(صفحه 181)
لا يقال: إنّه إذا كان مدلول كلمة «هذا» الإشارة مع كونها من المعانيالحرفيّة، فلا يصلح لأن يقع مُسنداً ولا مسنداً إليه، مع أنّ وقوعه مسنداً ليستقابلةً للإنكار، مثل جملة: «هذا زيدٌ» و«هذا قائمٌ».
لأنّا نقول: إنّ الموضوع والمسند والمبتدأ في هذه الموارد وهكذا في الإشارةالعمليّة هو المشار إليه لا الإشارة، أو أنّ المحمول قرينةٌ على أنّ الموضوع هوالمشار إليه؛ إذ الإشارة ليست بقائم، بل المشار إليه قائمٌ.
والحاصل: أنّ الإشارة ـ سواء كانت إلى القريب أو البعيد ـ لها معان حرفيّةوإن عبّروا عنها بأسماء الإشارة.
مدلول الضمائر
ولابدّ لنا من البحث في كلّ منها مستقلاًّ، ولا دليل لاشتراكها في المعنىفنلاحظها مستقلّة، أمّا ضمير الغائب ـ مثل كلمة «هو» و«هما» و«هم»و«هي» وأمثال ذلك ـ فالظاهر أنّه مشترك مع اسم الإشارة في المعنى، كما أنّأسماء الإشارة وضعت لحقيقة الإشارة، كذلك ضمير الغائب وضع لحقيقةالإشارة، إلاّ أنّه قيّد في مرجع ضمير الغائب بمعهوديّته ذكراً أو ذهناً، وهذهتوجب صلاحيّته للإشارة وينزّله منزلة الحاضر، وإلاّ لا يمكن الإشارة اللفظيّةإلى الغائب، كما أنّه لا يمكن إشارة عمليّة إليه، مع أنّ الإشارة اللفظيّة أكثر متكون معها إشارة عمليّة، سواء كانت إلى الغائب أو الحاضر، فيكون لضميرالغائب كأسماء الإشارة معنى حرفي.
وأمّا ضمير المخاطب فلا يخفى أنّه لا تحقّق لعنوان الإشارة فيه، وفي مدلولهاحتمالان:
الأوّل: أنّه وضع للمخاطبة التي كانت لها واقعيّة متقوّمة بالطرفين، فوضع
(صفحه182)
ضمير «أنت» و«إيّاك» وأمثال ذلك للمخاطبة، فهو مشترك مع ضمير الغائبفي المعنى الحرفي.
الثاني: أنّ الواضع في مقام الوضع لاحظ عنوان كلّي المخاطب ثمّ وضع لفظالمخاطب لهذا العنوان الكلّي، ولفظ «أنت» و«إيّاك» لمصاديق هذا المفهوم، ولذإن سمع كلمة «أنت» من وراء الجدار يتصوّر مخاطباً جزئيّاً، بخلاف كلمة«المخاطب»، وهذه عبارة عن الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، فلا تنحصرمصاديقه بباب الحروف، ولكنّ هذا الاحتمال مبنائي، وهو ممنوع عندنا ـ كممرّ ـ فيكون معنى الضمير المخاطب على هذا الاحتمال معنى اسمي.
وأمّا ضمير المتكلّم ففي مدلوله أيضاً احتمالان:
أحدهما: أنّ لفظ «أنا» وكذا لفظ «نحن» وضع للإشارة بشرط أن يكونالمشار إليه فيه نفس المتكلّم أو الأنفس، ويؤيّده اقترانها غالباً مع الإشارةالعمليّة إلى النفس أو الأنفس، فيكون له معنى حرفي.
وثانيهما: أنّ الواضع حين الوضع لاحظ مفهوم كلّي المتكلّم، ثمّ وضع كلمة«المتكلّم» لهذا المفهوم الكلّي، وكلمة «أنا» لمصاديقه بنحو الوضع العامّوالموضوع له الخاصّ. ويؤيّده سماعهما من وراء الجدار، فإنّ من السماع الأوّلينتقل الذهن إلى المعنى الكلّي، ومن السماع الثاني إلى المعنى الجزئي والخاصّ،فيكون له معنى اسمي.
نكتة: أنّ المعاني الحرفيّة مع أنّها في تحقّقها تحتاج إلى الطرفين، ولكن فيمقام الإفادة وبيان المقاصد يتعلّق الغرض بها؛ لأنّ غرض المتكلّم في جميعالجمل بيان هوهويّة متحقّقة بين الموضوع والمحمول، فيكون لها في هذا المقامكمال الاستقلال.
(صفحه 183)
(صفحه184)
في استعمال اللفظ في المعنى المجازي
الأمر الثالث
استعمال اللفظ في المعنى المجازي
اختلفوا في أنّ ملاك صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازي وما يناسبالموضوع له هل هو بالطبع أو بالوضع، أعني ترخيص الواضع في الاستعماللوجود عُلقة من العلائق؟ وجهان بل قولان، أظهرهما أنّه بالطبع، بشهادةالوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه، وباستهجان الاستعمالفيما لا يناسبه، ولو مع ترخيصه، ولا معنى لصحّته إلاّ حُسنه، هذا ما قال بهصاحب الكفاية قدسسره (1).
لا يخفى أنّ أصل كلامه مؤيّد بوضع أعلام شخصيّة؛ إذ الواضع ـ مثل الأبوغيره ـ يضع لفظ «حاتم» مثلاً لابنه، مع أنّه لا يعلم باتّصافه بصفة الجود فيالمستقبل، وبعد اتّصافه بهذه الصفة يطلق هذا اللفظ على كلّ من اتّصف بصفةالجود بلا ترخيص من الواضع؛ إذ الطبع يقبله ويحسّنه، ولكنّ دليله قدسسره مجملٌ،فإنّا لا نعلم أنّ التفسير من صحّة الاستعمال بحسن الاستعمال ينحصر فيالاستعمالات المجازيّة أو يشمل الاستعمالات الحقيقيّة أيضاً، ولابدّ من أعمّيّتهفي كلّ الاستعمالات؛ إذ لا يعقل للصحّة معنيان، وحينئذٍ هل يكون الحسن في
(صفحه 185)
مقابل القبح أو في مقابل عدم الحسن؟ فإن كان المراد هو الأوّل لكان استعمالالغلط قبيحاً، وهو كماترى فإنّا لا نرى القبح في استعمال الغلط، غاية الأمر هوباطلٌ، والباطل ليس بقبيح.
وإن كان المراد هو الثاني فإنّا لا نرى حُسناً في الاستعمالات الحقيقيّة، بللعلّ استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي لا حُسن فيه، ولذا يكون مقصوده منالاستدلال غير معلوم.
وذهب المشهور إلى أنّ المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وملاكالصحّة عبارة عن إذن الواضع وترخيصه، سواء كان ممّا يقبله الطبع أم لا.
وخالفهم السكّاكي في قسم واحد من المجازات، وهو الاستعارة، وقال: إنّذلك حقيقة لغويّة، بمعنى أنّ استعمال لفظ «أسد» ـ مثلاً ـ في «الرجل الشجاع»بعلاقة المشابهة استعمال حقيقي لا مجازي، ولكنّ العقل والذهن تصرّف وجعلادّعاءً ما ليس بفرد فرداً، فكأنّه كان للأسد فردان: أحدهما: فرد حقيقي ـ وهوالحيوان المفترس ـ والآخر: فرد ادّعائي، وهو للرجل الشُجاع.
واستدلّ عليه بأنّه لولا هذا التصرّف لما صحّ التعجّب في قوله:
قامت تظلُّلِني ومن عجب
|
شمسٌ تظلُّلِني من شمس
|
إذ الشاعر ادّعى معشوقته فرداً من الشمس فتعجّب، وإلاّ لا يكون فيتظلّل الجسم تعجّبٌ، وهذا لا يوافق قول المشهور، وهو واضح(1).
ولابدّ من توجيه كلامه بوجهين:
الأوّل: أنّ كلمة «أسد» اسم جنس مثل كلمة «إنسان» وضع لمفهوم كلّيينطبق على جميع المصاديق، وإن استعمل لفظ «أسد» في مصداق خاصّ فهذ
- (1) مفاتيح العلوم: 156 ـ 158.