(صفحه 213)
دليل على حجّيّته أصلاً؛ إذ لم يثبت لنا من العقلاء التمسّك به.
وأيضاً يمكن التمسّك لإثبات هذا المعنى بأصالة عدم القرينة.
ولكنّه أيضاً مردودٌ، فإنّه إن كان دليل هذا التمسّك بناء العرف على عدمالاعتناء باحتمال القرينة فيردّه أنّ بناء العرف إنّما يختصّ بما إذا شكّ في مرادالمتكلّم، ولم يعلم أنّه المعنى الحقيقي أو المجازي؛ لاحتمال أن يكون في الكلامقرينة قد خفيت علينا. وأمّا إذا علم المراد وشكّ في أنّ المعنى المتبادر مستندإلى حاقّ اللفظ أو إلى القرينة فلا بناءَ من أبناء المحاورة على عدم الاعتناءباحتمال القرينة، أو يحتمل عدم بنائهم ههنا، ففي صورة عدم إحراز بناء العقلاءلا معنى لجريان هذا الأصل.
وأمّا لو كان دليل هذا التمسّك أخبار الاستصحاب وكان الأصل شرعيّفنقول: إنّ اللفظ ما لم يكن موجوداً لم يكن محفوفاً بالقرينة، وبعد وجودهنشكُّ في محفوفيّته بالقرينة، فيستصحب عدم المحفوفيّة المتيقّنة.
ويردّه: أنّ هذا الاستصحاب كاستصحاب عدم قرشيّة المرأة، وعدم التزكيةلا يجري، فإنّ القضيّة المتيقّنة والمشكوكة غير متّحدتين عرفاً؛ لأنّ القضيّةالمتيقّنة سالبة بانتفاء الموضوع، والمشكوكة سالبة بانتفاء المحمول، مع أنّ منشرائط جريان الاستصحاب اتّحاد القضيّتين.
ويمكن أن يقال: إنّا نجري استصحاب عدم القرينة بأنّ القرينة لم تكنسابقاً، ونشكّ في أنّها حدثت مقارنة للكلام أم لا، فيستصحب عدم القرينةالسابقة.
ويردّه بأنّ من شرائط الاستصحاب كون المستصحب حكماً شرعيّاً أوموضوعاً ذا أثر شرعي، واستصحاب عدم القرينة يثبت به استناد التبادر إلى
(صفحه214)
نفس اللفظ، ويستفاد منه أنّ التراب الخالص المتبادر من لفظ «الصعيد» يكونمعنىً حقيقيّاً له، وينتج أنّ الحكم الشرعي ـ أي التيممّ ـ يتعلّق به، فيكونأصلاً مثبتاً، وهو ليس بحجّةٍ، إلاّ أن تكون الواسطة خفيّة، بحيث لا يراهالعرف واسطة، فلا يكون طريقاً في موارد الشكّ بأنّ التبادر مستند إلى الوضعأم لا.
الجهة السابعة ـ في أنّ عدم التبادر علامة للمجاز أم لا: والظاهر من عدمتعرّض صاحب الكفاية لهذه الجهة أنّه ليس علامة له عنده، ولكنّ الظاهر منالمشهور أنّه كما أنّ التبادر يكون علامة للحقيقة كذلك عدمه يكون علامةللمجاز.
واُورد عليه بأنّه منقوض بالألفاظ المشتركة؛ لأنّه إذا قال المتكلّم: «رأيتعيناً» ولم ينصب قرينة معيّنة لا يتبادر منه شيء، مع أنّ هذا الاستعمال كانحقيقيّاً.
وقال صاحب الفصول وصاحب القوانين وبعض آخر ـ للتفصّي عن هذالإشكال ـ : إنّ تبادر الغير علامة للمجاز، بأن يكون المحتمل عندنا أنّ المعنىالحقيقي لكلمة «صعيد» مطلق وجه الأرض، ولكن تبادر منه التراب الخالص،وهذه قرينة على كون المعنى المحتمل معنى مجازيّاً له.
واُورد عليهم بأنّ هذا المعنى منقوض بقول القائل: «رأيت عيناً» إذاستعملها في المعنى المجازي سوى المعاني الحقيقيّة، فإنّه لم يكن ههنا تبادر الغيرأصلاً.
واُجيب بأنّ التبادر إذا كان علامة للحقيقة فليس معناه كلّما تحقّقت الحقيقةيتحقّق التبادر أيضاً، بل معناه كلّما يتحقّق التبادر تحقّقت الحقيقة، وكذلك في
(صفحه 215)
ما نحن فيه أنّه كلّما كان تبادر الغير متحقّقاً تتحقّق المجازيّة، لا أنّ كلّما كانتالمجازيّة متحقّقة فيتحقّق تبادر الغير، فيندفع هذا الإشكال، فكما أنّ التبادرعلامة للحقيقة كذلك تبادر الغير علامة لكون هذا اللفظ مجازاً في هذا المعنى.
ومنها ـ عدم صحّة سلب اللّفظ عن المعنى:
وهو المعبّر عنه بصحّة الحمل أيضاً، قيل: بكونه علامة للحقيقة، كما أنّصحّة سلبه عنه بقول مطلق المعبّر عنه بعدم صحّة الحمل يكون من علائمالمجاز.
وقال المحقّق الخراساني(1): إنّ عدم صحّة السلب عنه وصحّة الحمل عليهبالحمل الأوّلي الذاتي الذي كان ملاكه الاتّحاد مفهوماً علامة لكونه نفسالمعنى، وبالحمل الشائع الصناعي الذي ملاكه الاتّحاد وجوداً بنحو من أنحاءالاتّحاد علامة لكونه من مصاديقه وأفراده الحقيقيّة، كما أنّ صحّة سلبه علامةأنّه ليس منها... الخ.
نكتة:
تقسيم القضايا الحمليّة إلى الحمل الأوّلي الذاتي والشائع الصناعي منحصرٌفي القضايا الموجبة، أو يجري في القضايا السالبة أيضاً؟ بأن تكون القضيّةالسالبة على نوعين: أحدهما: ينفي الاتّحاد في الماهيّة، مثل: الإنسان ليس ببقر،وثانيهما: ينفي الاتّحاد في الوجود، مثل: زيدٌ ليس ببقر؛ إذ «زيدُ» ليس منمصاديق تلك الماهيّة.
ولكنّ التحقيق: أنّ في ناحية الإيجاب خصوصيّة تقتضي التنوّع فيها، وهيخصوُصيّة التحقّق والإثبات التي تقتضي السؤال عن كيفيّتها، فإنّه إذا قلنا:
(صفحه216)
«الإنسان في المدرسة» يمكن السؤال بأنّه عالم أم لا، وكذلك إذا قلنا: بالاتّحادبين الموضوع والمحمول يمكن السؤال عن نحو الاتّحاد الوجودي والماهوي،بخلاف ناحية السلب فإنّه إذا قلنا: «الإنسان ليس في المدرسة» لا معنىللسؤال بأنّه عالم أو غير عالم، وكذلك إذا قلنا: بسلب الهوهويّة بينهما لا محلّللسؤال عن نوع الاتّحاد الغير المحقّقة، ولذا لم يكن التنوّع فيها، فإنّ ملاكالسلب عدم الاتّحاد، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بعد عدمه مفهوماً ووجوداً، فللحملقسمان وللسلب قسم واحد.
ولكنّ الظاهر من كلام صاحب الكفاية أنّه كما أنّ صحّة حمل اللفظ علىالمعنى بالحمل الأوّلي علامة على كونه عين الموضوع له، وبالحمل الشائععلامة على كونه من أفراده، وكذلك في طرف السلب فصحّة سلب اللفظ عنهبالسلب الأوّلي علامة على عدم كونه عين الموضوع له، وبالسلب الشائععلامة على عدم كونه من أفراد الموضوع له، ولذا يصدق «زيدٌ إنسانٌ»بالحمل الشائع، وليس بإنسان بالسلب الأوّلي.
وقال عدّة من المنطقيّين للتفصّي من هذا التناقض: إنّ الوحدات الثمانية لتكفي لحصول التناقض ما لم يضف إليها وحدة الحمل، فيشترط في تحقّقالتناقض وراء الوحدات الثمانية وحدة الحمل والسلب بمعنى كونهما معاً أوّليّينأو صناعيّين.
وأمّا جوابه ـ كما قال به اُستاذنا المرحوم السيّد البروجردي ـ فإنّ تقسيمالحمل إلى قسمين صحيح، ولكنّ السلب على قسمين، فإنّ الملاك لصحّةالحمل هو الاتّحاد، فإن كان الاتّحاد بحسب المفهوم كان الحمل أوّليّاً ذاتيّاً، وإنكان بحسب الوجود الخارجي كان شائعاً صناعيّاً. وأمّا السلب فملاكه عدم
(صفحه 217)
الاتّحاد، وعدم الطبيعة بعدم جميع أفرادها، فما دام يوجد نحو من الاتّحاد بينالموضوع والمحمول لا يصحّ سلبه عنه، وصدق السلب في المثال بعد تحقّق نحوالاتّحاد بين الموضوع والمحمول ممنوع جدّاً. فتكون قضيّة «زيد ليس بإنسان»كاذبة محضة، ولو لم يكن في مقابل قضيّة «زيد إنسان» فللحمل قسمانوللسلب قسم واحد.
وقد اُورد على التبادر باستلزامه الدور المحال.
وجوابه هو الجواب هناك، من التغاير بين الموقوف والموقوف عليهبالإجمال والتفصيل، أو الإضافة إلى المستعلم والعالم.
ولا يخفى أنّ ههنا إشكالاً غير قابل للذبّ، سواء كان الحمل أوّليّاً ذاتيّاً أوشائعاً صناعيّاً، أمّا إذا كان الحمل أوّليّاً ـ بأنّ صحّة حمل اللفظ على المعنى كانعلامة على أنّ المعنى هو المعنى الحقيقي ـ فنقول: إنّ المحمول في هذه القضيّة هواللفظ أو المعنى أو كلاهما، وجميعها يُوجب الإشكال، ولو شكّ ـ مثلاً ـ أنّالمعنى الحقيقي لكلمة «الصعيد» هو مطلق وجه الأرض أم لا، فيقال في مقامتشكيل القضيّة الحمليّة بالحمل الأوّلي الذاتي: مطلق وجه الأرض صعيدٌ، فإنكان المحمول فيها لفظ «صعيد» فهو باطلٌ، فإنّ اللفظ والمعنى تكون بينهممغايرة مقوليّة، ولا يتحقّق بينهما نحو من الاتّحاد، فكيف تتحقّق القضيّةالحمليّة؟! وهكذا في سائر القضايا، فإذا كان معنى مطلق وجه الأرضموضوعاً فلا معنى لحمل لفظ «الصعيد» عليه.
ومن هنا يستفاد بطلان كون اللفظ والمعنى معاً محمولاً؛ إذ لو لم يكن جزءالمحمول قابلاً للاتّحاد مع الموضوع فالمجموع أيضاً لم يكن قابلاً له، فيتعيّن كونالمعنى محمولاً على الموضوع، وحينئذٍ لابدّ من كون المحمول معلوماً عند