(الصفحة 176)
وأشباهه من كتاب الله عزّوجلّ ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَج) (1) إمسح عليه(2) .
6ـ عن تفسير العيّاشي ، عن ابن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أميرالمؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوّجها رجل ، وشرط عليها وعلى أهلها إن تزوّج عليها امرأة ، أو هجرها ، أو أتى عليها سريّة; فإنّها طالق ، فقال (عليه السلام) : شرط الله قبل شرطكم ، إن شاء وفى بشرطه ، وإن شاء أمسك امرأته ونكح عليها ، وتسرّى عليها وهجرها إن أتت بسبيل ذلك ، قال الله ـ تعالى ـ في كتابه : (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَـثَ وَرُبَـعَ) (3) . وقال : (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـنُكُمْ) (4) . وقال : (وَالَّـتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) (5) الآية (6) .
7ـ وما عن الفقيه بسنده إلى زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قالا : المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلاّ بإذن سيِّده ، قلت : فإنّ السيِّد كان زوَّجه ، بيد مَن الطلاق؟ قال : بيد السيِّد ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَىْء) (7) أفشيء الطلاق (8) ؟!
- (1) سورة الحجّ 22 : 78 .
(2) الكافي: 3 / 33 ح4 ، تهذيب الأحكام: 1 / 363 ح1097 ، الاستبصار: 1 / 77 ح240 ، وعنها وسائل الشيعة : 1 / 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب39 ح5 . وفي تفسير كنز الدقائق: 6 / 570 وملاذ الأخيار: 13 / 76 ح21 عن التهذيب . (3 ، 4) سورة النساء 4 : 3 .
(5) سورة النساء 4 : 34 .
(6) تفسير العيّاشي: 1 / 240 ح121 ، وعنه وسائل الشيعة : 21 / 277 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب 20 ح6 ، وبحار الأنوار: 104 / 68 ح1 .
(7) سورة النحل 16 : 75 . (8) الفقيه :3/350 ح 1673 ، تهذيب الأحكام: 7 / 347 ح1419 ، الاستبصار: 3 / 214 ح780 ، وعنها وسائل الشيعة : 22/101 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ب 45 ح1 . وفي الوافي: 12 / 1095 ح22830 وروضة المتّقين: 9 / 193 عن التهذيب والفقيه .
(الصفحة 177)
8 ـ وغير ذلك من الموارد الكثيرة المتفرّقة في أبواب الفقه ، التي قد استدلّ فيها الإمام (عليه السلام) بالكتاب ، سيّما في قبال المخالفين المنكرين لإمامتهم ; فإنّه لو كان مذاقهم عدم حجّية ظاهر الكتاب لغيرهم لما كان للاستدلال به في مقابلهم وجه أصلاً .
وأ مّا المنكرون لحجّية ظواهر الكتاب الذين هم جماعة من المحدِّثين ، فاستندوا في ذلك إلى اُمور :
أحدها : أ نّه قد ورد في الروايات المتواترة بين الفريقين ، النهي عن تفسير القرآن بالرأي ، وفي بعضها : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار(1); أي فليتّخذ مكاناً من النار لأجل القعود ولا محيص له عنها ، والأخذ بظواهر القرآن من مصاديق التفسير بالرأي ; فإنّه وإن لم يكن مصداقه منحصراً بذلك ; لشموله قطعاً لحمل المتشابه والمبهم على أحد معنييه أو معانيه مستنداً إلى الظنّ أو الاستحسان ، إلاّ أنّ الظاهر شموله لحمل الظواهر على ظاهرها والعمل بما تقتضيه .
والجواب أوّلاً : أنّ التفسير بحسب اللغة والعرف بمعنى : كشف القناع وإظهار أمر مستور ، ومن المعلوم أ نّ الأخذ بظاهر اللفظ لا يكون من التفسير بهذا المعنى ، فلا يقال لمن أخذ بظاهر كلام من يقول مثلاً : رأيت أسداً ، وأخبر بأنّ فلاناً قد رأى الحيوان المفترس : أ نّه فسّر كلامه ، وقد شاع في العرف أ نّ الواقعة أمر ، وتفسير الواقعة أمر آخر .
وبالجملة : لا ينبغي الارتياب في أنّ «التفسير» لا يشمل حمل اللفظ على
- (1) عوالي اللئالي : 4 / 104 ح 154 عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، تفسير الصافي: 1 / 32 ، المقدّمة الخامسة. وفي التوحيد: 91، والمسند لابن حنبل: 1 / 501 ح2069، وسنن الترمذي: 5 / 199 ح2955، ومجمع البيان: 1 / 7 ، وعنه وسائل الشيعة: 27 / 204 ح76 هكذا: من قال في القرآن بغير علم إلخ ، وفي سنن الترمذي : 5 / 199 ح2956: من قال في القرآن برأيه إلخ .
(الصفحة 178)
ظاهره ، فالمقام خارج عن مورد تلك الروايات موضوعاً .
وثانياً : أ نّه على فرض كون الأخذ بالظاهر تفسيراً ، فلا يكون تفسيراً بالرأي حتّى تشمله الروايات المتواترة الناهية عن التفسير بالرأي .
وبعبارة اُخرى : يستفاد من تلك الروايات أ نّ التفسير يتنوّع إلى نوعين وينقسم إلى قسمين : تفسير بالرأي ، وتفسير بغيره ، ولابدّ للمستدلّ بها للمقام من إثبات أنّ الأخذ بظاهر اللفظ من مصاديق القسم الأوّل ، ومع عدمه يكفي مجرّد الشكّ; لعدم صلاحيّة الروايات الناهية للشمول للمقام ; لعدم إحراز موضوعها ، وعدم ثبوت عنوان «التفسير بالرأي» .
مع أنّه من الواضح عدم كونه من مصاديقه على فرض كونه تفسيراً; فإنّ من يترجم خطبة من خطب «نهج البلاغة» مثلاً بحسب ما يظهر من عباراتها ، وعلى طبق ما يفهمه العرف العارف باللغة العربيّة ، مع مراعاة القرائن الداخليّة والخارجيّة ، لا يعدّ عمله هذا تفسيراً بالرأي بوجه من الوجوه أصلاً .
فالتفسير بالرأي معناه الاستقلال في المراجعة إلى الكتاب ، من دون السؤال من الأوصياء الذين هم قرناء الكتاب في وجوب التمسّك ولزوم المراجعة إليهم :
إمّا بحمل المتشابه على التأويل الذي تقتضيه آراؤهم ، كما يشير إلى ذلك قول الصادق (عليه السلام) : وإنّما هلك الناس في المتشابه ; لأنّهم لم يقفوا على معناه ، ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء...(1).
- (1) رسالة المحكم والمتشابه نقلاً من تفسير النعماني، المطبوع بتمامه في جامع الأخبار والآثار: 3 / 90 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 201 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 13 ذ ح 62 ، وبحار الأنوار : 93 / 12 ب 128 .
(الصفحة 179)
وإمّا بحمل اللفظ على ظاهره من العموم أو الإطلاق أو غيرهما ، من دون الأخذ بالتخصيص ، أو التقييد ، أو القرينة الواردة عن الأ ئـمّة (عليهم السلام) ، وقد عرفت(1)أ نّ محلّ النزاع في حجّية ظواهر الكتاب غير ذلك .
وثالثاً : أ نّه على فرض كون الأخذ بظاهر القرآن من مصاديق التفسير بالرأي لتشمله الروايات الناهية عنه نقول :
لابدّ من الجمع بين هذه الطائفة والروايات المتقدّمة الظاهرة بل الصريحة في حجّية ظواهر الكتاب ، بحمل التفسير بالرأي الوارد في الروايات الناهية على غير هذا المصداق من المصاديق الظاهرة الواضحة ، كحمل المتشابه على التأويل الذي يقتضيه الرأي ، أو حمل الظاهر عليه من دون المراجعة إلى القرينة على الخلاف ، ولا مجال لغير هذا النحو من الجمع بعد ظهور الروايات المتقدّمة ، بل صراحتها في حجّية ظواهر الكتاب كما هو غير خفيّ .
ثانيها : دعوى اختصاص فهم القرآن بأهل الكتاب الذين اُنزل عليهم ; وهم الأ ئـمّة المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين ، ومنشأ هذه الدعوى الروايات الظاهرة في ذلك ، مثل :
مرسلة شبيب بن أنس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قال لأبي حنيفة : أنت فقيه أهل العراق ؟ قال : نعم ، قال (عليه السلام) : فبم تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله) ، قال : يا أبا حنيفة ! تعرف كتاب الله حقّ معرفته ، وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : نعم ، قال : يا أبا حنيفة ! لقد ادّعيت علماً ، ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين اُنزل عليهم ! ويلك ولا هو إلاّ عند الخاصّ من ذرّية نبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله) ،
(الصفحة 180)
وما ورَّثك الله من كتابه حرفاً» (1) .
ورواية زيد الشحّام قال : «دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر (عليه السلام) فقال : ياقتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال : هكذا يزعمون ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : بلغني أنّك تفسِّر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم ، ـ إلى أن قال : ـ ويحك يا قتادة ! إن كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسّرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة ! إنّما يعرف القرآن من خُوطِبَ به»(2).
وغيرهما من الروايات الدالّة على هذا النحو من المضامين .
والجواب: أ نّه إن كان المدّعى اختصاص معرفة القرآن حقّ معرفته ـ الراجع إلى معرفة القرآن بجميع شؤونها وخصوصيّاتها من الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والظاهر والباطن ، وغير ذلك من الجهات ـ بالأئمّة الذين اُنزل عليهم الكتاب ، فهو حقّ ، ولكن ذلك لا ينافي حجّية الظواهر بالنحو الذي عرفت(3) أ نّه محلّ البحث ومورد النزاع على سائر الناس .
وإن كان المدّعى عدم استفادة سائر الناس من القرآن ولو كلمة ، حتّى يكون القرآن بالإضافة إلى من عدا الأ ئـمّة المعصومين (عليهم السلام) من الألغاز ، وغير قابل للفهم والمعرفة بوجه ، فالدعوى ممنوعة ، والروايتان قاصرتان عن إثبات ذلك .
- (1) علل الشرائع: 89 ـ 90 ب81 قطعة من ح5 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 47 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 6 صدر ح 27 ، وبحار الأنوار: 2 / 293 قطعة من ح113 ، وتفسير الصافي: 1 / 22 ، المقدّمة الثانية مع اختلاف يسير .
(2) الكافي: 8 / 311 ح485 ، وعنه تفسير الصافي: 1 / 21 ، المقدّمة الثانية ، و وسائل الشيعة : 27 / 185 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 13 ح25 ، وبحار الأنوار: 24 / 237 ح6 و ج46 / 349 ح2، وحلية الأبرار: 3 / 388 ب5 ح6، والبرهان في تفسير القرآن: 1 / 40 ح123 ، وج4 / 513ـ 514 ح8766 ، وعوالم العلوم والمعارف والأحوال: 19 / 310 ح1 ، وفي تأويل الآيات: 1 / 246 ح9 مختصراً .
(3) في ص170 ـ 171 .