(صفحه452)
والاصطلاحي هو الطلب بالقول المخصوص، فكلاهما اشتقاقي.
وفيه: أنّه لا نحتاج إلى معنى اصطلاحي مغاير للمعنى اللغوي ههنا، وأمّاستدلاله فمردود بأنّه من البديهي أنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة، فكيف نعتمدعليه في إثبات المعني الاصطلاحي؟! ويؤيّده ما نرى في الخارج وإطلاق لفظالأمر في المحافل والمجالس بمعنى واحد، وفهم الكلّ منه معنى واحداً.
ولذا قال الإمام قدسسره (1): إنّه لا يبعد أن يكون المعنى الاصطلاحي مساوقللمعنى اللغوي، أي لا يكون له اصطلاح خاصّ.
ومحصّل كلامه قدسسره أنّ ما قال به صاحب الكفاية قدسسره بكونه معنى اصطلاحيّـ أي القول المخصوص وهو المعنى اللّغوي أيضاً ـ بأنّ مادّة الأمر موضوعةلمفهوم اسمي منتزع من الهيئات بمالها من المعاني، بمعنى أنّ الموضوع جامعللهيئات المستعملة في معانيها لا نفس الهيئات ولو استعملت لغواً أو مجازاً فيغير معناها، ومن المعلوم أنّ للهيئة معنى حرفيّاً، إلاّ أنّه قد يكون للإخباروالإخطار، وقد يكون للإنشاء والإيجاد، كحرف النداء فإنّه وضع لإيجادالنداء، وهكذا حرف القسم.
وأمّا الهيئات بلحاظ أنّها للإنشاء وإيجاد الطلب فكان لها مفهوم حرفيداخل تحت مفهوم اسمي، وهو نفس هيئة «افعل» وما يشابهها من الثلاثيالمزيد، والرباعي المجرّد والمزيد، فإنّه كان لنفس هيئة «افعل» مثل لفظ الابتداءمعنى اسمي، ولمصاديقها معنى حرفي، فمعنى الأمر لغة واصطلاحاً مفهوم اسميمشترك بين الهيئات التي كانت لها معاني حرفيّة إيجاديّة.
فحينئذٍ يرد عليه الإشكال المذكور أيضاً بشدّته، ولكنّه قدسسره أجاب عنه: بأنّ
- (1) مناهج الوصول إلى علم الاُصول 1: 238.
(صفحه 453)
هيئة «افعل» وإن لم تكن لها معنى حدثيّاً إلاّ أنها بلحاظ انتسابها إلى اللافظوصدروها منه يصحّ الاشتقاق منها، كما أنّ الكلام واللفظ والقول مشتقّاتباعتبار الانتساب إلى اللافظ والقائل والمتكلّم. هذا محصّل كلامه قدسسره .
وأجاب المحقّق الأصفهاني قدسسره (1) عن الإشكال بأنّ وجه الإشكال إن كانلتوهّم أنّ الموضوع له ـ أي القول المخصوص ـ لفظ لا معنى فضلاً من أن يكونحدثيّاً، وبعبارة أوضح: أنّ الاشتقاق وعدمه من شؤون المعنى، وإذا لم يكنالمعنى متحقّقاً فلا محلّ لعنوان الاشتقاق وعدمه، ففيه: أنّ الأمر بمعنى القولواللفظ كنفس اللفظ، له لفظٌ ومعنى، ومن هنا يصحّ القول بأنّ «زيدٌ لفظٌ».
وإن لم يكن له معنى كان القول به ـ مثل القول بأنّ «زيدٌ ديزٌ» ـ قولاً باطلاً،ولذا يصحّ تقسيم اللفظ إلى المهمل والمستعمل، فتحقّق المعنى للّفظ ممّا لا شبهةفيه.
وإن كان وجه الإشكال ماهو المعروف من عدم كون الموضوع له معنىحدثيّاً ففيه: أنّ القول واللّفظ من مقولة الكيف المسموع بحيث يكونللمسموعيّة دخل في ماهيّته النوعيّة، فالمسموعيّة فصل مميّز له كما أنّ الناطقيّةفصل مميّز للإنسان، ولا شكّ في أنّ للمسموع معنى اشتقاقيّاً، فكيف يمكنتفكيك المعنى الاشتقاقي عن اللفظ والقول مع أنّه جزء ماهيّة نوعيّة لهما؟! فليعقل القول بأنّ القول المخصوص له معنى ولكنّه ليس بمعنى حدثي.
وأشكل عليه تلميذه بأنّ لكلّ لفظ حيثيتين: الاُولى: حيثيّة صدوره مناللافظ خارجاً وقيامه به، كصدور غيره من الأفعال كذلك.
الثانية: حيثيّة تحقّقه ووجوده في الخارج، فاللفظ من الحيثيّة الاُولى وإن
- (1) نهاية الدراية 1: 253 ـ 254.
(صفحه454)
كان قابلاً للتصريف والاشتقاق، إلاّ أنّ لفظ الأمر لم يوضع بإزاء القولالمخصوص من هذه الحيثيّة، وإلاّ لم يكن لتوهّم عدم إمكان الاشتقاق والصرفمنه، بل هو موضوع بإزائه من الحيثيّة الثانية، ومن الطبيعي أنّه من هذهالحيثيّة غير قابل لذلك، كما عرفت. فما أفاده قدسسره مبني على الخلط بين هاتينالحيثيتين.
وفيه: أوّلاً: أنّه لا دليل على كون محلّ النزاع هو اللفظ من حيثيته الثانية،بل يمكن القول بأنّ محلّ النزاع هو اللفظ من الحيثيّة الاُولى، مع أنّ المسموعيّةالتي تكون جزء ذات اللفظ لايمكن تفكيكها منه، فلا يعقل لحاظ اللفظ بدونلحاظ كونه مسموعاً.
نعم، يعدّ هذا إشكال على اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره فإنّه لاحظ الاشتقاقيّةبالنسبة إلى اللفظ والمتكلّم، ولكن يؤيّده قوله تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌوَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ»(1)؛ لأنّ اللفظ أقرب إلى المعنى الاشتقاقي من السواد والبياضقطعاً، وأنّ انتسابهما إلى المكان ـ أي الوجوه ـ يُوجب أن يكون لهما معنىاشتقاقيّ، ومع قطع النظر عن الانتساب لا يتحقّق المعنى الاشتقاقي أصلاً، فإنّالضرب والقتل مع قطع النظر عن الانتساب إلى القاتل والمقتول والضاربوالمضروب واقعيّتان خارجيّتان، ولا دليل على كونهما حدثيّاً.
ولا يتوهّم أنّه إذا كان الانتساب ملاكاً في المقام فلا يبقى في العالم معنى غيرالاشتقاقي، فإنّا نقول: إنّ لفظ «زيد» وأمثاله أجنبيٌ عن المعنى الاشتقاقي، وإنلوحظ انتسابه إلى أشياء متعدّدة فالحقّ مع الإمام قدسسره فإنّ المعنى اللغويوالاصطلاحي واحد، وهو القول المخصوص، ولا يكون من الاشتراك بنوعيه
(صفحه 455)
أثرٌ ولا خبرٌ.
وإن أبيت أنّ مبدأ الاشتقاقي في الأمر بمعنى الطلب عبارة عن المادّةبوحدتها، ومبدأه في الأمر بمعنى الشيء مثلاً عبارة عن المادّة مع الهيئة.
قلنا: لا إشكال في البين؛ إذ اللفظ والمعنى متعدّد، وليس لفظ الأمر منالألفاظ المشتركة أيضاً.
(صفحه456)
في اعتبار العلو والاستعلاء
الجهة الثانية
في أنّ العلو والاستعلاء معتبر في معنى الأمر أم لا؟
ولابدّ قبل الورود في البحث من ذكر مقدّمتين:
إحداهما: أنّ الأمر لو كان بصورة المشترك اللفظي أو المعنوي بين المعنىالمشتقّ والجامد فالبحث ههنا في المعنى الاشتقاقي وأنّ المراد من الطلبالموضوع له هو الطلب المطلق أو الطلب من العالي، ولعلّ كلمة «في الجملة» فيالعبارة ناظرة إلى هذا كما مرّ.
وأمّا إذا قلنا: إنّ المعنى الاشتقاقي هو مفهوم اسمي جامع بين الهيئات ـ يعنيهيئة صيغة افعل ـ فالبحث يجري في أنّ المراد من المفهوم الاسمي المشترك بينالهيئات هو الهيئة المطلقة أو الهيئة الصادرة من العالي والمستعلي، فعلى كلالتقديرين يجري هذا البحث.
والثانية: أنّ العلو عبارة عن عظمة الشخص عند العقلاء؛ إذ العقلاء بما همعقلاء قائلون بلزوم الإطاعة وعظمة الأشخاص المخصوصة في الاجتماع مثلالأب والمولى والحاكم وإن كان غاصباً، ونرى أيضاً تبعيّتهم في ذلك عنالشرع من الأمر باتّباع العلماء والعرفاء والفقهاء.
وأمّا الاستعلاء فعبارة عن الاتّكاء بالعلو، ولكنّ المستعلي قد يكون واجداً