(صفحه 255)
واستشكل بأنّ الصلاة مركّبة اعتباريّة من الأجزاء والشرائط، بل منالمقولات المتباينة والمختلفة، فلازم هذا البيان عدم صحّة إطلاق كلمتيالصحيح والفاسد عليها، مع أنّه متداول بلحاظ واجديّتها للأجزاء والشرائط،وفاقديّتها لبعضها.
وأمّا جوابه فأنّ الصلاة مع كونها من المركّبات الاعتباريّة كانت لها بنظرالشارع الوحدة الاعتباريّة أيضاً، ويؤيّدها تسمية الشارع عدّة من الاُمورباسم قواطعها كالضحك والتكلّم وأمثالهما، ومعلوم أنّ مورد إطلاق كلمةالقطع عبارة عن الشيء الذي كانت له وحدة اتّصاليّة.
ولا يتوهّم أنّ هذا الإطلاق يكون بلحاظ كون الصلاة من الأقلّ والأكثرالارتباطي، كما إذا أمر الطبيبُ المريض بأكل المعجون المركّب من الأجزاءالعشرة ـ مثلاً ـ ويشترط بأنّه إذا فقد بعض الأجزاء لم يكن للباقي شيء منالأثر أصلاً، وكذلك في الصلاة؛ لأنّ المفروض في الصلاة تحقّق جميع الأجزاء،ومعه تحقّق أمر آخر باسم القاطع كالضحك مثلاً، وهذا مؤيّد لاعتبار الشارعلها وحدة اعتباريّة.
ويؤيّدها أيضاً فرض بعض الروايات الصلاة بمنزلة الإحرام الصغيرة التيشروعها بتكبيرة الإحرام وختمها بالتسليم، مثل إحرام الحجّ التي شروعهبالتلبية وختمها بالتقصير أو الحلق.
فيكون إطلاق الفاسد والصحيح عليها بلحاظ ترتّب الأثر المترقّب منهعليها وعدمه، فإنّ الصلاة الفاقدة لبعض الأجزاء لا تكون معراجاً للمؤمنوقرباناً لكلّ تقي، ولذا يطلق عليها كلمة الفاسد، لا بلحاظ تركّبها من الأجزاءوفقدان بعضها.
(صفحه256)
والحاصل: أنّ تفسير الصحّة بالتمام والفاسد بالناقص ليس بصحيح أصلاً.
الأمر الثاني: أنّ الظاهر أن يكون الوضع والموضوع له في ألفاظ العباداتعامّين كأسماء الأجناس إن قلنا بثبوت الحقيقة الشرعيّة، أو يكون سنخاستعمالها من هذا النسخ إن لم نقل بثبوتها.
ويدلّ عليه: أوّلاً: أنّ ما يتبادر إلى الذهن من سماع هذه الألفاظ هو المعنىالعامّ، مثل تبادر المعنى العامّ من لفظ الإنسان مثلاً.
وثانياً: أنّ استعمالها في لسان الأدلّة بمعنى العامّ، مثل: «الصلاة تنهى عنالفحشاء والمنكر»، و«الصلاة معراج المؤمن»، و«عمود الدين»، و«الصومجنّة من النار»، وأمثال ذلك. ولا شكّ في أنّ الموضوع له في هذه الألفاظ هوالمعنى العامّ، ودلالتها على المعاني الكلّيّة غير قابلة للإنكار، ولا يحتمل أنيكون استعمالها في هذه الموارد استعمالاً في غير ما وضع له، فإنّه بديهيالبطلان.
واعلم أنّ هذا الأمر أساس للأمر الآتي، فلابدّ من ذكره ابتداءً، وتفريعالبحث الآتي عليه، ولكنّ المحقّق الخراساني قدسسره لم يراع هذا الترتيب، وذكره بعدالبحث الآتي.
إذا عرفت هذا فنقول في مقام تصوير محلّ النزاع: إنّه إن قلنا بثبوت الحقيقةالشرعيّة في البحث السابق وبوضع ألفاظ العبادات للصحيح هنا، فكيفيتصوّر وضع لفظ الصلاة ـ مثلاً ـ للمعنى الصحيح بنحو الوضع العامّوالموضوع له العامّ؟!
توضيح ذلك: أنّ الشارع حين وضع لفظ «الصلاة» لاحظ معنى كلّيّاً ثمّوضعه لهذا المعنى الكلّي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: أنّ المعنى الكلّي
(صفحه 257)
الصحيح الذي توجّه لحاظ الشارع إليه حين الوضع ما هو؟ هل هو عبارة عن«الصلاة» الجامعة للأجزاء والشرائط والمركّبة من أربع ركعات؟ وقلنا: إنّالصحّة والفساد أمران إضافيّان، فهي في حالة صحيحة وفي حالة فاسدة،وهكذا «الصلاة» المركّبة من ركعتين صحيحة للصبح وفاسدة للظهر ـ مثلاً أو كانت صحيحة للظهرين للمسافر وفاسدة للحاضر.
ويمكن أن يقال: إنّ الشارع حين الوضع لاحظ مفهوم الصحيح فوضع هذاللفظ للأركان المخصوصة الصحيحة، فأخذ مفهوم العامّ الصحيح بعنوان الجزءأو القيد في المعنى.
ولكنّه مردود، بأنّه إن كان المراد من الصحيح هو الصحيح بالحمل الأوّليالذاتي الذي ملاكه الاتّحاد في المفهوم فلا دخل له في معنى «الصلاة»؛ إذ لينتقل الذهن من سماع كلمة الصحيح إلى «الصلاة» وبالعكس، مع أنّ لازمالقيديّة انسباقه إلى الذهن من سماع كلمة الصلاة، مثل: انسباق كلمة «الناطق»إلى الذهن من سماع لفظ الإنسان.
وإن كان المراد منه الصحيح بالحمل الشائع الصناعي الذي ملاكه الاتّحاد فيالوجود فهو مستلزم لكون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً في لفظ «الصلاة»،والمهمّ في الإشكال أنّه لا يمكن أخذ كلمة الصحيح في معنى «الصلاة» أصلاً،فإنّ الصحّة والفساد تكونان من عوارض الوجود الخارجي؛ إذ «الصلاة»الموجودة في الخارج قد تكون صحيحة وقد تكون فاسدة، ولا يمكن اتّصافالماهيّة بهما، فلا تكون الماهيّة الكلّيّة المتّصفة بصفة الصحّة موضوعاً له للفظ«الصلاة»، فإذا كانت الصحّة من عوارض الوجود لا يكون هذا المعنى قابلللتصوّر في مقام الثبوت، فضلاً عن إثباته، حتّى لو سلّمنا ما قال به المحقّق
(صفحه258)
الخراساني قدسسره في مقام تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة، من أنّه لا إشكالفي وجوده وإمكان الإشارة إليه بخواصّه وآثاره، مثل الناهية عن الفحشاء،والمعراجيّة للمؤمن، فإنّ النهي عن الفحشاء والمعراجيّة للمؤمن أيضاً تكونانمن عوارض وجود الصلاة؛ إذ الصلاة الموجودة في الخارج تكون ناهية عنالفحشاء، بخلاف الماهيّة فإنّها إذا كانت في مرحلة الوجود الذهني لم تكنناهية عن الفحشاء والمنكر.
ويمكن أن يقال: إنّ المراد من الصحّة ههنا هي الصحّة التعليقيّة لا الصحّةالفعليّة، ولا منافاة بينها وبين الفساد؛ إذ يمكن أن تكون الصلاة فاسدة بالفعللفقدان بعض الأجزاء وكانت لها الصحّة التعليقيّة باعتبار أنّه لو انضمّت إليهركعة اُخرى ـ مثلاً ـ كانت الصلاة صحيحة.
وفيه: أوّلاً: أنّ الصحّة التعليقيّة لا تناسب العنوان المذكور في محلّ النزاع،فإنّها ذكرت هنا في مقابل الفساد، ويستفاد منه أنّ المراد منها هي الصحّةالفعليّة.
وثانياً: أنّ القائل بالصحيح لا يقول به، ويشهد له كلام صاحب الكفاية بأنّالجامع بين الأفراد الصحيحة ما هو الناهي عن الفحشاء والمنكر، ومعلوم أنّالصحّة التعليقيّة لا تكون ناهية، بل الناهي هي الصلاة الصحيحة بالفعل، كملا يخفى.
وثالثاً: أنّ الصحّة التعليقيّة كالصحّة الفعليّة، والفساد يكون من عوارضالوجود الخارجي، فإنّ الصلاة بعد تحقّقها في الخارج تتّصف بأحدهما، لا قبله.
والحاصل: أنّه لو كان المراد من الصحّة هي الصحّة التعليقيّة لا يندفعالإشكال.
(صفحه 259)
ويمكن أن يقال: إنّ الصحّة وصف من الأوصاف فلابدّ من لحاظ موصوفهقبل الاتّصاف بها، فلابدّ للشارع في مقام وضع لفظ الصلاة للأركان المخصوصةالصحيحة من لحاظ الأركان المخصوصة ابتداءً، فهي تصير بسبب التصوّرموجودة، فلا مانع بعد الوجود من وقوعها معروضة للصحّة.
وفيه: أنّ الصلاة الموجودة في الذهن لا تتّصف بالصحّة ـ كما مرّ آنفاً ـ إنّمالمعروض للصحّة عبارة عن الموجود الخارجي فقط، ولكنّ المفروض فيما نحنفيه أنّ الواضع لاحظ ماهيّة كلّيّة ووضع لفظ الصلاة لها، إلاّ أنّه لا نعلم أنّالملحوظ حين الوضع ما هو؟ هل هو عبارة عن الأركان المخصوصة أوالأركان المخصوصة الصحيحة؟ والثاني منفي بعدم اتّصاف الصلاة بالصحّة فيمرتبة الماهيّة قبل تحقّقها في الخارج، والأوّل خلاف الفرض.
فلعلّ تفسير المحقّق الخراساني قدسسره الصحّة بالتماميّة والفساد بالنقصان كانناظراً إليه وتفصّياً عنه؛ إذ التماميّة والنقصان يعرضان للماهيّة أيضاً، ولذا يصحّالقول بأنّ الماهيّة التامّة للإنسان عبارة عن الحيوان الناطق، وأنّ الحيوانماهيّة ناقصة له، كالقول بأنّ الحيوان بعض ماهيّة الإنسان. فهذا المعنى مقرّبلتفسيره قدسسره الصحّة بالتماميّة والفساد بالنقصان، فلابدّ لنا من تبديل لفظيالصحيح والأعمّ في عنوان البحث بلفظي التامّ والناقص، أو تفسيرهما بالتماموالنقصان.
الأمر الثالث: ما ذكره صاحب الكفاية في آخر البحث وكان المناسب أنيذكره هنا، وهو: أنّ للعبادات اُموراً يعبّر عنها بالأجزاء والشرائط والموانع أوالقواطع، وهل الصحيح في محلّ النزاع عند القائل به عبارة عن الواجد لجميعالأجزاء والشرائط والفاقد لجميع الموانع أو القواطع، أم يكون للصحيح في