(صفحه522)
القرآن أو يحفظ مقام أبيه لا يريد منها إلاّ الأمر، لكن بلسان الإخبار عنوقوعه وصدوره عنه بلا طلب من والده، بل بحكم عقله ورشده وتمييزه.
وببالي مع قطع النظر عن التتبّع أنّ السائل والراوي إذا كان عالماًبالضوابطوالاُصول في الأحكام ـ بحيث إن لاحظ بدقّة يعلم الحكم بنفسه، ولكنّه مععدم الدقّة في المسألة يسأل حكمها من الإمام عليهالسلام ـ فيعبّر الإمام عليهالسلام في مقامالجواب بالجمل الخبريّة، كما في سؤال زرارة الإمام عليهالسلام في الحديث المذكور.
وأمّا إذا كان الراوي جاهلاً محضاً فيعبّر بصورة هيئة «افعل»، مثل:قوله عليهالسلام : «صلّ صلاة الجمعة» ولكنّه يحتاج إلى التتبّع والدقّة في الروايات،وأمّا أصل ظهور الجمل الخبريّة في الوجوب فليس قابلاً للإنكار كما مرّتفصيله.
وذكر اُستاذنا المرحوم السيّد البروجردي قدسسره (1) شبهة مهمّة في ذيل البحث،وهي: أنّ الأوامر والنواهي الصادرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام على قسمين:
القسم الأوّل: ما صدر عنهم في مقام إظهار السلطنة وإعمال المولويّة، نظيرالأوامر الصادر عن الموالي العرفيّة بالنسبة إلى عبيدهم، مثل جميع ما صدرعنهم عليهمالسلام في الجهاد وميادين القتال، بل كان ما أمروا به عبيدهم وأصحابهمفي الاُمور الدنيويّة ونحوها، كبيع شيء لهم وعمارة بناء ومبارزة زيد مثلاً.
القسم الثاني: ما صدر عنهم عليهمالسلام في مقام التبليغ والإرشاد إلى أحكاماللّهتعالى، كقولهم: «صلّ» أو «اغتسل للجمعة والجنابة» أو نحوهما ممّا لم يكنالمقصود منها إعمال المولويّة، بل كان الغرض منها بيان ما حكم اللّه به، نظيرأوامر الفقيه في الأحكام الشرعيّة بالنسبة إلى مقلّديه.
- (1) نهاية الاُصول 1: 108.
(صفحه 523)
أمّا القسم الأوّل فهو وإن كان ظاهراً في الوجوب ولكنّه نادر جدّاً بالنسبةإلى القسم الثاني الذي هو العمدة في أوامرهم ونواهيهم، وهو محلّ الابتلاءأيضاً.
وأمّا القسم الثاني فلمّا لم يكن صدورها عنهم لإعمال المولويّة بل كانلغرض الإرشاد إلى ما حكم اللّه به على عباده كانت في الوجوب والندبتابعة للمرشد إليه ـ أعني ما حكم اللّه بها ـ وليس لاستظهار الوجوب أوالندب من هذا السنخ من الأوامر وجه؛ لعدم كون الطلب فيها مولويّاً، فتأمّلجيّداً.
وحاصله: أنّ الأمر إذا كان مولويّاً فهو ظاهرٌ في الوجوب بأيّ نحو صدر،وأمّا إذا كان إرشاديّاً فلا يكون ظاهراً فيه، وإن صدر بهيئة «افعل» فإنّه تابعللمرشد إليه في الوجوب والاستحباب، فالأوامر الصادرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام لا تكون مولويّة؛ لأنّ الأمر المولوي هو الأمر الصادر عن المولى بمأنّه آمر ومقنّن ومن شأنه إصدار الأمر، وهو اللّه تعالى فقط.
ولكنّ هذا الإشكال قابلٌ للجواب؛ بأنّا سلّمنا أنّ أوامر النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام إمّا مولويّة ـ مثل أمره صلىاللهعليهوآله بقلع نخلة سمرة بن جندب ورميها إليه(1) ـ وإمّإرشاديّة كقولهم عليهمالسلام : «اغتسل للجنابة» أو «تعيد الصلاة» وأمثال ذلك،والأوامر الإرشاديّة تابعة لمرشد إليه في الوجوب والاستحباب، إلاّ أنّ الأوامرالإرشاديّة اُخذت في ماهيّتها الإرشاديّة، مثل: أمر الطبيب للمريض بشربالدواء، فإنّ معناه أنّ طريق التخلّص من المرض هو الاستفادة من المعجونالكذائي، ومعلوم أنّه ليس لهذا الأمر المولويّة والإلزام وإن صدر بهيئة «افعل»،
- (1) الوسائل 25: 428، الباب 12 من كتاب إحياء الموات، الحديث 3.
(صفحه524)
بخلاف أمر الفقيه للمقلّد، فإنّ ماهيّة هذا الأمر وحقيقته مغايرة لحقيقة أمرالطبيب؛ لأنّ معنى قوله: «اغتسل للجنابة» أنّي أظنّ حسب اجتهادي ومأدّى إليه اجتهادي أنّ اللّه تعالى حكم بوجوب غسل الجنابة، وهكذا أمرالنبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام ـ بصلاة الجمعة ـ مثلاً ـ معناه أنّا نعلم أنّ اللّه تعالى أوجبصلاة الجمعة، فحقيقة هذه الأوامر أوامر مولويّة تبعيّة كالأمر الصادر عنالوكيل.
ويشهد على ذلك ما ذكره المرحوم البروجردي قدسسره (1) في مقدّمة كتاب جامعأحاديث الشيعة: من أنّ الأئمّة عليهمالسلام كان عندهم كتاب مدوّن بإملاء رسولاللّه صلىاللهعليهوآله وخطّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وفيه جميع سنن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وما أمر اللّهبتبليغه إلى اُمّته من المعارف الإلهيّة والأحكام الدينيّة، ثمّ ذكر روايات متعدّدةلتأييد ذلك واستفاد منها: أنّ ما عند الأئمّة عليهمالسلام من علم الحلال والحراموالشرائع والأحكام نزل به جبرئيل عليهالسلام وأخذوه من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، فتحرمعلى الاُمّة مخالفتهم في الحكم والفتوى؛ لأنّ ما عندهم أوثق ممّا عند غيرهم،فكلّ ما قال به الأئمّة عليهمالسلام أحاديث مسندة إلى اللّه تعالى وإن لم يذكروا السندكثيراً، فأوامرهم أوامرٌ مولويّة ظاهرة في الوجوب، مثل أوامر الباري تعالى.
- (1) جامع أحاديث الشيعة 1: 7.
(صفحه 525)
(صفحه526)
في الواجب التعبّدي والتوصّلي
المبحث الرابع
في الواجب التعبّدي والتوصّلي
قال المحقّق الخراساني قدسسره (1): إنّ إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوبتوصّليّاً فيجزي إتيانه مطلقاً ولو بدون قصد القربة أو لا؟ فلابدّ من الرجوعفيما شكّ في تعبّديّته وتوصليّته إلى الأصل. ولابدّ في تحقيق ذلك من تمهيدمقدّمات: إحداهما: الوجوب التوصّلي: هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرّدحصول الواجب ويسقط بمجرّد وجوده، بخلاف التعبّدي فإنّ الغرض منهلايكاد يحصل بذلك، بل لابدّ في سقوطه وحصول غرضه من الإتيان به متقرّببه منه تعالى... الخ.
توضيح ذلك: أنّه متى اُحرز أنّ هذا الشيء واجب ولكن لا نعلم أنّ وجوبهمن قبيل الواجب التعبّدي أو التوصّلي، فهل يمكن بعد اليأس من الدليلالتمسّك بالإطلاق اللفظي أو المقامي لنفي التعبّديّة أم لا؟ وعلى الثاني هليقتضي الأصل العملي البراءة عن التعبّديّة أو يقتضي الاشتغال؟ ثمّ ذكر مسائلمثل الواجب التعبّدي والتوصّلي وافتراق أحدهما عن الآخر بعنوان المقدّمة.
- (1) كفاية الاُصول 1: 107.