(الصفحة 22)
وصف الإعجاز بمجموع القرآن ، بل يكون كلّ سورة من سوره الطويلة والقصيرة واجدة لهذا الوصف ، وحينئذ فالطلب منهم دليل على عدم كونهم بصدد الاهتداء ، بل على لجاجهم وعنادهم ، وتعصّبهم القبيح ; فإنّه لا وجه بعد الإتيان بالمعجزة لطلب معجزة اُخرى ، مع فرض كون الشخص بصدد الاهتداء وتبعيّة النبيّ الصادق .
وأمّا ثالثاً : فغير خفيّ على الناظر في الآيات أ نّ ما كانوا يطلبونه لم يكن معجزةً بوجه ، إمّا لكونه من الاُمور الموافقة للعادة الطبيعيّة ، كفجر الينبوع من الأرض ، وثبوت بيت من الزخرف له ومثلهما ، وإمّا لكونه منافياً لغرض الإعجاز ، كسقوط السماء الموجب لهلاك طالب المعجزة .
وإمّا لكونه مستحيلاً عقلاً ، كالإتيان بالله من السماء بعنوان الشهادة ولأجلها . وقد مرّ(1) أنّ المعجزة لا تبلغ حدّ التصرّف في المستحيلات العقليّة ; لعدم قابليّتها للانخرام بوجه .
وأمّا رابعاً: فهذا القرآن الكريم يصرّح في غير موضع بثبوت المعجزة للأنبياء السالفين ، كموسى(2) وعيسى (عليهما السلام) (3) وغيرهما (4) ، وأ نّ تصديقهم كان لأجل الإتيان بها . وعليه: فهل يمكن أن يقال بدلالته على عدم الافتقار إلى المعجزة ، أو بدلالته على كذب المعجزات السالفة . نعوذ بالله من الضلالة والخروج عن دائرة الهداية .
- (1) في ص 15 ـ 16 .
(2) سورة طه 20 : 17 ـ 22 و 65 ـ 69 .
(3) سورة آل عمران 3 : 46 ، 49 وسورة المائدة 5: 110 .
(4) مثل إبراهيم(عليه السلام) ، كقوله ـ تعالى ـ : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) سورة الأنبياء 21: 69 . وداود وسليمان(عليهما السلام) ، كتليين الحديد ، وتسخير الريح والجنّ والطيور وجميع دوابّ الأرض في البرّ والبحر . سورة سبأ 34: 10 ، 12، وسورة النمل 27: 17 . وغيرها .
(الصفحة 23)وجه دلالة الإعجاز على الصدق
الظاهر: أنّ الوجه في دلالة الإعجاز على صدق مدّعي النبوّة ليس إلاّ قبح الإغراء بالجهل على الحكيم على الإطلاق ; فإنّه حيث لا يمكن التصديق بنبيّ من غير جهة الإعجاز ; ضرورة انحصار الطريق العقلائي بذلك ، مع أنّ النبوّة والسفارة من المناصب الإلهيّة التي ليس فوقها منصب ، ومن هذه الجهة يكثر المدّعي لها ، والطالب للوصول إليها ، فإذا صدر منه أمر خارق للعادة الطبيعيّة ، العاجزة عنه الطبيعة البشريّة ، فإن كان كاذباً في نفس الأمر ، ومع ذلك لم يبطله الله تعالى ، والمفروض أ نّه ليس للناس طريق إلى إبطاله من التمسّك بالمعارضة ، فهو لا ينطبق عليه عنوان من ناحية الله إلاّ عنوان الإغراء بالجهل القبيح في حقّه ، ولكن ذلك إنّما يتوقّف على القول بالتحسين والتقبيح العقليّين ، كما عليه من عدا الأشاعرة (1) . وأمّا بناءً على مسلكهم الفاسد من إنكار الحسن والقبح رأساً ، فلا طريق إلى تصديق النبيّ من ناحية المعجزة أصلاً .
وما يقال: من أنّ فرض المعجزة ملازم لكونها من الله سبحانه ، ولا حاجة فيه إلى القول بالحسن والقبح العقليّين ; لأنّ المعجزة مفروض أ نّها خارجة عن حدود القدرة البشريّة ، فلا مناص عن كونها من الله سبحانه .
مدفوع: فإنّه ليس البحث في الاتّصاف بالإعجاز ، حتّى يقال : إنّ فرضه ملازم لكونه من الله سبحانه ، بل البحث ـ بعد الفراغ عن كونه معجزةً ـ في دلالة الإعجاز على صدق مدّعي النبوّة في دعواها ، فمن الممكن أ نّ الإقدار من الله لم يكن لأجل كونه نبيّاً ، بل لغرض آخر ، فمجرّد كون المعجزة من الله لا يستلزم الصدق ، إلاّ مع
- (1) شرح تجريد العقائد للقوشجي: 337 ، اُصول الفقه للمظفّر: 1 / 232 ، اُصول الفقه للشيخ محمّد الخضري: 26 .
(الصفحة 24)
ضميمة ما ذكرنا من لزوم الإغراء بالجهل القبيح ، ومع إنكار القبح والحسن ـ كما هو المفروض ـ ينسدّ هذا الباب ، ولا يبقى مجال للتصديق من ناحية الإعجاز .
وما حكي عن بعض الأشاعرة(1) من جريان عادة الله على صدور ما يخرق العادة وناموس الطبيعة بيد النبيّ فقط (2) .
يدفعه أنّ العلم بذلك من غير طريق النبيّ كيف يمكن أن يحصل ، والمفروض أنّ الشكّ في أصل نبوّته ؟ مضافاً إلى أنّه لا دليل على لزوم الالتزام بهذه العادة ، مع إنكار القبح رأساً .
- (1) هو الفضل بن روزبهان .
(2) حكى عنه في البيان في تفسير القرآن: 39 .
(الصفحة 25)
وجوه إعجاز القرآن
* آيات التحدّي .
* القرآن معجزة خالدة .
* عدم اختصاص إعجاز القرآن بوجه خاصّ .
* التحدّي بمن أنزل عليه القرآن .
* التحدّي بعدم الاختلاف وبالسلامة والاستقامة .
* التحدّي بأنّه تبيان كلّ شيء .
* التحدّي بالإخبار عن الغيب .
* القرآن ومعارفه الاعتقادية .
* القرآن وأسرار الخلقة .
* التحدّي بالبلاغة .
* القرآن وقوانينه التشريعية .
(الصفحة 26)