(صفحه216)
«الإنسان في المدرسة» يمكن السؤال بأنّه عالم أم لا، وكذلك إذا قلنا: بالاتّحادبين الموضوع والمحمول يمكن السؤال عن نحو الاتّحاد الوجودي والماهوي،بخلاف ناحية السلب فإنّه إذا قلنا: «الإنسان ليس في المدرسة» لا معنىللسؤال بأنّه عالم أو غير عالم، وكذلك إذا قلنا: بسلب الهوهويّة بينهما لا محلّللسؤال عن نوع الاتّحاد الغير المحقّقة، ولذا لم يكن التنوّع فيها، فإنّ ملاكالسلب عدم الاتّحاد، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بعد عدمه مفهوماً ووجوداً، فللحملقسمان وللسلب قسم واحد.
ولكنّ الظاهر من كلام صاحب الكفاية أنّه كما أنّ صحّة حمل اللفظ علىالمعنى بالحمل الأوّلي علامة على كونه عين الموضوع له، وبالحمل الشائععلامة على كونه من أفراده، وكذلك في طرف السلب فصحّة سلب اللفظ عنهبالسلب الأوّلي علامة على عدم كونه عين الموضوع له، وبالسلب الشائععلامة على عدم كونه من أفراد الموضوع له، ولذا يصدق «زيدٌ إنسانٌ»بالحمل الشائع، وليس بإنسان بالسلب الأوّلي.
وقال عدّة من المنطقيّين للتفصّي من هذا التناقض: إنّ الوحدات الثمانية لتكفي لحصول التناقض ما لم يضف إليها وحدة الحمل، فيشترط في تحقّقالتناقض وراء الوحدات الثمانية وحدة الحمل والسلب بمعنى كونهما معاً أوّليّينأو صناعيّين.
وأمّا جوابه ـ كما قال به اُستاذنا المرحوم السيّد البروجردي ـ فإنّ تقسيمالحمل إلى قسمين صحيح، ولكنّ السلب على قسمين، فإنّ الملاك لصحّةالحمل هو الاتّحاد، فإن كان الاتّحاد بحسب المفهوم كان الحمل أوّليّاً ذاتيّاً، وإنكان بحسب الوجود الخارجي كان شائعاً صناعيّاً. وأمّا السلب فملاكه عدم
(صفحه 217)
الاتّحاد، وعدم الطبيعة بعدم جميع أفرادها، فما دام يوجد نحو من الاتّحاد بينالموضوع والمحمول لا يصحّ سلبه عنه، وصدق السلب في المثال بعد تحقّق نحوالاتّحاد بين الموضوع والمحمول ممنوع جدّاً. فتكون قضيّة «زيد ليس بإنسان»كاذبة محضة، ولو لم يكن في مقابل قضيّة «زيد إنسان» فللحمل قسمانوللسلب قسم واحد.
وقد اُورد على التبادر باستلزامه الدور المحال.
وجوابه هو الجواب هناك، من التغاير بين الموقوف والموقوف عليهبالإجمال والتفصيل، أو الإضافة إلى المستعلم والعالم.
ولا يخفى أنّ ههنا إشكالاً غير قابل للذبّ، سواء كان الحمل أوّليّاً ذاتيّاً أوشائعاً صناعيّاً، أمّا إذا كان الحمل أوّليّاً ـ بأنّ صحّة حمل اللفظ على المعنى كانعلامة على أنّ المعنى هو المعنى الحقيقي ـ فنقول: إنّ المحمول في هذه القضيّة هواللفظ أو المعنى أو كلاهما، وجميعها يُوجب الإشكال، ولو شكّ ـ مثلاً ـ أنّالمعنى الحقيقي لكلمة «الصعيد» هو مطلق وجه الأرض أم لا، فيقال في مقامتشكيل القضيّة الحمليّة بالحمل الأوّلي الذاتي: مطلق وجه الأرض صعيدٌ، فإنكان المحمول فيها لفظ «صعيد» فهو باطلٌ، فإنّ اللفظ والمعنى تكون بينهممغايرة مقوليّة، ولا يتحقّق بينهما نحو من الاتّحاد، فكيف تتحقّق القضيّةالحمليّة؟! وهكذا في سائر القضايا، فإذا كان معنى مطلق وجه الأرضموضوعاً فلا معنى لحمل لفظ «الصعيد» عليه.
ومن هنا يستفاد بطلان كون اللفظ والمعنى معاً محمولاً؛ إذ لو لم يكن جزءالمحمول قابلاً للاتّحاد مع الموضوع فالمجموع أيضاً لم يكن قابلاً له، فيتعيّن كونالمعنى محمولاً على الموضوع، وحينئذٍ لابدّ من كون المحمول معلوماً عند
(صفحه218)
المتكلّم، ولا معنى لجهله به، فإنّه يدّعى الاتّحاد بين الموضوع والمحمول، فإذكان المعنى معلوماً بالتفصيل عنده فلا احتياج إلى تشكيل قضيّة حمليّة حتّىتكون صحّة الحمل علامة للحقيقة.
وأمّا إذا كان المعنى معلوماً بالإجمال فحينئذٍ قد يكون المعنى مغفولاً عنه،وقد يكون مورداً للالتفات، فالأوّل يرجع إلى الجهل، والثاني إلى العلمالتفصيلي؛ إذ معناه هو الالتفات والتوجّه كما مرّ، فلا فائدة في تشكيل القضيّةأصلاً.
وكذلك في الحمل الشائع فإنّه بعد العلم بأنّ التراب الخالص هو المعنىالحقيقي لكلمة «الصعيد» أو داخل في معناه، فلو شكّ في مصداقيّة الحجر لهفيقال في مقام تشكيل القضيّة: الحجر صعيدٌ، فالإشكال عيناً جارٍ ههنا، بأنّاللفظ أو اللفظ والمعنى ليس محمولاً بلا كلام، فيتعيّن كون المعنى المعلوممحمولاً، وإذا كان الأمر كذلك فيُسأل: أنّ المعنى المعلوم عند المتكلّم هل يشملالحجر أم لا؟ فلو قلت بشموله له فلا فائدة لتشكيل القضيّة، ولو قلت بعدمشموله أو بعدم العلم بشموله فلا يصحّ هذا الحمل، وصحّة القضيّة الحمليّةبالحمل الشائع متوقّفة على علم المتكلّم بأنّ للصعيد معنى عامّاً شاملاً للحجر،وحينئذٍ فلا احتياج إلى تشكيل القضيّة الحمليّة بالحمل الشائع حتّى تكونعلامة للحقيقة.
والظاهر أنّ المحقّق الخراساني قدسسره (1) التفت إلى هذا الإشكال، ولذا عبّرللتفصّي عنه بأنّ عدم صحّة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن إجمالعن معنى تكون علامة كونه حقيقة فيه.
(صفحه 219)
ولكن بهذا التعبير أيضاً لا يندفع الإشكال؛ إذ لو كان مراده كون اللفظوالمعنى معاً محمولاً فقد مرّ آنفاً أنّه غير متصوّر، ولو كان مراده كون المعنىمحمولاً فمع أنّه مخدوش ـ كما ذكر ـ مخالف لصريح كلامه.
ويحتمل أن يكون مراده أنّ اللفظ بما هو مندكّ وفانٍ في المعنى وصورة له،فاللفظ بهذه الصورة يكون محمولاً على الموضوع، ولكنّه أيضاً لعب بالكلمات،ولا يوجب تعيين المحمول في القضيّة بدون إشكال؛ إذ لابدّ من كون اللفظ أوالمعنى أو كليهما محمولاً فيها، وكلّ ذلك مردودٌ كما لا يخفى، فالإشكال في محلّه.
والحاصل: أنّ ما ذكر في التبادر من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه ليجري ههنا، ولا يدفع الإشكال. وأمّا ما ذكر فيه من التغاير بالإضافة إلىالمستعلم والعالم فهو جار في ما نحن فيه أيضاً؛ لأنّ صحّة الحمل عند العالمعلامة الحقيقة للمستعلم، وكذلك في جانب عدمه.
واستشكل في علاميّة صحّة الحمل المحقّق العراقي قدسسره (1) بأنّ مجرّد صحّةالحمل لا يكون من علائم الحقيقة، فإنّنا نرى صحّة الحمل في موارد مع أنّه لشبهة في كونه مجازاً، حيث لا يصحّ استعمال اللفظ الموضوع لأحد المفهومين فيالمفهوم الآخر على الحقيقة كقولك: «الإنسان حيوان ناطق»، حيث إنّهما معكونهما متّحدين ذاتاً ووجوداً لا يصحّ استعمال أحدهما في الآخر؛ نظراً إلى مبين المفهومين من التغاير، وكونه في أحدهما بسيطاً وفي الآخر مركبّاً؛ لأنّالمدار في الحقيقة وصحّة الاستعمال إنّما هو على وحدة المفهوم منها كما فيالإنسان والبشر، وصحّة الحمل ـ ولو بالحمل الذاتي فضلاً عن الشائعالصناعي الذي مداره الاتّحاد في الوجود ـ لا يقتضي وحدة المفهوم الموجبة
- (1) نهاية الأفكار 1: 67 ـ 68.
(صفحه220)
لصحّة استعمال أحد اللفظين في الآخر بنحو الحقيقة.
وفيه: أوّلاً: أنّ أصل علاميّة صحّة الحمل مخدوش كما مرّ آنفاً.
وثانياً: مع قطع النظر عن الإشكال وقبول أصل العلاميّة لا دليل لنا علىاستثناء مورد من موارد الحمل؛ لأنّ الموضوع وإن كان مركّباً في بعضالموارد، ولكنّ ذلك التركّب يستفاد من المعنى البسيط بحسب التحليل العقلي،فينتج المعنى الحقيقي بأنّ كلّ ما يرجع جنسه إلى الحيوان وفصله إلى الناطقفهو المعنى الحقيقي للإنسان، مع أنّه لابدّ في مقام الحمل من تجريد الموضوععن قيد التركّب، وإلاّ لم يصحّ الحمل أصلاً.
ومنها ـ الاطّراد:
وقد ذكروا الاطّراد علامة للحقيقة، وعدمه علامة للمجاز، وعرّفوهبتعاريف مختلفة، منها: ما ذكره المحقّق الأصفهاني قدسسره (1) وحاصله: ليس الغرضتكرار استعمال لفظ في المعنى وعدمه، فإنّه إذا صحّ الاستعمال فيه مرّة واحدةيصحّ فيه مرّات عديدة، من دون فرق في ذلك بين الاستعمال الحقيقي والمجازي،بل مورد هاتين العلامتين ما إذا اُطلق لفظ باعتبار معنى كلّي على فرد، ولكنّهيشكّ أنّ ذلك الكلّي مطّرد أم لا، فإذا وجد صحّة الإطلاق مطّرداً باعتبار ذلكالكلّي كشف عن كونه من المعاني الحقيقيّة، وإن لم يكن مطّرداً كشف عن كونهمن المعاني المجازيّة.
مثلاً: إطلاق لفظ «رجل» على «زيد» باعتبار كونه واجداً لخصوصيّةالرجوليّة صحيح ومطّرد، وهكذا إطلاقه على كلّ من كان واجداً لها منالمصاديق، وهذا يكشف عن كونه معنى حقيقيّاً له. وأمّا إطلاق لفظ «الأسد»
- (1) نهاية الدراية 1: 84 .