(الصفحة 333)
بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء ـ إلى أن قال ـ : ثمّ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : جميع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة ، وجميع آيات القرآن ستّة آلاف آية ومائتا آية وست وثلاثون آية ، وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وواحد وعشرون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفاً (1) .
وثانياً: اشتمال سند كثير من روايات هذه الطائفة على أحمد بن محمّد بن السيّار، الذي اتّفق على فساد مذهبه وكونه كاذباً جاعلاً ، وقد ادّعى بعض المتتبّعين(2) أ نّه تتبّع روايات التحريف ، التي جمعها المحدّث المعاصر في كتابه الموضوع في هذا الباب ، فوجد اشتمال سند مائة وثماني وثمانين منها على هذا الرجل الفاسد .
ومنه يمكن أن يقال بحصول الاطمئنان للإنسان بكون الرجل معانداً منافقاً ، أو مأموراً من قبل المعاندين على أن يجعل روايات كاذبة ، ويفتري على كتاب الله الذي هو المعجزة الوحيدة الخالدة ; لغرض تنقيصه وإسقاطه عن الاعتبار ، وإردافه بالإنجيل والتوراة المحرّفين لئلاّ يبقى للمسلمين امتياز وخصوصيّة ، ولم يكن لهم لسان على اليهود والنصارى بكون كتابيهم غير معتبرين ، سيّما مع ملاحظة قلّة روايات الرجل في غير هذه المسألة من المسائل الفقهيّة والأحكام العمليّة ، ولابأس بنقل عبارة بعض أئمّة علم الرجال في حقّ الرجل ، فنقول:
قال الشيخ(قدس سره) في محكيّ «الفهرست»: أحمد بن محمّد بن سيّار أبو عبدالله الكاتب ، بصريّ ، كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد (عليه السلام) ، ويعرف بالسيّاري ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل ، وصنّف
- (1) مجمع البيان في تفسير القرآن: 10 / 188 ـ 189 تفسير سورة الإنسان ، وعنه بحار الأنوار: 35 / 256 ب 6 .
(2) وهو الشيخ ميرزا مهدي البروجردي ، مؤلّف كتاب (برهان روشن): 70 .
(الصفحة 334)
كتباً كثيرة .
منها : كتاب ثواب القرآن ، كتاب الطبّ ، كتاب القراءة ، كتاب النوادر ، أخبرنا بالنوادر خاصّة الحسين بن عبيدالله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى قال : حدّثنا أبي قال: حدّثنا السيّاري ، إلاّ بما كان فيه من غلوّ أو تخليط .
وأخبرنا بالنوادر وغيرها جماعة من أصحابنا ، منهم: الثلاثة الذين ذكرناهم ، عن محمد بن أحمد بن داود قال: حدّثنا سلامة بن محمّد قال: حدّثنا عليّ بن محمّد الجبائي قال : حدّثنا السيّاري(1) .
وقال النجاشي : أحمد بن محمّد بن سيّار أبو عبدالله الكاتب ، بصريّ ، كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد (عليه السلام) ، ويعرف بالسيّاري ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيدالله ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل .
له كتب وقع إلينا منها: كتاب ثواب القرآن ، كتاب الطبّ ، كتاب القراءات ، كتاب النوادر ، كتاب الغارات . أخبرنا الحسين بن عبيدالله قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى . وأخبرنا أبو عبدالله القزويني قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه قال: حدّثنا السيّاري ، إلاّ ما كان من غلوّ وتخليط(2) .
ومع ذلك فقد رام المحدّث المعاصر إصلاح حاله واعتبار مقاله وحجّية روايته ; نظراً:
إلى أنّ مستند التضعيف هو تضعيف ابن الغضائري (3) ، والمعروف ضعف تضعيفاته .
وإلى رواية شيخ القمّيين محمّد بن يحيى العطّار الثقة الجليل عنه .
- (1) الفهرست ، للشيخ الطوسي: 66 ، الرقم 70 .
(2) رجال النجاشي: 80 ، الرقم 192 .
(3) مجمع الرجال للقهبائي: 1 / 149 .
(الصفحة 335)
وإلى اعتماد الكليني عليه ، حيث عبّر عنه ببعض أصحابنا (1) ، الظاهر في مشايخ الإماميّة ، أو مشايخ أرباب الرواية والحديث ، المعتبرة رواياتهم .
وإلى ماذكره الشيخ محمّدبن إدريس في آخركتاب السرائرممّالفظه:باب الزيادات وهو آخر أبواب هذا الكتاب ، ممّا استنزعته واستطرفته من كتب المشيخة المصنّفين والرواة المحصّلين ، وستقف على أسمائهم إن شاء الله تعالى ـ إلى أن قال ـ : ومن ذلك مااستطرفناه من كتاب السيّاري ،واسمه أبوعبدالله صاحب موسى والرضا (عليهما السلام) (2) ،(3).
أقول: أ مّا كون مستند التضعيف هو قول ابن الغضائري فقط ، فيردّه ما قاله المتتبّع الخبير في كتابه «قاموس الرجال» : من أنّ هذا الرجل قد طعن فيه ـ غير الكشّي(4) وابن الغضائري والنجاشي والشيخ في الفهرست ورجاله(5) ـ الشيخ في استبصاره (6) ، ومحمّد بن عليّ بن محبوب على نقل ابن الغضائري (7)، والحسين بن عبيدالله ، وأحمد بن محمّد بن يحيى ، ومحمّد بن يحيى على نقل الفهرست والنجاشي عنهم ، ونصر بن الصباح على نقل الكشّي ، وكذا باقي من في إسناده : من طاهر الورّاق ، وجعفر بن أيّوب ، والشجاعي ، وإبراهيم بن حاجب ، وكذا القميّون ; وهم :ابن الوليد ، وابن بابويه ، وابن نوح على نقل ابن الغضائري هنا(8) ، ونقل النجاشي والفهرست في محمّد بن أحمد بن يحيى(9) (10) .
- (1) الكافي 1 : 543 ، كتاب الحجة ، باب الفي والأنفال ح 5 .
(2) السرائر 3 : 549 و 568 ، المستطرفات .
(3) خاتمة مستدرك الوسائل 1: 112 ـ 113 ، الفائدة الثانية ، الرقم 23 ، فصل الخطاب: 228ـ 229 ، الدليل الثاني عشر .
(4) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي» 606، الرق
م 1128
(5) رجال الشيخ: 384، الرقم 5650 و ص398، الرقم 5819
(6) الاستبصار: 1 / 237 ب 138 ذ ح 846 .
(7، 8) مجمع الرجال 1: 149 ـ 150، وكذا نقل العلاّمة في الخلاصة: 321 ذيل الرقم 1259.
(9) رجال النجاشي: 348، الرقم 939، الفهرست للطوسي: 222، الرقم 622
(10) قاموس الرجال: 1 / 611 ، ترجمة أحمد بن محمد بن سيّار السيّاري الرقم 549 .
(الصفحة 336)
وأمّا رواية مثل شيخ القمّيين عنه ، فالجواب أ نّ روايته منحصرة بما كان خالياً من غلوّ وتخليط ، وكان هذا دأب القدماء في روايات الضعفاء ، حيث يعملون بسليمها ويعرضون عن سقيمها ; لوجود القرائن الكثيرة عندهم .
وأمّا اعتماد الكليني عليه ، فيردّه:
أوّلاً: أ نّ التعبير بـ «بعض أصحابنا» ليس إلاّ في قبال كونه عامّياً ، ولا دلالة فيه على المدح واعتبار الرواية بوجه .
وثانياً: أ نّ الاعتماد إنّما هو بالإضافة إلى ما كان خالياً من الغلوّ والتخليط .
وثالثاً: أ نّه لا يقاوم تلك التصريحات الكثيرة الدالّة على قدح الرجل وضعف روايته وفساد مذهبه .
وأمّا ما ذكره الحلّي في «المستطرفات» ، فيردّه ، مضافاً إلى عدم دلالة عبارته على كون من يروي عنه فيها من الثقات والممدوحين:
أوّلاً: أ نّ هذا الرجل اسمه أحمد لا أبو عبدالله ، وبعض الناس وإن كانت كنيتهم اسمهم ، إلاّ أ نّ هذا الرجل ليس منهم .
وثانياً: أ نّه كان في زمن أبي محمّد (عليه السلام) كما عرفت التصريح به من الفهرست والنجاشي ، ولم يكن معاصراً لموسى والرضا (عليهما السلام) أصلاً .
وثالثاً: أنّه على تقدير المعاصرة ، توصيفه بأنّه من أصحابهما واضح الفساد ; لأنّ الرجل مذموم قطعاً ، فكيف يكون صاحباً لهما (عليهما السلام) ؟
وإذن فلا يبقى ارتياب في عدم جواز الاعتماد على رواية الرجل بوجه ، لو لم نقل بقيام القرينة التي عرفتها على كذبها .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا بطلان الاستدلال بالروايات ، الذي كان هو العمدة للقول بالتحريف ; لعدم تماميّة الدلالة وعدم الاعتبار والحجّية .
(الصفحة 337)
الشبهة الخامسة
للقائل بالتحريف ما سمّي ـ كما في كلام بعض(1) ـ بدليل الاعتبار ، والغرض منه أ نّ الاعتبار يساعد على التحريف; نظراً إلى أنّ ملاحظة بعض الآيات،وعدم ارتباط أجزائها ـ صدرها وذيلها ، أو شرطها وجزائها ـ تشعر بل تدلّ على وقوع التحريف وتحقّق النقص بين الأجزاء ; لوضوح أ نّه لا يمكن الالتزام بعدم الارتباط بين أجزاء آية واحدة ، فعدمه يكشف لا محالة عن نقص كلمة أو جملة مصحّحة للارتباط ومكمّلة للتناسب بين الأجزاء ، والتلائم بين الصدر والذيل أو الشرط والجزاء .
ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَـمَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَـثَ وَرُبَـعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَ حِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـنُكُمْ ذَ لِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) (2); فإنّ خوف عدم رعاية القسط في اليتامى لا يرتبط بنكاح النساء وتعدّد الأزواج بوجه ، فلابدّ من الالتزام بوقوع السقط بين هذا الشرط والجزاء .
ويؤيّده ما رواه في الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب الزنديق الذي سأله عن ذلك ، قال (عليه السلام) : وأ مّا ظهورك على تناكر قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ . . .) الآية . وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ، ولا كلّ النساء أيتام ، فهو ممّا قدّمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ، وبين القول في اليتامى ، وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن . . .(3) .
- (1) كفاية الاُصول: 284 ـ 285 ، حجّية ظاهر الكتاب .
(2) سورة النساء 4 : 3 .
(3) الاحتجاج 1 : 598 ، وعنه بحار الأنوار 92: 47 وج93: 107ـ 121 . وانظر فصل الخطاب للمحدّث النوري ، الورقة السادسة ما قبل نهاية كتابه هذا: 369 ، حيث يقول: ولنختم الكتاب بذكر كلام إلخ، ثمّ أورد هذه الشبهة.