(الصفحة 309)
القبيل ، وأ نّ امتيازه إنّما هو من جهة اشتماله على جميع ما نزل بهذا العنوان من دون أن يشذّ عنه شيء ، وهذا بخلاف سائر المصاحف ، ويؤيّده التأمّل في بعض الروايات المتقدّمة(1) الواردة في هذا الشأن ; الدالّ على أنّ التنزيل والتأويل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ كلّها كان عند عليّ (عليه السلام) ، فأين الدلالة على اشتماله على مقدار ممّا نزل بعنوان القرآن ، ولا يكون موجوداً في المصحف الفعلي ؟ كما هو واضح .
(الصفحة 310)
الشبهة الرابعة
الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب وادّعي تواترها (1) ، وهي وإن كان أكثرها ضعيفاً من حيث السند ; لأجل اشتماله على أحمد بن محمّد السيّاري ، الذي اتّفق على فساد مذهبه واتّصافه بالوضع والجعل(2) ، أو على عليّ بن أحمد الكوفي الذي حكي عن علماء الرجال في حقّه: أ نّه فاسد المذهب ، وأ نّه كذّاب(3) ، إلاّ أنّ دعوى التواتر الإجمالي فيها الذي مرجعه إلى العلم الإجمالي بصدور بعضها لا تنبغي المناقشة فيها ، ولكن لابدّ من ملاحظتها ليظهر حالها من حيث الدلالة على القول بالتحريف ، وانطباقها على مدّعى القائل به .
فنقول : هذه الروايات على طوائف مختلفة:
الطائفة الاُولى: ما تدلّ على وقوع التحريف بعنوانه ، أو التغيير والتبديل وما يشابهها من العناوين ، وهي كثيرة :
1 ـ ما رواه الشيخ الكشّي في أوّل رجاله ـ على ما حُكي عنه ـ عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير قالا: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الرازي قال: حدّثني عليّ بن حبيب المدائني ، عن عليّ بن سويد السائي قال : كتب إليّ أبو الحسن الأوّل (عليه السلام) وهو في السجن : وأمّا ما ذكرت يا عليّ ممّن تأخذ معالم دينك ؟ لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا ، فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين ، الذين خانوا الله ورسوله
- (1) اُنظر هذه الروايات في كتاب فصل الخطاب للمحدّث النوري الذي اعتمدها دليلاً على ما ذهب إليه ، الدليل الحادي عشر: 211 ـ 227 .
(2) يأتي تضعيفه تفصيلاً في ص333 ـ 336.
(3) معجم رجال الحديث: 11 / 246، الرقم 7876.
(الصفحة 311)
وخانوا أماناتهم ، إنّهم اؤتمنوا على كتاب الله ـ عزّوجلّ ـ فحرّفوه وبدّلوه ، فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة (1) .
2 ـ ما عن عليّ بن إبراهيم القمّي ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الجارود ، عن عمران بن هيثم ، عن مالك بن ضمرة ، عن أبي ذرّ (رحمه الله) قال : لمّا نزلت هذه الآية (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (2) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ترد عليَّ اُمّتي يوم القيامة على خمس رايات ، فراية مع عجل هذه الاُمّة ، فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّاالأكبر فحرّفناهونبذناهوراء ظهورنا ، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه ، فأقول: ردّوا إلى النار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم .
ثمّ ترد عَليّ راية مع فرعون هذه الاُمّة ، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه ، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه ، فأقول : ردّوا إلى النار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم .
ثمّ ترد عليَّ راية مع سامريّ هذه الاُمّة ، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فعصيناه وتركناه ، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه وصنعنا به كلّ قبيح ، فأقول: ردّوا إلى النار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم .
ثمّ ترد عَليّ راية ذي الثدية مع أوّل الخوارج وآخرهم ، فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر ففرّقناه ( فمزّقناه خ ل) وبرئنا منه ، وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه ، فأقول لهم: ردّوا إلى النار ظماءً مظمئين
- (1) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي»: 3 ، الرقم 4 ، وعنه وسائل الشيعة 27: 150 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح42، وبحار الأنوار 2: 82 ح2، وعوالم العلوم 3: 408 ح3 .
(2) سورة آل عمران 3: 106 .
(الصفحة 312)
مسودّة وجوهكم .
ثمّ ترد عليَّ راية مع إمام المتّقين ، وسيِّد الوصيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، ووصيّ رسول ربّ العالمين ، فأقول لهم : ماذا فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه ، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّى اُهرقت فيهم دماؤنا ، فأقول : ردّوا الجنّة رواءً مرويّين مبيضّة وجوهكم ، ثمّ تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (يوم تبيضّ وجوه . . .) الآية (1) .
3 ـ ما رواه سعد بن عبدالله القمّي في محكي بصائره على ما نقله عنه الشيخ حسن بن سليمان الحلّي في محكيّ منتخبه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري، المعروف بالشاذكوني ، عن يحيى بن آدم ، عن شريك بن عبدالله ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنى فقال : يا أيّها الناس إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ; فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض .
ثمّ قال: أيّها الناس : إنّي تارك فيكم حرمات ثلاث : كتاب الله ، وعترتي ، والكعبة البيت الحرام .
ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) : أمّا كتاب الله فحرّفوا ، وأمّا الكعبة فهدموا ، وأ مّا العترة فقتلوا ، وكلّ ودائع الله قد نبذوا ، ومنها قد تبرّؤوا (2) .
4 ـ ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّوجل : المصحف ، والمسجد ، والعترة ، يقول المصحف : ياربّ حرّقوني ومزّقوني ، ويقول المسجد : ياربّ
- (1) تفسير القمي: 1 / 109 ، وعنه بحار الأنوار: 37 / 346 ح 3 .
(2) مختصر بصائر الدرجات : 213 ح254 ، وأخرجه في بحار الأنوار 23: 140 ب7 ح91 عن بصائر الدرجات: 413 ، الجزء 8 ب 17 ح 3 باختلاف .
(الصفحة 313)
عطّلوني وضيّعوني ، وتقول العترة: ياربّ قتلونا وطردونا وشردونا (1) .
5 ـ ما رواه الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه في محكي «كامل الزيارة» ، عن محمّد بن جعفر الرزّاز الكوفي ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن ابن أبي نجران ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن الحسن بن عطيّة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا دخلت الحائر فقل ـ إلى قوله (عليه السلام) ـ : اللّهم العن الذين كذّبوا رسلك ، وهدموا كعبتك ، وحرّفوا كتابك ، وسفكوا دماء أهل بيت نبيّك(2) .
6 ـ ما رواه السيّد ابن طاوس في «مهج الدعوات» بإسناده إلى سعد بن عبدالله في كتاب فضل الدّعاء عن أبي جعفر محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن الرضا (عليه السلام) ، وبكير بن صالح ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن الرضا (عليه السلام) قالا: دخلنا عليه وهو في سجدة الشكر ، فأطال السجود ثمّ رفع رأسه ، فقلنا له : أطلت السجود؟ فقال: من دعا في سجدة الشكر ، بهذا الدعاء كان كالرّامي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ، قالا: قلنا: فنكتبه؟ قال: اُكتبا: إذا أنتما سجدتما سجدة الشكر فقولا :
اللّهم العن الّذَين بدّلا دينك ـ إلى قوله (عليه السلام) ـ : وحرّفا كتابك (3) .
7 ـ ما رواه الخوارزمي في محكيّ «مقتل الحسين (عليه السلام) » بإسناده إلى عبدالله بن
- (1) الخصال: 175 باب الثلاثة ح 232 ، وعنه بحار الأنوار 7: 222 ح137 و ج24: 186 ح3 وج83 : 368 ح26 وج92: 49 ح9، ووسائل الشيعة 5: 202 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ب5 ح2. وفي بحار الأنوار 24: 186 ح6 عن ابن البطريق في المستدرك نقلاً من الفردوس بمأثور الخطاب 5: 499 ح8880 .
(2) كامل الزيارات: 362 ب 79 قطعة من ح 617 ، وعنه بحار الأنوار 101: 150 قطعة من ح1 ، وفي ص209 قطعة من ح33 عن المزار الكبير: 375 ـ 376 ب15 .
(3) مهج الدعوات: 461 ، دعاء مولانا الرضا (عليه السلام) في سجدة الشكر، وعنه بحار الأنوار: 86 / 223 ، كتاب الصلاة ، باب سجدة الشكر وفضلها (66) ح 44 ، ومستدرك الوسائل: 5 / 139 ، كتاب الصلاة ، أبواب سجدتي الشكر ب5 ح5516 .