(الصفحة 328)
لتنقيص مقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
وعليه: فيقع السؤال عن وجه التحريف وعلّة التغيير مع عدم ترتّب فائدة عليه أصلاً ، كما لا يخفى .
وإلى أنّ الآية الواقعة في الرواية الثالثة معناها عدم استقلال النبيّ (صلى الله عليه وآله) في شيء ; فإنّ مفاد «اللاّم» هو الاختصاص بمعنى الاستقلال ، كما في مثل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّـآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ) (1) ، ومع ثبوت الاستقلال لله وانحصاره به يصحّ نفيه عن غيره ولو كان نبيّاً ; فإنّ النبوّة لا تخرج النبيّ عن وصف الإمكان في مقابل الوجوب ،والممكن كما قد ثبت في محلّه(2) ذاته الافتقار والاحتياج والربط والاتّصال ، وبلوغه إلى أعلى مراتب الكمال لا يغيّر ذاته ، ولا يوجب ثبوت وصف الاستقلال له .
وعليه: فلا يبقى للإيراد على الآية مجال ، ولا منافاة بين هذه الآية ، وبين سائر الآيات المذكورة في الرواية ، الدالّة على وجوب الأخذ بما آتاه الرسول والانتهاء عمّا نهى عنه ، ولزوم الإطاعة له ، وأ نّ إطاعته إطاعة الله تعالى ; ضرورة أ نّ جميع هذه الخصائص لا ينافي عدم الاستقلال ، بل ربما يؤيّده ويثبته ; لأنّ هذه الامتيازات من شؤون كونه رسولاً نبيّاً مبلِّغاً عن الله تعالى ، ومرتبطاً بمبدإ الوحي ، فكيف يجتمع مع الاستقلال ؟ فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر .
الطائفة الخامسة: الروايات الدالّة على وقوع النقيصة في القرآن بتعبيرات مختلفة ومضامين متعدّدة ، فقسم منها يدلّ على أنّ عدد آيات الكتاب أزيد من العدد الموجود ، وقسم آخر يدلّ على أنّ السورة الفلانية كان عدد آياتها أزيد ممّا
- (1) سورة البقرة 2: 156 .
(2) كشف المراد: 78 ـ 79 ، شرح المنظومة 2: 260 ـ 265، نهاية الحكمة 1: 237 ـ 247.
(الصفحة 329)
هي عليه من العدد فعلاً ، وقسم ثالث يدلّ على نقص الكلمة الفلانية عن الآية الفلانية ، أو الآية الفلانية عن السورة الفلانية ، في موارد كثيرة ومواضع متعدّدة .
فمن القسم الأوّل: ما رواه في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) سبعة عشر ألف آية (1) .
ومن القسم الثاني: ما ذكره السيوطي في «الإتقان» ونقله عن أبي عبيد قال: حدّثنا ابن أبي مريم ، عن أبي لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت:
كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ ما هو الآن (2) .
وما رواه أبو علي الفارسي في كتاب الحجّة ، كما نقله عنه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان عن زرّ بن حبيش ، أنّ أُبيّاً قال له: كم تقرأون الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية ، قال: قد قرأتها ونحن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطول من سورة البقرة (3) .
ومن القسم الثالث: ما رواه الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ ابن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَـطِينُ ـ بولاية الشياطين ـ عَلَى
- (1) الكافي: 2 / 634 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح28 ، وعنه الوافي 9: 1780 ح9089 ومرآة العقول 12: 525 ح28 .
(2) فضائل القرآن لأبي عبيد: 320 ، الإتقان في علوم القرآن: 3 / 82 ، النوع 47 ، تنبيه ، وفي الجامع لأحكام القرآن 14: 113 باختلاف .
(3) مجمع البيان 1: 303 . وروى ابن حنبل في مسنده 8 : 41 ح21264 و 21265 نحوه .
(الصفحة 330)
مُلْكِ سُلَيْمَـنَ) (1) (2) .
وما رواه السيّاري ، عن محمّد بن عليّ بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن عليّ بن يزيد ، عن جابر الجعفي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ ـ في عليّ ـ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ) (3) (4) .
وما رواه الكليني أيضاً ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على محمّد (صلى الله عليه وآله) هكذا: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْابِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ ـ في عليّ ـ بَغْيًا) (5) (6) .
وما رواه السيّاري أيضاً عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَـتِ وَ الْهُدَى ـ في عليّ ـ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَـبِ أُولَـئـِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـعِنُونَ ) (7) .
وما رواه العيّاشي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في
- (1) سورة البقرة 2: 102 .
(2) الكافي: 8 / 290 ح 440 ، وعنه بحار الأنوار: 92 / 58 ، كتاب القرآن ب 7 ح 39 .
(3) سورة البقرة 2: 91 .
(4) التنزيل والتحريف للسياري: 7 .
(5) سورة البقرة 2: 90 .
(6) الكافي: 1 / 417 ، كتاب الحجّة ب 108 ح 25 ، وعنه بحار الأنوار 23: 372 ح51 . وفي تفسير الصافي 1: 146 والبرهان في تفسير القرآن 1: 278 ح555 و 556 عنه وعن تفسير العيّاشي 1: 50 ح70 باختلاف . وفي بحار الأنوار 36: 98 قطعة من ح38 عن تفسير العيّاشي .
(7) التنزيل والتحريف للسياري: 9 ، والآية في سورة البقرة: 2 / 159 .
(الصفحة 331)
قوله ـ عزّوجلّ ـ : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الاَْرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَـ بظلمه وسوء سريرته ـ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ) (1) (2) .
وما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاوس في «فلاح السائل»: رويت عن محمّد ابن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كتبت امرأة الحسن (عليهما السلام) مصحفاً ، فقال الحسن (عليه السلام) للكاتب لمّا بلغ هذه الآية (حَـفِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى ـ : وصلاة العصر ـ وَقُومُوا لِلَّهِ قَـنِتِينَ ) (3) .
وما رواه الشيخ الطوسي(قدس سره) في «التهذيب» بإسناده عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) :
الرجم في القرآن قوله ـ تعالى ـ : إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة ; فإنّهما قضيا الشهوة (4) .
وما ذكره الراغب الأصبهاني في «المحاضرات» من أنّه روي أنّ عمر قال: لولا أن يقال: زاد عمر في كتاب الله ـ تعالى ـ لأثبتّ في المصحف ، فقد نزلت : الشيخ
- (1) سورة البقرة 2: 205 .
(2) تفسير العياشي: 1 / 101 ح 390 ، وعنه بحار الأنوار: 9 / 189 ، الاحتجاج ب 1 ح 24 ، وج75: 315 ح37 . وفي تفسير الصافي 1: 220 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 440ـ 441 ح1063 و 1067 عنه وعن الكافي 8 : 289 ح435 . وفي تفسير كنز الدقائق 1: 498 عن الكافي .
(3) فلاح السائل: 186 فصل 15 ح 93 ، وعنه بحار الأنوار: 82 / 289 ، كتاب الصلاة ب 9 ملحق ح 17 ، والآية في سورة البقرة 2: 238 .
(4) تهذيب الأحكام: 10 / 3 ، كتاب الحدود ب 1 ح 3 ، وعنه ملاذ الأخيار 16: 10 ح7 . وفي الوافي 15: 238 ح14959 ، ووسائل الشيعة 28: 62 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح4 عنه وعن الكافي 7: 177 ح3 . وفي الوافي 15: 238 ح14961 ، ووسائل الشيعة 28: 67 ب1 ح18 عن الفقيه 4: 17 ح32 .
(الصفحة 332)
والشيخة إذا زنيا فارجمُوُهما البتّة نكالاً من الله والله شديد العذاب (1) .
وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا القسم .
مناقشة الطائفة الخامسة
أوّلاً: أ نّها بجميع أقسامها مخالفة للكتاب ، وقد اُمرنا بالإعراض عنها وضربها على الجدار ; لأ نّها زخرفة وباطلة(2) ، وقد تقدّم تقريب ذلك في الجواب عن الاستدلال بالطائفة الثانية ، فراجع .
مضافاً إلى ما ذكرنا(3) في الجواب عن الاستدلال بالروايات الدالّة على اشتمال الكتاب على اسم عليّ والأ ئـمّة من ولده ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ـ من وجود قرائن قطعيّة كثيرة على عدم وقوع التصريح بأسمائهم المقدّسة في ألفاظ القرآن الكريم وآياته العزيزة وكلماته الشريفة .
وإلى ما ذكرناه في أوائل بحث التحريف(4) في مقام الجواب عن توهّم كون حكم الرجم مذكوراً في الكتاب ، وأ نّه كانت هناك آية معروفة بآية الرجم رواها من لاحجّية لقوله ولا اعتبار لفعله إلاّ من جهة دلالتها على كون الحقّ في جانب الخلاف ، وفقدان الرشد والصواب في ناحية الوفاق .
وإلى معارضة ما دلّ منها على كون آيات الكتاب زائدة على المقدار الذي هو الآن ـ وهو القسم الأوّل من الأقسام الثلاثة من هذه الطائفة ـ بما رواه الطبرسي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أ نّه قال: سألت النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن ثواب القرآن ؟ فأخبرني
- (1) محاضرات الاُدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء 4: 168 ، ممّا جاء في مبدأ القرآن ونزوله وفضيلته .
(2) يراجع ص173، 237 و 325.
(3) في ص318 ـ 323.
(4) في ص210 ـ 212.