة المصدر، ولذا قلنا: إنّ المصدروضع لإمكان النطق بالمبدأ، ولا معنى له أزيد من معنى المبدأ، فما هو المعروفمن أنّ المصدر أصل للكلام، وأنّ المصدر ما كان في آخر معناه الفارسي«د، ن» أو «ت، ن» ليس بصحيح.
والإشكال الثاني على المحقّق الخراساني قدسسره أنّه لم لا يعدّ الفعل من المعاني
(صفحه448)
الحقيقيّة، ولا من المعاني التي يعبّر عنها باشتباه المصداق بالمفهوم وإن كانداخلاً في هذا السنخ من المعاني؟! إلاّ أنّه لا دليل؛ لعدم ذكره وحده.
والإشكال المهمّ عليه قدسسره أنّه قال: إنّ الأمر في قولنا: «جاء زيدٌ لأمر كذا» ماستعمل في معنى الغرض، بل اللام قد دلّت على الغرض. نعم، يكون مدخولهمصداقاً للغرض.
فنقول: أوّلاً: ليس استعماله فيه باطلاً؛ إذ لا شكّ في صحّة قول: «جاء زيدلغرض كذا».
وثانياً: على فرض تسليم أن يكون مدخول اللام مصداقاً للغرض فهلالأمر استعمل في مصداق الغرض بما أنّه مصداق للغرض أو بما أنّه مصداقللشيء؟ إن قلت: استعمله فيه بما أنّه مصداق للغرض، قلنا: فلِمَ لا يجوزاستعماله في مفهوم الغرض؟! بل استعماله فيه يكون جائزاً بطريق أولى.
وإن قلت: استعمله فيه بما أنّه مصداق للشيء، قلنا: هذا ليس من اشتباهالمصداق بالمفهوم؛ لأنّه حينئذٍ استعمل في مصداق نفس الغرض لا في مصداقأحد المفاهيم العامّة، مع أنّ استعماله في مفهوم الشيء استعمال حقيقي عنده،وهكذا في قولنا: «شغلني أمر كذا» أنّ الأمر إن استعمل في مصداق الشأن بمأنّه مصداق للشأن فكيف لايجوز استعماله في مفهوم الشأن؟! وإن استعمل فيهبما أنّه مصداق للشيء فليس هذا من اشتباه المصداق بالمفهوم. وهكذا في سائرالمعاني.
وذهب المحقّق النائيني قدسسره (1) إلى أنّ لفظ الأمر مشترك بين المعاني بنحوالاشتراك المعنوي، والموضوع له أمر واحد، وهي الواقعة التي لها أهمّيّة في
- (1) فوائد الاُصول 1: 128.
(صفحه 449)
الجملة، وهذا المعنى قد ينطبق على الحادثة، وقد ينطبق على الشأن، وقدينطبق على الغرض، بل يمكن أن يقال: إنّ الأمر بمعنى الطلب أيضاً منمصاديق هذا المعنى الواحد، فإنّه أيضاً من الاُمور التي لها أهمّيّة، فلا يكونللفظ «الأمر» إلاّ معنى واحد يندرج الكلّ فيه. فكلامه قدسسره يحتوي على أمرين:الأوّل: أصل الاشتراك المعنوي، الثاني: أنّ القدر الجامع عبارة عن الواقعة التيلها أهمّيّة في الجملة.
ومن البديهي أنّ الأمرين مخدوشان؛ لأنّ الظاهر أنّ المراد من الجامع هوالجامع الذاتي والمقولي لا العرضي ولا الانتزاعي، وأقلّ مراتب الجامع الذاتيهو الاشتراك في الجنس، وهذا لا يتصوّر بين المعنى الاشتقاقي وغيره؛ لأنّالجامع بينهما لايخلو من أن يكون معنى اشتقاقيّاً أو جامديّاً ولا ثالث لهما،وعلى الأوّل لا ينطبق على الجوامد، وعلى الثاني لا ينطبق على المعنى الحدثي،وهذا معنى عدم تصوّر جامع ذاتي بينهما.
على أنّه لا يعقل اختلاف الجمع في لفظ الموضوع للجامع الجنسي باختلافالمعاني، فإنّ تحقّق الجامع الجنسي ههنا يستلزم أن يكون استعمال الأمر الذييجمع على اُمور في خصوص المعنى غير الاشتقاقي استعمالاً مجازيّاً، وهكذاستعمال الأمر الذي يجمع على أوامر في خصوص المعنى الاشتقاقي استعمالمجازيّاً، فإنّ استعمال اللفظ الموضوع للجامع في خصوص بعض الأنواعمجازيّ، مع أنّه لم يلتزم به أحد. نعم، تصوير اختلاف الجمع في المشتركاللفظي سهلٌ، فينفي الاشتراك المعنوي اختلاف لفظ الأمر في الجمع.
ولو سلّمنا أصل الاشتراك المعنوي في المقام ولكنّ الواقعة ليست مثلالشيء من المفاهيم العامّة حتّى تصدق على كلّ الأشياء.
(صفحه450)
على أنّه لا دليل لأخذ الأهمّيّة في معنى الأمر، بحيث يكون استعماله فيما لأهمّيّة له مجازاً؛ إذ لا فرق في استعماله فيه واستعماله فيما له أهمّيّة في الجملة،ومن هنا صحّ تقسيم الأمر إلى المهمّ وغير المهمّ، ولو كانت الأهمّيّة داخلة فيمعناه لكان هذا تناقضاً.
أمّا المحقّق الخراساني قدسسره (1) بعد القول بأنّه لايبعد دعوى كونه حقيقة فيالطلب في الجملة والشيء بحسب العرف واللغة، وبعد ذكر المعنى الاصطلاحيله قال: إنّما المهمّ بيان ما هو معناه عرفاً ولغة ليحمل عليه فيما إذا ورد بلقرينة، وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنّة، ولا حجّةعلى أنّه على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز، وما ذكر فيالترجيح عند تعارض هذه الأحوال لو سلّم ولم يعارض بمثله لا دليل علىالترجيح به، فلابدّ عند التعارض من الرجوع إلى الأصل في مقام العمل.
نعم، لو علم ظهوره في أحد معانيه ولو احتمل أنّه كان للانسباق منالإطلاق فليحمل عليه، وإن لم يعلم أنّه حقيقة فيه بالخصوص أو فيما يعمّه، كملايبعد أن يكون كذلك ـ أي ظاهراً ـ في المعنى الأوّل، وهو الطلب.
ومن المعلوم أنّ هذا رجوع عمّا قال به في صدر كلامه من كونه حقيقة فيالطلب في الجملة والشيء.
وأمّا اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (2) فبعد مناقشته الاشتراك اللفظي والمعنويقال: الظاهر ـ كما هو مقتضى التبادر ـ من قولنا: «أمر فلان زيداً» أنّ مادّتهموضوعة لجامع اسمي بين هيئات الصيغ الخاصّة بمالها من المعنى، لا الطلب
- (2) مناهج الوصول إلى علم الاُصول 1: 237 ـ 238.