(صفحه 225)
الاستعمال ـ غالباً يعلّمون الأطفال والصبيان اللّغات والألفاظ.
وبهذا تحصّل أنّ الاطّراد بهذا التفسير الذي ذكرناه علامة لإثبات الحقيقة،بل أنّه هو السبب الوحيد لمعرفة الحقيقة غالباً، فإنّ تصريح الواضع وإن كانيعلم به الحقيقة إلاّ أنّه نادر جدّاً، وأمّا التبادر فهو وإن كان يثبت به الوضعـ كما عرفت ـ إلاّ أنّه لابدّ من أن يستند إلى العلم بالوضع، إمّا من جهة تصريحالواضع أو من جهة الاطّراد، والأوّل نادر فيستند إلى الثاني لا محالة. انتهى.
وفيه: أوّلاً: أنّ الإحاطة بجميع موارد الاستعمالات لا يمكن أن تتحقّقبحسب العادة، فلابدّ من التأويل والتوجيه بأن مراده منها الشيوع وكثرةالاستعمال كما هو الظاهر من لفظ الاطّراد.
وثانياً: أنّه إذا رأى شخص من أهل سائر اللّغات أنّ العرب يستعملون لفظ«الماء» في معناه المعهود، فقد يعلم في الاستعمالات الثانية والثالثة أنّ هذا المعنىمستند إلى حاقّ اللفظ، وحينئذٍ لا يحتاج إلى الاطّراد، وهذا متمحّض فيالتبادر عند الغير. وقد لا يعلم أنّه مستند إلى حاقّ اللّفظ أم لا، وحينئذٍ قد ليوجب كثرة الاستعمال لرفع الشكّ وإن بلغ ما بلغ، وقد يوجب العلم باستنادهإلى حاقّ اللفظ وإن احتمل في الاستعمالات الأوّليّة إستناده إلى وجود القرينة،ولكنّ الاطّراد يوجب إحراز استناده إلى حاقّ اللفظ، فنقول:
إنّ العلامة ههنا عبارة عن التبادر لا الاطّراد، ولكن كان له الشرط الذي لميتحقّق قبل كثرة الاستعمال، وهو إحراز الاستعمال مستنداً إلى حاقّ اللفظ،فيكون سبب الكشف إحراز الاستعمال لا الاطّراد، فتشخيص المعنى الحقيقيمستند إلى إحراز الاستناد، وهو من أيّ طريق حصل ومن أيّ سبب يتحقّقيكفي في التبادر، كما مرّ سابقاً.
(صفحه226)
وحاصل هذا البيان يرجع إلى تحقّق شرط التبادر، فهو السبب الوحيدلمعرفة الحقيقة، فلا ربط للاطّراد بما هو هو في تشخيص المعنى الحقيقي، كما أنّهلا ربط للتكرار في تعليم الأطفال، فإنّهم يأخذون المعنى من الاستعمال الأوّل،والغرض من التكرار هو حفظ المعنى كما هو معلوم.
وقد تحصّل ممّا ذكرناه في بحث علائم الحقيقة والمجاز أنّ الاطّراد ليسبعلامة أصلاً، وأمّا صحّة الحمل فهو علامة للحقيقة إذا كان المستعلم غيرالعالم، وكذلك صحّة السلب علامة للمجاز، إذا كان كذلك فالأولى في العلاميّةالتبادر، وكان له طريقان كما مرّ مفصّلاً. هذا تمام الكلام في بحث علائم الحقيقةوالمجاز.
(صفحه 227)
(صفحه228)
في تعارض الأحوال
الأمر الثامن
تعارض الأحوال
إنّ للّفظ أحوالاً خمسة، وهي: التخصيص والتقييد والمجاز والاشتراكوالإضمار والنقل. والبحث فيه كما ذكروا يقع في مقامين: أحدهما: في دورانالأمر بين المعنى الحقيقي وبين إحداها، وثانيهما: في دوران الأمر بين نفسالأحوال الخمسة.
والمحقّق الخراساني قدسسره (1) اكتفى بجملة في المقام الأوّل وهي: أنّه «لا يكاديصار إلى أحدها فيما إذا دار الأمر بينه وبين المعنى الحقيقي إلاّ بقرينة صارفةعنه إليه».
وفي المقام الثاني اكتفى بقوله: «وأمّا إذا دار الأمر بينها فالاُصوليّون وإنذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوهاً إلاّ أنّها استحسانات لا اعتبار بها،إلاّ إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى؛ لعدم مساعدة دليل على اعتبارهبدون ذلك كما لا يخفى». انتهى.
ولكن الأولى ههنا البحث في أصالة عدم النقل تبعاً لاُستاذنا السيّد الإمامـ دام ظلّه ـ فلا شكّ إجمالاً في تحقّق أصالة عدم النقل عند العقلاء، ولكنّ
(صفحه 229)
البحث فيه يقع في مقامين: الأوّل: في ملاك هذا الأصل، والثاني: في مورد هذالأصل.
أمّا البحث في المقام الأوّل: فيحتمل أن يكون هذا الأصل استصحابعقلائيّاً، فإنّ الوضع للمعنى الأوّل متيقّن، والشكّ في حدوث النقل بالوضعالتعييني أو التعيّني، فتجري أصالة عدم النقل، ولكنّ الظاهر أنّ الاستصحاببما هو هو ليس بحجّة عندهم، واتّكائهم بحسب الظاهر عليه ليس بسببالاستصحاب، بل كان بسبب اطمئنان البقاء في أكثر الموارد كالرجوع إلىالدار للاطمئنان ببقائها، فلا يكون هذا الأصل استصحاباً عقلائيّاً.
ويمكن أن يقال: إنّ الملاك فيه عبارة عن تحقّق غرض الوضع ـ أي التفهيموالتفهّم بسهولة ـ إذ لو لم يكن هذا الأصل في موارد مشكوكة لم يتحقّق غرضالوضع.
وقال سيّدنا الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ(1): إنّ المدرك لهذا الأصل عندهم هو حكمالفطرة الثابتة لهم من عدم رفع اليد عن الحجّة ـ أي الوضع للمعنى الأوّل ـ بلحجّة، وعن الظهور الثابت بمجرّد الاحتمال، ولكنّ المهمّ أصل تحقّق هذا البناءلا ملاكه كما لا يخفى.
وأمّا البحث في المقام الثاني فإنّه كان لهذا الأصل مورد مسلّم ومواردمشكوكة، والأوّل فيما إذا كان أصل الوضع مسلّماً وتحقّق النقل مشكوكاً، فههنيجري هذا الأصل بلا إشكال. ومن الثاني العلم بتحقّق النقل والشكّ في تقدّمهعلى الاستعمال وتأخّره عنه.
والحقّ أنّا نعلم بعدم بنائهم على جريانه ههنا، ولا أقلّ من الشكّ في بنائهم،
- (1) مناهج الوصول إلى علم الاُصول 1: 132، تهذيب الاُصول 1: 61 ـ 62.