(صفحه230)
وهو يكفي في عدم الحجّيّة وعدم بنائهم، كالشكّ في اعتبار الاُصول الشرعيّة.كما قال به اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ(1) تبعاً للمحقّق الخراساني قدسسره (2).
وقال العلاّمة الحائري قدسسره (3): «إذا كان النقل متيقّناً وتقدّمه على الاستعمالمشكوكاً تجري أصالة عدم النقل حين الاستعمال؛ لأنّ الحجّة لا ترفع اليدعنها إلاّ بحجّة مثلها، وأنّ الوضع السابق حجّة فلا يتجاوز عنه إلاّ بعد العلمبالوضع الثاني».
ولكنّ التحقيق: أنّ الحجّة هو الظهور لا الوضع بنفسه، ولم ينعقد لهذالاستعمال ظهور أصلاً؛ إذ الشكّ في تقدّم النقل وتأخّره عنه يمنع من انعقاده،فلا محلّ لجريان أصالة عدم النقل ههنا كما هو الظاهر. وكان في هذا الأصلبيان آخر لا فائدة في التعرّض له.
- (3) درر الفوائد 1: 46 ـ 47.
(صفحه 231)
(صفحه232)
في الحقيقة الشرعيّة
الأمر التاسع
الحقيقة الشرعيّة
ذكروا لثبوت الحقيقة الشرعيّة وعدمه في الكُتب القديمة أقوالاً مختلفة،ولكلّ قول دليل أو أدلّة متعدّدة، ولكنّ البحث فيه مبتنٍ على الأساسينالمهمّين بحيث لو انهدم أحدهما أو كلاهما فلا محلّ لهذا البحث ولا ثمرة فيه.
أحدهما: كون المعاني مدلولاً عليه للألفاظ في شريعة الإسلام فقط، بحيثكانت مستحدثة في شرعنا، ولم يرد في الشرائع السابقة عن هذه المعاني خبرولا أثر أصلاً.
وثانيهما: ثبوت أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وضع الألفاظ للمعاني، وبسبب الشارعنقل هذه الألفاظ من المعاني اللّغوية إلى المعاني المستحدثة شرعاً.
ولا يخفى أنّ ألفاظ المعاملات خارجة عن حريم النزاع، فإنّ حقائقهحقائق عرفيّة أمضاها الشارع، فالنزاع يجري في ألفاظ العبادات فقط، فلابدّلنا من البحث في جهات حتّى يتّضح ثبوت هذين الأساسين أم عدم ثبوتهما:
الاُولى: في ملاحظة تأريخ حياة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله من حيث تحقّق الوضعوالنقل وعدمه فيه، ولا شكّ في أنّ التأريخ الموجود بين أيدينا الحافظ لسيرةرسول اللّه صلىاللهعليهوآله وحياته وأفعاله حتّى أفعاله العاديّة فضلاً عمّا له ربط بالتشريع
(صفحه 233)
لم يحفظ ذكراً عن الوضع والنقل، مع أنّه لو كان هناك شيء لنقل إلينا؛ لكثرةالدواعي إلى نقله، والمهمّ منه عدم ذكر الأئمّة عليهمالسلام للوضع في كلماتهم، مع أنّهمذكروا خصوصيّات مهمّة من حياته صلىاللهعليهوآله ولكن لم يتعرّضوا له أصلاً. ولم تتحقّقمسألة باسم الوضع حتّى لو قلنا بأنّ الوضع كما يحصل بالتصريح بإنشائهكذلك يحصل باستعمال اللّفظ في غير ما وضع له بقرينة الوضع كما قال بهصاحب الكفاية، وإلاّ لابدّ من ذكره في التأريخ أو في لسان الأئمّة عليهمالسلام فإنّه ليسأقلّ أهمّية من كيفيّة وضوئه صلىاللهعليهوآله التي نقلت مراراً على ألسنتهم عليهمالسلام .
الجهة الثانية: في ملاحظة كتاب اللّه من حيث وجود تلك المعاني في الاُممالسابقة وعدمه فلا شكّ في أنّه يستفاد من مراجعة القرآن معهوديّة تلك المعانيفي الاُمم السابقة، كما ينبئ عنه غير واحد من الآيات، مثل: قوله سبحانه:«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ»(1)، وقوله تعالى فيمقام الحكاية عن قول عيسى عليهالسلام : «وَ أَوْصَـنِى بِالصَّلَوةِ وَ الزَّكَوةِ مَا دُمْتُحَيًّا»(2)، وقوله سبحانه لإبراهيم عليهالسلام : «وَ أَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَرِجَالاً»(3)، والمهمّ منها قوله تعالى: «وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءًوَتَصْدِيَةً»(4)، فثبوت هذه المعاني حتّى الزكاة في الشرائع السابقة لا إشكالولا كلام فيه، وإن لم نقل بثبوتها فيها بهذه الكيفيّة والأجزاء والشرائط الثابتةفي شرعنا، بل كانت فيها بعنوان عبادة مخصوصة سوى المعنى اللغوي،والاختلاف فيها بين شريعتنا وسائر الشرائع لا يكون أزيد من اختلافه
(صفحه234)
بحسب حالات المكلّفين، كاختلاف صلاة الحاضر والمسافر والغريقوالمريض.
فهذه الآيات كلّها شواهد بيّنة على أنّ ألفاظ العبادات كانت معلومةالمفهوم عند رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وأصحابه ومعاصريه من الكفّار، وكلّهم يفهمونمعانيها بلا معونة قرينةٍ.
إن قلت: إنّ ثبوت هذه المعاني في الشرائع السابقة لا يدلّ على وجود تلكالألفاظ فيها، بل كانت في بعضها بالسريانيّة كما في لغة عيسى عليهالسلام ، أو بالعبريّةكما في لغة موسى عليهالسلام وقد نقلت عنها بهذه الألفاظ الخاصّة في شريعتنا،لاقتضاء مقام الإفادة ذلك.
قلنا: إنّ المهمّ تحقّق هذه المعاني بعنوان عبادة مخصوصة في الشرائع السابقةولو كانت باللغة السريانيّة أو العبريّة، فإذا تحقّق أنّ الصوم أو الصلاة كان فيهبعنوان عبادة من العبادات يكفي في الاستدلال؛ على عدم كون هذه المعانيمستحدثة في شريعة الإسلام، مع أنّه مخالف لظاهر الآيات، ولا يكون جوابلمعهوديّة تلك الألفاظ عند رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ومعاصريه من الأصحابوالمشركين حين نزول الآيات.
ولا يتوهّم أنّ الألفاظ المذكورة موضوعة بإزاء تلك المعاني في ألسنةالأنبياء السالفة؛ لأنّه وإن كان ممكناً في نفسه إلاّ أنّه لا شاهد عليه، لا منالآيات، ولا من الروايات، مع أنّه لو كان كذلك فلا فائدة لنا في بحث الحقيقةالشرعيّة، فإنّ جميع الاستعمالات في لسان النبيّ صلىاللهعليهوآله تحمل على المعاني السابقة.
الجهة الثالثة: في أنّه لابدّ للوضع من موقعيّة تقتضي تحقّقه فيها، ولا معنىله بدونها، فإنّ الواضع بعد ملاحظة أنّه كان معنى الصوم ـ مثلاً ـ مورداً لابتلاء