(صفحه188)
بالألفاظ وإعارة لفظ الملك عارية عن معناه لوجود يوسف، وجعلهما متّحدانفي الاسم، بل أنّ «الملك» استعمل في معناه الحقيقي، وادّعي أنّ يوسف منمصاديقه، مع أنّ جملة «حاش للّه» لا يناسب لفظ «الملك»، بل يناسب معناه.
وكما في قوله:«وَ سْـءَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا»(1)، فإنّه لا حسن للمجاز إنكان المراد من القرية أهلها؛ إذ لا دليل لحذفه ههنا، بل القرية استعملت فيمعناها الحقيقي، كأنّهم قالوا: تشهد على عدم سرقتنا الجمادات، مثل قولالفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
|
والبيت يعرفه والحلّ والحرم(2)
|
فإنّ جعل هذا الشعر وأمثاله من المجاز بالحذف ـ مع أنّه لا يناسبالبلاغة ـ مخالف لدليل وجود المجازات في الكلام، وهكذا إطلاق العين علىالربيئة ليس إلاّ بادّعاء كونها عيناً باصرة بتمام وجوده لكمال مراقبته وإعمالما هو أثر خاصّ لها، وهذا المعنى يوجب الحسن في الكلام واللطائف فيالأقوال، وأصل وجُود العلائق ليس إلاّ مجوّزاً ومُصحّحاً للاستعمال.
ولا يخفى أنّ المجاز قد يكون في الكلمة مثل: استعمال لفظ «أسد» في الرجلالشجاع، وقد يكون في الإسناد مثل: «أنبت الربيع البقل»، فإنّ إسناد الإنباتـ مع أنّه من أفعاله ـ تعالى إلى الربيع مجازيّ، وقد يكون في المركّب، وهو إرادةالمعنى المجازي من الجملة، مثل قولك للمتحيّر: «أراك تقدّم رجلاً وتؤخّراُخرى»؛ لأنّ ألفاظها استعملت في معانيها الحقيقيّة، وليس للمركّب وضع علىحدة، ويدّعى أنّ هذا الشخص المتردّد والمتحيّر حاله وأمره يتجلّى في هذ
- (2) الإرشاد للمفيد 2: 151.
(صفحه 189)
المثل كأنّه هو، فتكون الإرادة الاستعماليّة ههنا أيضاً متعلّقة بالمعنى الحقيقي،وأمّا الإرادة فتتعلّق بالمعنى المجازي، وليس على مبنى المشهور توجيه للمجازالمركّب.
هذا، والفرق بين قول السكّاكي وهذا القول: أوّلاً: أنّ كلامه منحصرٌ ببابالاستعارة فقط، بخلاف هذا القول فإنّه لا يختصّ بباب دون باب، بل يشملجميع المجازات.
وثانياً: أنّ الإشكالين المذكورين في كلام السكّاكي في أسماء الأجناسوالأعلام الشخصيّة، ثمّ توجيه كلامه بالوجهين المذكورين غير وارد على هذالقول، ولا يحتاج إلى التوجيه والتأويل أصلاً.
وثالثاً: أنّ ادّعاء العينيّة أو الفرديّة في باب الاستعارة على مذهب السكّاكييقع قبل الاستعمال، ثمّ يستعمل اللفظ في المصداق الادّعائي، وعلى ما قال بهالعلاّمة الأصفهاني قدسسره يقع بعد استعمال اللّفظ حين تطبيق طبيعة الموضوع لهعلى المصداق.
ولا يخفى أنّ هذا المعنى مؤيّدٌ بلفظ المجاز؛ إذ الحقيقة عبارة عن الأمرالثابت، والمجاز ما اُخذ فيه عنوان المرور، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «الدنيا دارالمجاز، والآخرة دار القرار»(1)، فإنّا نمرّ على هذا المعنى من ممرّ المعنى الحقيقي إلىالمعنى المجازي. هذا أوّلاً.
وثانياً: أنّ الدلالة اللفظيّة الوضعيّة على ثلاثة أقسام: المطابقيّة والتضمنيّةوالالتزاميّة، والمعنى المجازي لا يدخل في أحدها؛ إذ المعنى المجازي معنى غيرما وضع له اللّفظ وغير مدلول له.
- (1) نهج البلاغة: الخطبة 203.
(صفحه190)
لا يقال: إنّ المجاز إن كان بعلاقة الجزء والكلّ يكون داخلاً تحت الدلالةالتضمنيّة.
لأنّا نقول: إنّ معناه عبارة عن دلالة اللفظ على الكلّ، ولمّا كان الكلّ مركّبمن الأجزاء يدلّ على الجزء بتبع الكلّ، وهكذا في الدلالة الالتزاميّة فإنّمدلول اللفظ الملزوم وبتبع مدلوليّته يدلّ على اللازم، لا أن يستعمل اللفظالموضوع للكلّ في الجزء، فلابدّ من القول باستعمال اللفظ في معناه الحقيقيحتّى يكون داخلاً تحت الدلالة المطابقيّة.
ويمكن أن يقال: إنّ المجاز محفوفٌ بالقرينة، مثل: «رأيت أسداً يرمي»ومعلوم أنّ للقرينة معنى مطابقيّاً، وتدلّ عليه بالدلالة المطابقيّة.
قلنا: إنّ هذا متّفقٌ عليه، ولكن على المبنى المشهور لفظ «الأسد» استعملفي الرجل الشجاع، وهو ليس بمدلول مطابقي له، مع أنّ القرينة قد تكونحاليّة، فلا يكون الاستعمال المجازي في غير ما وضع له.
قال المحقّق الخراساني قدسسره (1): لا شبهة في إطلاق اللفظ وإرادة نوعه به، ولهمثالان: الأوّل: ما يشمل نفسه أيضاً مثل: «زيد لفظ»، والثاني: مالا يشملنفسه، مثل: «ضرب فعل ماضٍ».
وكذا إطلاق اللفظ وإرادة صنفه، وله أيضاً مثالين: أحدهما: ما يشمل نفسهأيضاً، مثل: قولك: «زيدٌ إذا وقع في ابتداء الكلام مبتدأ»، وثانيهما: ما لا يشملنفسه مثل: «زيدٌ في ضرب زيدٌ فاعلٌ» إذا لم يقصد به شخص القول.
وكذا إطلاق اللفظ وإرادة مثله كـ «زيد» في المثال المذكور، أو إذا سمعتكلمة «زيدٍ» وأنت تقول: «زيدٌ علمٌ شخصيٌّ».
- (1) كفاية الاُصول 1: 19 ـ 20.
(صفحه 191)
(صفحه192)
إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو شخصه
الأمر الرابع
إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو شخصه
وههنا يتصوّر قسم رابع، وهو: إطلاق اللفظ وإرادة شخصه، ومثّله قدسسره بـ «زيد لفظٌ»، ولكنّ الأولى منه ما يقول به القائل بعد تكلّمه بكلام: «هذلفظي»، أو «هذا كلامي».
ولابدّ لنا من البحث في مقامين:
الأوّل: في صحّة هذه الإطلاقات وعدمها. وناقش صاحب الفصول قدسسره (1) فيالقسم الأخير منها.
واستدلّ صاحب الكفاية قدسسره لصحّة الأقسام الثلاثة الاُول بدليلين: الأوّل: ماختاره(2) في باب المجاز من أنّ صحّة الاستعمال عبارة عن حسنه، وفي هذهالموارد أيضاً لا يرى قُبحاً، بل الحسن موجودٌ، فيكون الإطلاق صحيحبالطبع لا بالوضع.
والثاني: أنّا نرى مثل هذه الإطلاقات في المهملات التي لا وضع لها أصلاً،مثل: «دَيزُ لفظٌ»، فلا يشترط في صحّة الإطلاق ترخيص الواضع.
- (2) كفاية الاُصول 1: 19 ـ 20.