(صفحه66)
عليه في المسألة، وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّ المسألة وإن كان قوامها بالموضوعوالمحمول ولكنّ الأصل في تحقّق المسألة إيجاد النسبة والارتباط بينهما، وكانبين النسب والروابط سنخيّة ذاتيّة توجب التمايز بين العلوم، مثلاً: «الفاعلمرفوع» و«المفعول منصوب» كانت بينهما سنخيّة لم تكن بين «الفاعل مرفوع»و«الصلاة واجبة»، وهكذا.
ولا يخفى أنّ الغرض وإن كان مقدّماً عليها من حيث الرتبة، فإنّ غرضالتدوين بوجوده الذهني موجود قبل التدوين وتشكيل مسائل العلم، لكنّالموصل إلى الغرض وأوّل ما يواجه به في المسألة هي السنخيّة الذاتيّة. ولذذكرنا فيما تقدّم أنّه لا تكون العلّة متقدّمة على المعلول، بل لابدّ من ملاحظةالكاشف والمعلوم منهما ابتداءً حتّى يكون هو المقدّم على الآخر.
وبالجملة، فالمعيار لتشخيص المسائل المشكوكة في العلوم هي السنخيّة،ولا فرق فيها بين قلّة المسائل وكثرتها، بخلاف الجامع.
(صفحه 67)
(صفحه68)
في موضوع علم الاُصول
المطلب السادس
في موضوع علم الاُصول
بعد اتّفاقهم على تحقّق الموضوع لعلم الاُصول اختلفوا في أنّه هل هو عنوانمشخّص ومعلوم أو عنوان غير مشخّص وإنّما يشار إليه عن طريق الآثار؟وعلى فرض تشخّصه ما اسمه؟ فالمشهور ومنهم المحقّق القمي صاحبالقوانين قدسسره (1) يقولون بأنّ موضوعه عبارة عن الأدلّة الأربعة مع وصف كونهأدلّة.
ويرد عليه: أوّلاً بأنّه قد سبق من المشهور القول بوحدة الموضوع في جميعالعلوم، فكيف يقولون في موضوع علم الاُصول بأنّه عبارة عن الأدلّة الأربعةبوصف كونها أربعة؟!
إن قلت: إنّ الموضوع في علم الاُصول لا يكون الأدلّة الأربعة بوصفكونها أربعة، بل هو عبارة عن القدر الجامع والمشترك بينها مثل الحجّة فيالفقه.
قلنا: إنّ الإشكال يدفع بذلك، ولكنّه لا يناسب تصريحهم في الكتب
(صفحه 69)
والمحاورات بأنّ موضوع علم الاُصول عبارة عن الأدلّة الأربعة.
وثانياً: استشكل صاحب الفصول(1) عليه بأنّه: لو كان موضوع علمالاُصول الأدلّة الأربعة مع وصف كونها أدلّة يلزم خروج أكثر مسائله، مثل:البحث عن ظواهر الكتاب؛ إذ لا معنى للبحث عن حجّيّة ظواهر الكتاببأنّها حجّة أم لا؟ مع أنّا نعلم بأنّ الموضوع هو الأدلّة الأربعة بوصف كونهأدلّة.
فهذا البحث إمّا خارج عن مباحث علم الاُصول، وإمّا هذا القيد لا يكونجزءً للموضوع. وهكذا في الإجماع والسنّة والعقل، فإنّ هذه تكون من قبيلقضيّة بشرط المحمول، ولا معنى لقولهم: الخبر الواحد الذي هو حجّة هليكون حجّةً أم لا؟ ولذا قال صاحب الفصول: لابدّ من أن يكون الموضوععبارة عن ذوات الأدلّة لا بوصف كونها حجّة، فحينئذٍ يصحّ البحث بأنّالكتاب أو السنّة حجّة أم لا.
واعترض عليه صاحب الكفاية قدسسره (2) بأنّه: لو فرض كون ذوات الأدلّةموضوعاً فما المراد بالسنّة؟ هل المراد منها القول والفعل والتقرير الواقعيللمعصوم عليهالسلام ـ أي السنّة المحكيّة ـ أو أعمّ من السنّة المحكيّة والحاكية؟ إن كانالمراد هو الأوّل يلزم خروج بحث حجّيّة خبر الواحد عن مسائل علمالاُصول؛ إذ الموضوع فيه عبارة عن نقل زرارة، أي السنّة الحاكية، وهي لتكون مصداقاً للكتاب والسنّة والإجماع والعقل، وهكذا مسألة التعادلوالترجيح.
(صفحه70)
وقال الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره ـ في كتاب الرسائل(1) في مقام الجوابعن هذا الاعتراض وتوجيه كلام المحقّق القمي ـ : بأنّ الموضوع عبارة عنالسنّة المحكيّة، وإنّا نبحث في مسألة حجّيّة خبر الواحد بأنّه هل يثبت قولالإمام عليهالسلام بنقل زرارة أم لا؟ فإذا كان البحث كذلك تشمل الأدلة الأربعة له بلكلام، ولازم ذلك في باب التعادل والترجيح أنّ قول الإمام عليهالسلام بأيّ الخبرينالمتعارضين يثبت؟
وقال صاحب الكفاية قدسسره : إنّ هذا الجواب ليس بتامّ، فإنّ الثبوت علىقسمين: أحدهما: ثبوت حقيقي وواقعي، والآخر ثبوت تعبّدي، وكلاهما محلّإشكال ههنا.
توضيح ذلك: أنّه لو كان المراد من الثبوت الثبوت الواقعي يرد عليه إشكالواحد، وهو إنّا نبحث ههنا في موضوعيّة الأدلّة الأربعة، وذكرنا في تعريفالموضوع: أنّه ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة، ومعلوم أنّ العرضوالمعروض عبارة عن مفاد «كان» الناقصة، أي لا يجري إلاّ في مورد كانأصل وجود الموضوع فيه مفروض التحقّق، ونحن نبحث فيه عن عوارضه،مثل: «كان زيد قائماً»، وأمّا إذا كان البحث على نحو مفاد «كان» التامّة ـ أيتحقّق الموضوع وعدم تحقّقه ـ فهذا لا يكون بحثاً عن العوارض.
إذا عرفت هذا فنقول: لاشكّ في أنّ قولك: «هل يثبت قول الإمام عليهالسلام بخبرزرارة أم لا؟» هو مفاد «كان» التامّة، أي البحث عن تحقّق الموضوع وعدمه،فلا يتحقّق عنوان العرض والمعروض، وحينئذٍ لا يكون داخلاً في مسائل علمالاُصول.
- (1) فرائد الاُصول 1: 156.