(الصفحة 326)
بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ووضِع مكانه بعض آخر ، ففي الحقيقة تدلّ على وقوع الزيادة والنقيصة معاً; الزيادة من جهة الوضع ، والنقيصة من ناحية الحذف .
1 ـ ما رواه عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قرأ : اهدنا الصراط المستقيم ، صراط من أنعمت عليهم وغير المغضوب عليهم ولا (وغير خ ل) الضالّين (1) .
2 ـ ما عن العيّاشي عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله ـ تعالى ـ : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا) (2) ؟ فقال: هو آل إبراهيم وآل محمّد على العالمين ، فوضعوا اسماً مكان اسم (3) .
3 ـ ما رواه ربعي بن حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قرأ : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْر وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) (4) ضعفاء ، وما كانوا أذلّة ورسول الله فيهم ، عليه وعلى آله الصلاة والسلام (5) .
4 ـ ما رواه محمد بن جمهور ، عن بعض أصحابنا قال : تلوت بين يدي
- (1) تفسير القمّي : 1 / 29 ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1: 107 ح274 ، وبحار الأنوار 24: 20 ح24 وج92: 230 ح6 .
(2) سورة آل عمران 3: 33 .
(3) تفسير العيّاشي: 1 / 168 ح 30 ، وعنه تفسير الصافي 1: 305 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 614 ح1667 وبحار الأنوار 23: 225 ح45 ، وتفسير كنز الدقائق 2: 62 .
(4) سورة آل عمران 3: 123 .
(5) تفسير العياشي: 1 / 196 ح 135 ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1: 679 ح1899 ، وبحار الأنوار 19: 284 ح23 ، وفيه: ربعي ، عن حريز . وفي تفسير الصافي 1: 348 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 679 ح1896 و 1899 ، وتفسير كنز الدقائق 2: 217ـ 218 عنه وعن تفسير القمّي 1: 122 . وفي بحار الأنوار 19: 243 ح1 عن تفسير القمّي .
(الصفحة 327)
أبي عبدالله (عليه السلام) هذه الآية: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَْمْرِ شَىْءٌ) (1) فقال : بلى ، وشيء وشيء ، وهل الأمر كلّه إلاّ له (صلى الله عليه وآله) ، ولكنّها نزلت: «ليس لك من الأمر شيء إن تبت عليهم أو تعذّبهم فإنّهم ظالمون» ، وكيف لايكون له من الأمرشيء والله ـ عزّوجلّ ـ يقول : (مَآ ءَاتَـئـكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَـئـكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (2) . وقال ـ عزّوجلّ ـ : (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَـكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (3) إن عليك إلاّ البلاغ (4) .
ومنها غير ذلك من الروايات الواردة الدالّة على وقوع التغيير وحذف شيء ووضع آخر مكانه .
مناقشة الطائفة الرابعة
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة ـ مضافاً إلى اختلال سند أكثرها ، وإلى مخالفتها للكتاب ، وشمول أخبار العرض على الكتاب لها بالتقريب المتقدّم في الجواب عن الطائفة الثانية ـ أ نّها مخالفة للإجماع ; لانعقاده من المسلمين على عدم وقوع التحريف بالزيادة في القرآن بوجه ، وأ نّ الكتاب الموجود كلّه قرآن من دون زيادة حرف فيه أصلاً .
مضافاً إلى أنّ التغيير في مثل الآية الواقعة في الرواية الاُولى لا يترتّب عليه فائدة ; لأنّ الآية الأصليّة ـ على هذا الفرض ـ لا تكون منافية لغرض المحرِّف ، ولاموجبة للإيراد على الكتاب من الجهات الأدبيّة وغيرها من الجهات ، ولا سبباً
- (1) سورة آل عمران 3: 128 .
(2) سورة الحشر 59 : 7 .
(3) سورة النساء 4: 80 .
(4) التنزيل والتحريف للسيّاري: 15 ـ 16 (مخطوط) .
(الصفحة 328)
لتنقيص مقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
وعليه: فيقع السؤال عن وجه التحريف وعلّة التغيير مع عدم ترتّب فائدة عليه أصلاً ، كما لا يخفى .
وإلى أنّ الآية الواقعة في الرواية الثالثة معناها عدم استقلال النبيّ (صلى الله عليه وآله) في شيء ; فإنّ مفاد «اللاّم» هو الاختصاص بمعنى الاستقلال ، كما في مثل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّـآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ) (1) ، ومع ثبوت الاستقلال لله وانحصاره به يصحّ نفيه عن غيره ولو كان نبيّاً ; فإنّ النبوّة لا تخرج النبيّ عن وصف الإمكان في مقابل الوجوب ،والممكن كما قد ثبت في محلّه(2) ذاته الافتقار والاحتياج والربط والاتّصال ، وبلوغه إلى أعلى مراتب الكمال لا يغيّر ذاته ، ولا يوجب ثبوت وصف الاستقلال له .
وعليه: فلا يبقى للإيراد على الآية مجال ، ولا منافاة بين هذه الآية ، وبين سائر الآيات المذكورة في الرواية ، الدالّة على وجوب الأخذ بما آتاه الرسول والانتهاء عمّا نهى عنه ، ولزوم الإطاعة له ، وأ نّ إطاعته إطاعة الله تعالى ; ضرورة أ نّ جميع هذه الخصائص لا ينافي عدم الاستقلال ، بل ربما يؤيّده ويثبته ; لأنّ هذه الامتيازات من شؤون كونه رسولاً نبيّاً مبلِّغاً عن الله تعالى ، ومرتبطاً بمبدإ الوحي ، فكيف يجتمع مع الاستقلال ؟ فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر .
الطائفة الخامسة: الروايات الدالّة على وقوع النقيصة في القرآن بتعبيرات مختلفة ومضامين متعدّدة ، فقسم منها يدلّ على أنّ عدد آيات الكتاب أزيد من العدد الموجود ، وقسم آخر يدلّ على أنّ السورة الفلانية كان عدد آياتها أزيد ممّا
- (1) سورة البقرة 2: 156 .
(2) كشف المراد: 78 ـ 79 ، شرح المنظومة 2: 260 ـ 265، نهاية الحكمة 1: 237 ـ 247.
(الصفحة 329)
هي عليه من العدد فعلاً ، وقسم ثالث يدلّ على نقص الكلمة الفلانية عن الآية الفلانية ، أو الآية الفلانية عن السورة الفلانية ، في موارد كثيرة ومواضع متعدّدة .
فمن القسم الأوّل: ما رواه في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) سبعة عشر ألف آية (1) .
ومن القسم الثاني: ما ذكره السيوطي في «الإتقان» ونقله عن أبي عبيد قال: حدّثنا ابن أبي مريم ، عن أبي لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت:
كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ ما هو الآن (2) .
وما رواه أبو علي الفارسي في كتاب الحجّة ، كما نقله عنه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان عن زرّ بن حبيش ، أنّ أُبيّاً قال له: كم تقرأون الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية ، قال: قد قرأتها ونحن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطول من سورة البقرة (3) .
ومن القسم الثالث: ما رواه الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ ابن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَـطِينُ ـ بولاية الشياطين ـ عَلَى
- (1) الكافي: 2 / 634 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح28 ، وعنه الوافي 9: 1780 ح9089 ومرآة العقول 12: 525 ح28 .
(2) فضائل القرآن لأبي عبيد: 320 ، الإتقان في علوم القرآن: 3 / 82 ، النوع 47 ، تنبيه ، وفي الجامع لأحكام القرآن 14: 113 باختلاف .
(3) مجمع البيان 1: 303 . وروى ابن حنبل في مسنده 8 : 41 ح21264 و 21265 نحوه .
(الصفحة 330)
مُلْكِ سُلَيْمَـنَ) (1) (2) .
وما رواه السيّاري ، عن محمّد بن عليّ بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن عليّ بن يزيد ، عن جابر الجعفي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ ـ في عليّ ـ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ) (3) (4) .
وما رواه الكليني أيضاً ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على محمّد (صلى الله عليه وآله) هكذا: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْابِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ ـ في عليّ ـ بَغْيًا) (5) (6) .
وما رواه السيّاري أيضاً عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَـتِ وَ الْهُدَى ـ في عليّ ـ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَـبِ أُولَـئـِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـعِنُونَ ) (7) .
وما رواه العيّاشي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في
- (1) سورة البقرة 2: 102 .
(2) الكافي: 8 / 290 ح 440 ، وعنه بحار الأنوار: 92 / 58 ، كتاب القرآن ب 7 ح 39 .
(3) سورة البقرة 2: 91 .
(4) التنزيل والتحريف للسياري: 7 .
(5) سورة البقرة 2: 90 .
(6) الكافي: 1 / 417 ، كتاب الحجّة ب 108 ح 25 ، وعنه بحار الأنوار 23: 372 ح51 . وفي تفسير الصافي 1: 146 والبرهان في تفسير القرآن 1: 278 ح555 و 556 عنه وعن تفسير العيّاشي 1: 50 ح70 باختلاف . وفي بحار الأنوار 36: 98 قطعة من ح38 عن تفسير العيّاشي .
(7) التنزيل والتحريف للسياري: 9 ، والآية في سورة البقرة: 2 / 159 .