بالمطابقة والتضمّن والالتزام، وكلّ ذلك ممنوع ههنا، أمّا المطابقة فلأنّ معناهأن يكون مفاد هيئة «افعل» بحسب الوضع واللغة أنّه إذا اُتي بالمأمور به علىوجهه يقتضي الإجزاء.
وأمّا ممنوعيّة الدلالة التضمّنية فهي بدليل الأوّل؛ إذ المتبادر من الهيئةالبعث والتحريك الوجوبي فقط، ولذا نفي دلالة التضمّن كالمطابقة لا يحتاج إلىالاستدلال ولم يلتزم بهما أحد.
وأمّا الدلالة الالتزاميّة فإن كانت جزء الدلالة اللفظيّة فيشترط فيهالخصوصيّتان على قول، وخصوصيّة واحدة على قول آخر، والاُولى أنيكون اللزوم فيها بنحو البيّن، والثانية أن يكون البيّن بمعنى الأخصّ، ومعناهأنّ مجرّد تصوّر الملزوم كاف في تحقّق الانتقال إلى اللازم كالزوجيّة بالنسبة إلىالأربعة وسائر لوازم الماهيّة، وقال بعض: إنّه يكفي في تحقّق الدلالة اللفظيّة أنيكون البيّن بالمعنى الأعمّ، ومعناه أنّ بعد تصوّر الملزوم واللازم معا لا تحتاجالملازمة والارتباط بينهما إلى الدليل، فيتحقّق بتصوّر الطرفين القطع بالملازمة،
ولا شكّ في أنّ الأوّل من الدلالة اللفظيّة، ولكنّ الثاني مختلف فيه.
وبعد هذا التمهيد يتّضح تقريب الاستدلال بالدلالة الالتزاميّة، فيقال: إنّالأمر يدلّ بالدلالة الالتزاميّة على وجود مصلحة ملزمة في المأمور به، وهيأوجب في صدور الأمر عن المولى، وإذا تحقّق المأمور به في الخارج تتحقّقالمصلحة الملزمة أيضا، فلا يبقى محلّ للإعادة والقضاء في الوقت أو في خارجالوقت.
ولكنّه لا يخفى أنّ صحّة هذا الكلام مبتنية على أمرين: أحدهما: أن يدلّالأمر بالدلالة الالتزاميّة على تحقّق المصلحة في المأمور به.
وثانيهما: أن يكون البيّن بالمعنى الأعمّ أيضا من الدلالة اللفظيّة. وكلاهممخدوش:
أوّلاً: بأنّ عدّة من العلماء ينكرون أساس المصلحة والمفسدة كالأشاعرة،فللمولى عندهم أن ينهى عن شيء من دون أن يكون هذا الشيء مشتملعلى المفسدة، أو تكون في النهي مصلحة، وهكذا في المأمور به.
وثانيا: أنّ على القول بوجود المصلحة والمفسدة في المأمور به والمنهي عنه،وأنّ الأمر يدلّ على وجود مصلحة في البين، ولكنّه مردّد بين أن يكون فيالمأمور به وبين أن يكون في نفس الأوامر، مثل: الأوامر الاختباريّةوالاعتذاريّة، كما أنّ في النواهي تكون مردّدة بين تحقّقها في المنهي عنه وبينتحقّق المصلحة في نفس النهي، فكيف يوجب تصوّر الأمر الانتقال إلىالمصلحة الملزمة المتحقّقة في المأمور به؟! ولو فرضنا أنّ الأمر يدلّ على وجودمصلحة ملزمة في المأمور به وأنّ اللزوم بين الأمر والمصلحة يكون بنحو البينبالمعنى الأعمّ فلا يتمّ المطلوب أيضا؛ لعدم إحراز كونه من الدلالة اللفظيّة،
(صفحه 617)
فيكون عنوان صاحب الكفاية خاليا عن الإشكالات المذكورة، وأولى منعنوان صاحب الفصول.
ولابدّ لنا قبل الورود في البحث من تحرير محلّ النزاع حتّى يظهر أنّ هذالمبحث هل يكون من المباحث العقليّة أو من مباحث الألفاظ، أو قسم منهعقلي والقسم الآخر منه لفظي؟ وهو يحتاج إلى مقدّمة، وهي أنّ الأوامر علىثلاثة أقسام: الأوّل: الأمر الواقعي الأوّلي أو الاختياري، الثاني: الأمر الواقعيالثانوي أو الاضطراري، الثالث: الأمر الظاهري.
وتتحقّق في الأوّل خصوصيّتان: الاُولى: كون المكلّف مختارا، الثانية: كونالمكلّف قاطعا بالتكليف وكونه عالما بأنّ وظيفته كذا، كقول الشارع: «أقمالصلاة مع الوضوء إن كنت واجدا للماء».
ويتحقّق في الثاني الخصوصيّة الثانية المذكورة بخلاف الاُولى؛ إذ المكلّف ليكون متمكّنا من الماء أو لا يكون متمكّنا من الاستفادة منه لاستلزامهالضرر أو الحرج، ولكنّه كان عالما بالتكليف في هذه الحالة، كقوله: «أقمالصلاة مع التيمّم إن كنت فاقدا للماء».
وأمّا الأمر الظاهري فيتحقّق في مورد الشكّ في التكليف، مثلاً: لا نعلم أنّالواجب ظهر يوم الجمعة صلاة الجمعة أو صلاة الظهر؟ وجعل الشارع في مثلهذا المورد طرقا وأمارات واُصولاً لتعيين وظيفة المكلّف، كجعله خبر العادلحجّة بمقتضى آية النبأ، فإذا نقل زرارة عن الصادقين عليهماالسلام أنّ في يوم الجمعةصلاة الجمعة واجبة، فكانت هذه وظيفة ظاهريّة مقرّرة للجاهل من دون أنتكون مزيلة لجهله، وهكذا إن استفدناها من الاستصحاب بأنّ صلاة الجمعةفي عصر حضور الإمام المعصوم عليهالسلام كانت واجبة يقينا فنشكّ في عصر الغيبة