(الصفحة 139)
المطلوبة ، وأين هذا من التخصيص بصراط الإيمان الذي هو أمر قلبيّ اعتقاديّ ، ولا يشمل غيره أصلاً ، كما لا يخفى .
وقد زعم الكاتب الجاهل ، والأجير العامل ، حيث اقتصر في مقام المعارضة مع سورة الفاتحة على هذه الجمل ، ولم يعقّبها بشيء : أ نّ بقيّة السورة المباركة مستغن عنها لا حاجة إلى إضافتها أصلاً ; لعدم إفادتها شيئاً زائداً على ما هو مفاد الجملات التي ذكرها ، مع أنّها تدلّ على مطلب أساسيّ ; وهو انقسام الناس من جهة الوصول إلى السعادة المطلوبة ، وسلوك الطريق إلى الكمال المعنوي ، إلى أقسام ثلاثة :
قسم : هم الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً (1); وهم الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ، ووصلوا إلى الغرض الأعلى والغاية القصوى ، وينبغي أن يطلب من الله الهداية إليه ، والدخول في زمرتهم ، وسلوك طريقهم ، والكون معهم .
وقسم : وقع غضب الله عليهم ، وهم الذين أنكروا الحقّ بعد وضوحه ، وعاندوه بعد ظهوره ، ونهضوا لإطفاء نوره ، وقاموا في مقابلته ، وجاهدوا في طريق الباطل .
والقسم الثالث : هم الضالّون الذين ضلّوا عن طريق الهدى ، وانحرفوا عن الصراط المستقيم بجهلهم وتشبّثهم بما لا يتشبّث به العاقل من تقليد الآباء والأجداد ، وغيره من الطرق المنحرفة غير المستقيمة .
ولعلّ اقتصار الكاتب على الجملات التي ذكرها ، وعدم تعرّضه لمعارضة بقيّة السورة كان لأجل وضوح كونه غير القسم الأوّل ، بل من القسم الثاني نعوذ
- (1) اقتباس من سورة النساء: 4 / 69 .
(الصفحة 140)
بالله من متابعة الشيطان ، والقيام في مقابل الرحمن ، مع وضوح الحقّ ، وهداية البرهان .
وهنا نختم البحث في إعجاز القرآن ، ونستمدّ منه الخروج من الظلمات إلى النور .
(الصفحة 141)
حول القُرّاء والقراءات
* دعوى تواتر القراءات .
* حجّية القراءات .
* جواز القراءة بها في الصلاة .
(الصفحة 142)
(الصفحة 143)حول القرّاء والقراءات
والكلام يقع في مقامات :
المقام الأوّل : دعوى تواتر القراءات
نسب إلى المشهور بين علماء أهل السنّة أ نّ القراءات السبع المعروفة بين الناس متواترة (1) ، ومقصودهم ظاهراً هو التواتر عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ; بمعنى أنّه قد ثبت بالتواتر عنه (صلى الله عليه وآله) أ نّه قرأ على وفق هذه القراءات ، وحكي عن بعضهم القول بتواتر القراءات العشر (2) ، بل عن بعضهم أنّ من قال : إنّ القراءات السبع لايلزم فيها التواتر ، فقوله كفر (3) .
والمعروف بين الشيعة الإماميّة أ نّها غير متواترة ، بل هي بين ما هو اجتهاد من
- (1) يقول السيوطي: وبالجملة، فالقراءات السبع متواترة عند الجمهور، وقيل: بل مشهورة فيما قال الزركشي: والتحقيق أنّها متواترة عن الأ ئـمّة السبعة ، أمّا تواترها عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ففيه نظر ; فإنّ إسناد الأ ئـمّة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات ، وهي نقل الواحد عن الواحد . . . معترك الأقران في إعجازالقرآن للسيوطي1:121 ـ 122،البرهان في علوم القرآن للزركشي1:318 ـ 319.
(2) وهو ما نقل عن السبكي وابن الجزري والنويري ، في مناهل العرفان للزرقاني 1 : 357 .
(3) وقد نسب هذا إلى مفتي البلاد الأندلسية أبي سعيد فرج بن لب ، مناهل العرفان للزرقاني 1 : 353 .