(صفحه258)
الخراساني قدسسره في مقام تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة، من أنّه لا إشكالفي وجوده وإمكان الإشارة إليه بخواصّه وآثاره، مثل الناهية عن الفحشاء،والمعراجيّة للمؤمن، فإنّ النهي عن الفحشاء والمعراجيّة للمؤمن أيضاً تكونانمن عوارض وجود الصلاة؛ إذ الصلاة الموجودة في الخارج تكون ناهية عنالفحشاء، بخلاف الماهيّة فإنّها إذا كانت في مرحلة الوجود الذهني لم تكنناهية عن الفحشاء والمنكر.
ويمكن أن يقال: إنّ المراد من الصحّة ههنا هي الصحّة التعليقيّة لا الصحّةالفعليّة، ولا منافاة بينها وبين الفساد؛ إذ يمكن أن تكون الصلاة فاسدة بالفعللفقدان بعض الأجزاء وكانت لها الصحّة التعليقيّة باعتبار أنّه لو انضمّت إليهركعة اُخرى ـ مثلاً ـ كانت الصلاة صحيحة.
وفيه: أوّلاً: أنّ الصحّة التعليقيّة لا تناسب العنوان المذكور في محلّ النزاع،فإنّها ذكرت هنا في مقابل الفساد، ويستفاد منه أنّ المراد منها هي الصحّةالفعليّة.
وثانياً: أنّ القائل بالصحيح لا يقول به، ويشهد له كلام صاحب الكفاية بأنّالجامع بين الأفراد الصحيحة ما هو الناهي عن الفحشاء والمنكر، ومعلوم أنّالصحّة التعليقيّة لا تكون ناهية، بل الناهي هي الصلاة الصحيحة بالفعل، كملا يخفى.
وثالثاً: أنّ الصحّة التعليقيّة كالصحّة الفعليّة، والفساد يكون من عوارضالوجود الخارجي، فإنّ الصلاة بعد تحقّقها في الخارج تتّصف بأحدهما، لا قبله.
والحاصل: أنّه لو كان المراد من الصحّة هي الصحّة التعليقيّة لا يندفعالإشكال.
(صفحه 259)
ويمكن أن يقال: إنّ الصحّة وصف من الأوصاف فلابدّ من لحاظ موصوفهقبل الاتّصاف بها، فلابدّ للشارع في مقام وضع لفظ الصلاة للأركان المخصوصةالصحيحة من لحاظ الأركان المخصوصة ابتداءً، فهي تصير بسبب التصوّرموجودة، فلا مانع بعد الوجود من وقوعها معروضة للصحّة.
وفيه: أنّ الصلاة الموجودة في الذهن لا تتّصف بالصحّة ـ كما مرّ آنفاً ـ إنّمالمعروض للصحّة عبارة عن الموجود الخارجي فقط، ولكنّ المفروض فيما نحنفيه أنّ الواضع لاحظ ماهيّة كلّيّة ووضع لفظ الصلاة لها، إلاّ أنّه لا نعلم أنّالملحوظ حين الوضع ما هو؟ هل هو عبارة عن الأركان المخصوصة أوالأركان المخصوصة الصحيحة؟ والثاني منفي بعدم اتّصاف الصلاة بالصحّة فيمرتبة الماهيّة قبل تحقّقها في الخارج، والأوّل خلاف الفرض.
فلعلّ تفسير المحقّق الخراساني قدسسره الصحّة بالتماميّة والفساد بالنقصان كانناظراً إليه وتفصّياً عنه؛ إذ التماميّة والنقصان يعرضان للماهيّة أيضاً، ولذا يصحّالقول بأنّ الماهيّة التامّة للإنسان عبارة عن الحيوان الناطق، وأنّ الحيوانماهيّة ناقصة له، كالقول بأنّ الحيوان بعض ماهيّة الإنسان. فهذا المعنى مقرّبلتفسيره قدسسره الصحّة بالتماميّة والفساد بالنقصان، فلابدّ لنا من تبديل لفظيالصحيح والأعمّ في عنوان البحث بلفظي التامّ والناقص، أو تفسيرهما بالتماموالنقصان.
الأمر الثالث: ما ذكره صاحب الكفاية في آخر البحث وكان المناسب أنيذكره هنا، وهو: أنّ للعبادات اُموراً يعبّر عنها بالأجزاء والشرائط والموانع أوالقواطع، وهل الصحيح في محلّ النزاع عند القائل به عبارة عن الواجد لجميعالأجزاء والشرائط والفاقد لجميع الموانع أو القواطع، أم يكون للصحيح في
(صفحه260)
مقام الوضع والتسمية خصوصيّة تقتضي عدم تضييقه بهذا الحدّ.
بيان ذلك: أنّ الجزء عبارة عمّا يتركّب المأمور به منه ومن غيره، فللأجزاءدخلٌ في قوام الماهيّة المركّبة، ولا إشكال في دخول ذلك في محلّ البحث.
أمّا ملخّص كلام المحقّق الخراساني قدسسره في المقام فقد يكون عبارة عن أنّالجزء جزء لماهيّة المأمور به وطبيعته، وقد يكون ممّا يتشخّص به المأمور بهويعبّر عنه بجزء الفرد أو شرط الفرد، فإنّ دخله في المأمور به تارة يكونبنحو الجزئيّة واُخرى بنحو الشرطيّة، وعلى كلا التقديرين ربّما يحصل لهبسببه مزيّة أو نقيصة.
والأوّل مثل: قراءة التسبيحات الأربعة في الصلاة ثلاث مرّات بناء علىوجوبها مرّة واحدة، فإنّها ممّا يتشخّص به المأمور به في الخارج ويوجبالمزيّة فيه، ولا دخل لها في الماهيّة.
والثاني مثل: وقوع الصلاة في المسجد، فإنّه من الشرائط التي تتشخّص بهالصلاة في الخارج، وتوجب المزيّة فيها، ولا دخل له في الماهيّة.
وأمّا المثال الثاني لجزء الفرد فهو القِران بين السورتين بناءً على كراهته، لحرمته، فإنّه يوجب النقص في الصلاة، مع أنّ كليهما يكون بعنوان جزء الفردلها.
وأمّا المثال الثاني لشرط الفرد ـ كوقوع الصلاة في الحمّام ـ فإنّه يوجبالنقص فيها، ولا دخل له في الماهيّة، فيكون ماله دخل في حقيقة المأمور بهوماهيّته داخلة في محلّ النزاع قطعاً لا كلام ولا إشكال فيه.
وأمّا الموانع فقد وقع الكلام في أنّها هل ترجع إلى الشرائط أو هي عناوينوجوديّة مضادّة لتحقّق المأمور به، ويوجب وجودها عدم ترتّب الأثر على
(صفحه 261)
المأمور به؟ ولكن في مقام الوضع والتسمية لابدّ من إرجاعها إلى الشرائط بأنّبعض الاُمور وجوده معتبر في المأمور به، وبعضها الآخر عدمه معتبر فيه،وحينئذٍ هل للشرائط دخل في محلّ النزاع حتّى يكون الصحيح عند القائل بهعبارة عن الصحّة من حيث الأجزاء والشرائط أم لا؟
واعلم أنّ الشرائط على أقسام ثلاثة، ويُعبّر عن أحدها: بالشرائطالشرعيّة، وكان لها خصوصيّتان: الاُولى: إمكان أخذها في متعلّق الأمركالأجزاء، مثل قوله صلىاللهعليهوآله : «صلّ مع طهور»(1) و«صلّ مستقبلاً القبلة»(2) ونحوذلك.
والثانية: أخذها خارجاً في لسان الأدلّة كذلك، وكان أكثر الشرائط منهذا القبيل.
وثانيها: ما يُعبّر عنه بالشرائط العقليّة، وهو ما يمكن أخذه في متعلّق الأمر،ولكن لم يتحقّق أخذه فيه خارجاً، فالعقل حكم بشرطيّته، كما سيأتي فيمبحث «الأمر بشيء والنهي عن ضدّه» بأنّ الأمر بالإزالة يقتضي النهي عنالصلاة، والنهي في العبادة يقتضي الفساد، فمن أتى بها في سعة الوقت تكونصلاته باطلة، ولكنّ دليل بطلانها عبارة عن تحقّق المانع الذي يحكم العقلبعدمه، وهو عدم ابتلائها بالمزاحم الأقوى، وإن أمكن الشارع أن يقول: «صلّمع عدم الابتلاء بالمزاحم الأقوى»، إلاّ أنّه لم يكن في لسان الدليل من هذالتعبير خبر ولا أثر.
وثالثها: ما لا يمكن أخذه في متعلّق الأمر أصلاً، مثل: قصد القربة في
- (1) هذه الجملة مضمون حديث.
- (2) هذه الجملة مضمون رواية.
(صفحه262)
العبادة، بناءً على كونها بمعنى الإتيان بداعي الأمر، وبناء على قبول قولصاحب الكفاية قدسسره (1) بأنّه إن كانت هي بمعنى الإتيان بداعي الأمر فلا يعقل أنيؤخذ في المتعلّق؛ لأنّه مستلزم للدور كما لا يخفى.
إذا عرفت هذا فنقول: إنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة:
الأوّل: القول بأنّ لجميع الأقسام الثلاثة دخل في مقام الوضع والتسمية،وهو ما يستفاد من كلام المحقّق الخراساني قدسسره في موضعين:
أحدهما: في آخر هذا البحث بعد القول بدخالة الجزء في التسمية: قال:«وأمّا ما له الدخل شرطاً في أصل ماهيّتها فيمكن الذهاب أيضاً إلى عدمدخله في التسمية بها مع الذهاب إلى دخل ماله الدخل جزءً فيها، فيكونالإخلال بالجزء إخلالاً بالشرط دون الإخلال بالشرط، لكنّك عرفت أنّالصحيح اعتبارهما فيها»(2) انتهى.
ويستفاد من عدم تفصيله بين أقسام الشرائط أنّ لجميعها دخلاً في التسميةعنده.
وثانيهما: بعد قوله بأنّ ألفاظ العبادات أسامي لخصوص الصحيحة قال:«لا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة، وإمكان الإشارة إليه بخواصّهوآثاره، فيصحّ تصوير المسمّى بلفظ الصلاة ـ مثلاً ـ بالناهية عن الفحشاء ومهو معراج المؤمن ونحوهما»(3) انتهى.
ومعلوم أنّ هذه الآثار لا تترتّب إلاّ على الصلاة الصحيحة الواجدة لجميع
- (1) كفاية الاُصول 1: 107 ـ 109.