(صفحه 271)
لجميع أفراد الصلاة الصحيحة، بل يمكن أن يقال: إنّه على فرض تحقّق أثرواحد لها لا معنى لجريانها؛ إذ لأثر واحد ـ كالنهي عن الفحشاء والمنكر مصاديق متعدّدة مستقلّة، كالغصب وشرب الخمر والكذب والسرقة وأمثالذلك.
والحاصل: أنّ الناهية عن الفحشاء والمنكر تنحلّ إلى آثار متعدّدة، بأنّالصلاة تنهى عن شرب الخمر، وأنّ الصلاة تنهى عن الغصب... فلا يكونالأثر واحداً حتّى تجري القاعدة.
ولكنّ الظاهر أنّ هذا الإشكال مندفع؛ لأنّ استدلاله قدسسره ليس مبتنياً علىتعدّد الآثار، بل هو مبتن على الاشتراك في أثر واحد، وحينئذٍ إذا كان جميعأفراد الصلاة الصحيحة مشتركة في المعراجيّة ـ مثلاً ـ فهو كافٍ في جريانالقاعدة، سواء كانت في سائر الآثار مشتركة أم لا، فإذا كانت المؤثّراتمتعدّدة والأثر واحد يستكشف أنّ المؤثّر أيضاً واحد، فلا يضرّ اشتراكها فيسائر الآثار لجريان القاعدة هنا أيضاً.
نعم، لو كان المؤثّر في إحدى الآثار غير المؤثّر في أثر آخر ـ كما إذا كان أثربعضها المعراجيّة مثلاً وأثر بعضها الآخر القربانيّة ـ لأضرّ بجريانها، ولكنالمفروض اشتراك الجميع في جميع الآثار، وهو ليس بمانع أصلاً.
الإشكال الثالث ـ وهو الإشكال المهمّ في المقام ـ : أنّ الموضوع والملزوملهذه الآثار هل هو عبارة عن ماهيّة الصلاة وطبيعتها الكلّيّة أو وجودهالخارجي أو وجودها الذهني؟ ويمكن أن يتوهّم كونها من لوازم الماهيّةكالزوجيّة للأربعة التي لا دخل لوجودها الخارجي أو الذهني في لازميّتها لها،ولذا يعبّر عنها بلازم الماهيّة.
(صفحه272)
ولكنّ المتأمّل يعلم بأدنى التفات بأنّها لم تترتّب على الماهيّة والمفهوم،وهكذا على وجودها الذهني، بل تترتّب على وجودها الخارجي، فالوجوداتالخارجيّة مشتركة في هذه الآثار؛ إذ هي كما تترتّب على صلاة الحاضر كذلكتترتّب على صلاة المسافر، وكما تترتّب على صلاة القائم كذلك تترتّب علىصلاة القاعد، لكنّها تترتّب على أفراد الصلاة بخصوصيّاتها الخاصّة المعتبرة فيصحّتها خارجاً عن الأجزاء والشرائط وعدد الركعات المعتبرة فيها ونحوذلك؛ لأنّ الصلاة المركّبة من أربع ركعات لكونها تامّة ومؤثّرة، والصلاةالمركّبة من ركعتين إن كانت مقصورة مؤثّرة، فكيف يتصوّر الجامع بينها معدخالة هذه الخصوصيّات في ترتّب الأثر؟!
والحاصل أنّ ترتّب الأثر متوقّف على الصحّة، والصحّة متوقّفة على وجودالخصوصيّات وحفظها، وأمّا تصوير الجامع فإنّه متوقّف على إلغائها منها،فإنّها مع حفظ الخصوصيّات حقائق متخالفة ومتباينة، فلا يكشف عنالاشتراك في وجود الجامع.
الإشكال الرابع: أنّ لازم تصوير الجامع بهذا البيان أنّه إذا كان أحدٌ جاهلبالآثار ـ كما هو الغالب في المتشرّعة ـ فلا يفهم من لفظ «الصلاة» شيئاً؛ لأنّه قدسسره قال: إنّ الجامع وإن كان عند الشارع مشخّصاً ومعلوماً، إلاّ أنّه مجهول عندنباسمه ورسمه، ولكنّه يشار إليه من طريق الآثار، فالجاهل بالآثار لا طريق لهإلى معنى الصلاة أصلاً، لا بالذات ولا بالأثر، فإنّ كثيراً من الناس لا يعلمونتأثير الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر، فضلاً عن العلم بكشفه عنالجامع، مع أنّا نشاهد خلافه لدى المتشرّعة عند سماع لفظ «الصلاة» فلم يكنذلك الجامع موضوعاً له لمثل كلمة الصلاة ونحوها، كما هو المعلوم.
(صفحه 273)
الإشكال الخامس: أنّه قد مرّ فيما ذكرنا أنّ الشرائط على أقسام بعضهداخلة في المسمّى، وبعضها الآخر خارجة عنه، فالصحّة التي اُدعيت في مقامالوضع والتسمية عبارة عن الصحّة من حيث الأجزاء وبعض الشرائط، وأمّما يترتّب عليه الأثر فعبارة عن الصحّة من حيث الأجزاء وجميع الشرائط،فإنّ الصلاة إذا ابتليت بمزاحم أقوى أو لم يقصد بها التقرّب لم تكن ناهية عنالفحشاء، فما يترتّب عليه الأثر بالفعل لم يوضع له اللفظ قطعاً، وما وضع لهاللفظ يكون جامعاً بين الأفراد الصحيحة والفاسدة جميعاً بناءً على هذالتصوير.
لكنّ الظاهر أنّه قدسسره ليس قائلاً بالتفصيل بين الشرائط، بل صرّح باعتبارالشرائط كالأجزاء في التسمية، إلاّ أنّه استبعد منه القول بدخالة ما هو متأخّرعن الأمر في مقام التسمية، ولذا استشكل عليه، فلا يمكن المساعدة على هذالتصوير.
وقال الشيخ ضياء الدين العراقي قدسسره (1) في مقام تصوير الجامع: إنّ الجامع إمّأن يكون جامعاً ذاتيّاً مقوليّاً أو جامعاً عنوانيّاً اعتباريّاً، والالتزام بكلّ واحدمنهما مشكل. أمّا الجامع الذاتي المقولي فهو منحصرٌ في الماهيّة والمقولةالواحدة إذا كانت لها أفراد متعدّدة، مثل أفراد الإنسان فإنّها مشتركة في ماهيّةواحدة وجامع واحد ـ وهي الإنسانيّة ـ وهو غير معقول في ما نحن فيه؛ لأنّالصلاة ـ مثلاً ـ مؤلّفة من مقولات متباينة كمقولة الكيف والوضع ونحوهما،والمقولات أجناس عالية وليس فوقها جنس تندرج تحته، فلم يمكن جامعذاتي بين أجزاء مرتبة واحدة من الصلاة، فضلاً بين بقيّة المراتب المختلفة
- (1) مقالات الاُصول 1: 144، نهاية الأفكار 1: 81 ـ 84 .
(صفحه274)
بالزيادة والنقيصة، مثل صلاة الحاضر والمسافر والمتوضّئ والمتيمّم وأمثالذلك.
وأمّا الجامع العنواني ـ كعنوان الناهي عن الفحشاء ـ فالوضع بإزائه وإنكان ممكناً إلاّ أنّ لازمه عدم صحّة استعمال لفظ الصلاة ـ مثلاً ـ في نفسالمعنون إلاّ بعناية؛ لأنّ العنوان غير المعنون، وليس كالجامع الذاتي بحيث يتّحدمع جميع المراتب، مع أنّ استعمال لفظ الصلاة في نفس الهيئة التركيبيّة بلا عنايةصحيحة.
مضافاً إلى سخافة القول بوضع لفظ الصلاة لعنوان الناهي عن الفحشاء؛ إذلو كان كذلك لصار قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنكَرِ»بمنزلة أن يقول: الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ينهى عن الفحشاء والمنكر،وهذا واضح الفساد كما لا يخفى.
ثمّ قال: «ولكنّ الجامع لا ينحصر في الجامع العنواني ولا في الجامعالماهوي الذاتي، بل هناك جامع آخر أيضاً وهو مرتبة خاصّة من حقيقةالوجود الجامع بين تلك المقولات المتباينة الماهيّة، فتكون الصلاة أمراً بسيطتصدق على القليل والكثير؛ لكون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز...»انتهى.
لكنّه مدفوع بأنّه قدسسره إن أراد به اشتراك تلك المقولات في مفهوم الوجود فهولا يختصّ بها، بل يعمّ جميع الموجودات. وإن أراد به اشتراكها في حقيقةالوجود فالأمر أيضاً كذلك، وإن أراد به أنّ لتلك المقولات وحدها مرتبةخاصّة من الوجود ويكون لها وجود واحد في الخارج ففيه:
أوّلاً: أنّ الوجود مساوق للجزئيّة والتشخّص، فهو لا يناسب عموميّة
(صفحه 275)
الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات، فإنّ معناه وضع ألفاظ العبادات لتلكالمرتبة الخاصّة من الوجود الخارجي، وهو كما ترى.
وثانياً: أنّه غير معقول، فإنّ اتّحاد مقولة مع مقولة اُخرى في الوجود بديهيالاستحالة؛ إذ لا ريب في أنّ للعرض وجوداً مستقلاًّ رغم قوامه بالمعروض،مع هذا فللجسم وجود، وللبياض وجود آخر؛ لأنّهما من مقولتين، وإذا كانالأمر في باب العرض والمعروض كذلك فكيف الحال في الصلاة المركّبة منمقولات متباينة؟! فتكون للصلاة وجودات متعدّدة، فلا محالة يكون ما فرضجامعاً عنوانيّاً لها.
هذا، وللمحقّق الأصفهاني قدسسره (1) بيانٌ آخر في تصوير الجامع بين الأفرادالصحيحة، ومحصّل كلامه أنّه ذكر في الابتداء مقدّمة، وهي: أنّ سنخ المفاهيموالماهيّات، وسنخ الوجودات العينيّة والواقعيّات في مسألة السعة والإطلاقمتعاكسان، فإنّ سعة سنخ الماهيّات والمفاهيم من جهة الضعف والإبهام، ولذكلّما كان الضعف والإبهام فيها أكثر كان الإطلاق والشمول أوفر.
وأمّا سعة سنخ الوجود الحقيقي من فرط الفعليّة وقلّة الإبهام، ولذا كلّما كانالوجود أشدّ وأقوى كان الإطلاق والسعة أعظم وأتمّ.
ثمّ قال: إنّ الماهيّات على قسمين: أحدهما: ماهيّات حقيقيّة متأصّلة،وثانيهما: ماهيّات اعتباريّة غير متأصّلة، فإن كانت الماهيّة من الماهيّاتالحقيقيّة كان ضعفها وإبهامها بلحاظ الطوارئ وعوارض ذاتها، لا بلحاظذات الماهيّة، كالإنسان ـ مثلاً ـ فإنّه لا إبهام فيه من حيث الجنس والفصلالمقوّمين لحقيقته، إنّما الإبهام فيه من حيث الشكل وشدّة القوى وضعفها،
- (1) نهاية الدراية 1: 101 ـ 102.