(صفحه276)
وعوارض النفس والبدن، حتّى عوارضها اللازمة لها ماهيّة ووجوداً.
وأمّا إذا كانت الماهيّة من الماهيّات الاعتباريّة المؤتلفة من عدّة اُموربحيث تزاد وتنقص كمّاً وكيفاً، فمقتضى الوضع لها ـ بحيث يعمّها مع تفرّقهوشتاتها ـ أن تلاحظ على نحو مبهم في غاية الإبهام، فيكون الإبهام فيهبلحاظ ذات الماهيّة، ولكن يعرّفها ويشار إليها ببعض العناوين غير المنفكّةعنها، فكما أنّ الخمر ـ مثلاً ـ مائع مبهم من حيث إمكان اتّخاذه من العنبوالتمر وغيرهما، ومن حيث اللون والطعم والريح ومرتبة الإسكار، ولذا ليمكن وصفها إلاّ لمائع خاصّ بمعرّفيّة المسكريّة من دون لحاظ الخصوصيّةتفصيلاً. وكذلك لفظ «الصلاة» مع هذا الاختلاف الشديد بين مراتبها كمّاً وكيفلابدّ أن يوضع لسنخ عمل معرّفه النهي عن الفحشاء أو فريضة الأوقاتالخمسة أو غير ذلك من المعرّفات، بل العرف لا ينتقلون من سماع لفظ«الصلاة» إلاّ إلى سنخ عمل خاصّ مبهم، إلاّ من حيث كونه مطلوباً فيالأوقات الخاصّة.
والحاصل: أنّ الجامع بين الماهيّات الاعتباريّة ـ كالصلاة مثلاً ـ هو سنخعمل مبهم من جميع الجهات، إلاّ من حيث النهي عن الفحشاء والمنكر، أو منحيث فريضة الوقت.
ولا يخفى أنّ بين كلامه قدسسره وما قاله صاحب الكفاية قدسسره فرقاً واضحاً، فإنّهقائل: بأنّا لا نعلم من لفظ «الصلاة» شيئاً، ولا طريق لنا للعلم بمعناها، إلاّ أنّهقابلة للإشارة إليها بالآثار، مثل: عنوان ماهو ناهياً عن الفحشاء ونحوه، ولذاستشكل عليه بأنّه إذا كان الأحد جاهلاً بالآثار فلا يفهم من لفظ «الصلاة»شيئاً...
(صفحه 277)
بخلاف المحقّق الأصفهاني قدسسره (1) لأنّه قال: بأنّ العرف يفهمون من لفظ«الصلاة» معنى، إلاّ أنّ هذا المعنى لم يكن قابلاً للتوصيف، فكأنّه يدرك وليوصف، مع أنّه قال بإمكان معرفة المعنى المذكور بغير الآثار أيضاً، مثل: كونهمطلوباً في الأوقات الخاصّة، ثمّ قال قدسسره : «لا دخل للإبهام المذكور في ما نحنفيه بالإبهام الموجود في باب النكرة، فإنّ المتكلّم إذا قال: «جاءني رجل»يردّد المخاطب من حيث صفاته وخصوصيّاته، ولا إبهام له بحسب الواقع. وأمّالإبهام المذكور هنا يكون بحسب ذات الماهيّة والواقع.
ثمّ قال قدسسره : وقد التزم بنظيره بعض أكابر فنّ المعقول في تصحيح التشكيكفي الماهيّة ـ كالوجود والنور ـ جواباً عن تصوّر شمول طبيعة واحدة لتمامالمراتب الزائدة والمتوسطة والناقصة، فيكون للوجود ماهيّة مبهمة، بحيثيستقرّ بإبهامه في الذهن، فلابدّ من الإشارة إليه ببعض العناوين غير المنفكّةعنها.
ثمّ قال في آخر كلامه: وأمّا على ما تصوّرناه من الجامع فكلّ واحد منالصحيحي والأعمّي في إمكان تصوير الجامع لهما على حدّ سواء، فإنّ المعرّفإن كان فعليّة النهي عن الفحشاء فهي كاشفة عن الجامع بين الأفرادالصحيحة، وإن كان اقتضاء النهي عن الفحشاء فهو كاشف عن الجامع بينالأعمّ. انتهى كلامه رفع مقامه.
ولكنّه مخدوش لوجوه:
منها: أنّ المتشرّعة ينتقلون من سماع لفظ «الصلاة» إلى المعنى قطعاً، ولشكّ في أنّها ليست ممّا تدرك ولا تُوصف إلاّ بالآثار، كيف! مع أنّ الآيات
(صفحه278)
المبيّنة للآثار، وأوقات الصلاة ـ مثل: «إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ»،و«أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ» ـ كانت نزولها بعد نزوُل آيةالوجوب، فلم يكن لأصحاب الرسول صلىاللهعليهوآله طريق للإشارة إلى المعنى عند نزولآية الصلاة، ولازم ذلك أنّهم لم يفهموا منها شيئاً، وهذا ممّا لم يلتزم به أحد،وهكذا في سائر المركّبات المتداولة بين الناس.
ومنها: أنّ الآثار المذكورة ليست من الآثار اللازمة للماهيّة ـ كالزوجيّةللأربعة ـ بل ليست من آثار الوجود الذهني، بل هي مترتّبة على الوجودالخارجي، فكيف يشار إليه وتعرف الماهيّة بسبب آثار الوجود الخارجي؟!
وقال اُستاذنا المرحوم السيّد البروجردي قدسسره (1) في مقام تصوير الجامع بينالأفراد الصحيحة من الصلاة: إنّ الصلاة ليست عبارة عن نفس الأقوالوالأفعال المتباينة المندرجة بحسب الوجود حتّى لا يكون لها حقيقة باقية إلىآخر الصلاة محفوظة في جميع المراتب، بل هي عبارة عن حالة توجّه خاصّيحصل للعبد وتوجد بالشروع فيها وتبقى ببقاء الأجزاء والشرائط، فتكونمراتب الصلاة بما لها من الاختلاف في الأجزاء والشرائط مشتركة في كونهنحو توجّه خاصّ وتخشّع مخصوص من العبد لساحة مولاه، يوجد هذالتوجّه الخاصّ بإيجاد أوّل جزء منها ويستمرّ إلى أن تختم، ولا يوجد هذالأمر الباقي بوجود على حدة وراء وجودات الأجزاء حتّى تكون الأجزاءمحصّلات له، بل هو بمنزلة الصورة لهذه الأجزاء المتباينة بالذات، فهو موجودبعين وجودات الأجزاء، فيكون الموضوع له للفظ «الصلاة» هذه العبادةالخاصّة والمعنى المخصوص، ويكون هذا المعنى محفوظاً في جميع المراتب، فكم
- (1) نهاية الاُصول 1: 47 ـ 48.
(صفحه 279)
أنّ طبيعة الإنسان محفوظة في جميع أفراده المتفاوتة بالكمال والنقص والصغروالكبر ونقص بعض الأجزاء وزيادته مادامت الصورة الإنسانيّة محفوظة فيجميع ذلك، فكذلك طبيعة الصلاة، ومثل هذا المعنى يمكن أن يفرض في سائرالعبادات أيضاً.
ويؤيّده اختلاف التعبيرات في باب الصلاة وسائر المركّبات؛ إذ المركّب لمكان قوامه وتحقّقه بتحقّق جميع أجزائه فلذا بعد تحقّقها يعبّر بأنّه وُجد المركّب،ولكن في باب الصلاة من حين الشروع بها يعبّر بأنّ فلان شرع في الصلاة،وفي أثنائها يعبّر بأنّه مشغول بالصلاة، وبعد إتمامها يعبّر بأنّه فرغ من الصلاة،ولا يعبّر بأنّ الآن تحققت الصلاة. فيستكشف أنّ الصلاة حقيقة واحدة وراءهذه الأجزاء والشرائط التي توجد مع تكبيرة الإحرام، ويستمرّ إلى أنيتحقّق التسليم والفراغ منها، فتكون الأجزاء بمنزلة المواد لها، فلذا لا يضرُّالاختلاف في كيفيّتها وكمّيّتها في أصل الحقيقة؛ لأنّ شيئيّة الشيء وحقيقتهبصورته لا بمادّته. وهذا المعنى متحقّق في الصلوات الصحيحة دون الفاسدة.انتهى.
ويؤيّده أيضاً الروايات الواردة في باب الصلاة، بأنّ الصلاة تحريمها التكبيروتحليلها التسليم، كما أنّ الحجّ تحريمه التلبية، وتحليله الحلق، أو التقصير.
ويستكشف منها أنّ الصلاة حقيقة خاصّة وراء الأجزاء والشرائط، بل هيبمنزلة المواد لها، ومعلوم أنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته.
ولكنّه مخدوش: أوّلاً: بأنّه لا شكّ في مدخليّة المادّة كالصورة في شيئيّةالشيء، إلاّ أنّ الأصالة في الدخل تكون بالصورة، فكيف يمكن تحقّق الحقيقةبتحقّق الصورة فقط؟!
(صفحه280)
وبعبارة اُخرى: إذا كان للركوع أو السجود مدخليّة في حقيقة الصلاةبعنوان مادّة من المواد فلا يعقل تحقّق الصورة قبل تحقّق الركوع أو السجود،حتّى على القول بالكشف، فإذا تحقّقت جميع المواد لا يصحّ القول بأنّ هذكاشف عن تحقّق الصورة قبل تحقّق المادّة.
وثانياً: بأنّ هذا المعنى مخالف لما ارتكز في ذهن المتشرّعة من أنّ الصلاةعبارة عن الشرائط والأجزاء الطوليّة.
وأمّا ما ذكرناه من المؤيّد له فيستفاد منه: أوّلاً: أنّ الصلاة مركّبة منالمقولات المتباينة والماهيّات المتضادّة، ولكن مع ذلك لوحظت بين أجزائهوحدة اعتباريّة كما مرّ.
وثانياً: أنّ حين الاشتغال بها حرّم اللّه تعالى علينا اُموراً متعدّدة كالضحكوالاستدبار ونحوهما، فيكون وجود المحرّمات في حال الصلاة ولحاظ الوحدةالاعتباريّة مصحّحاً للتعبير بأنّ الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
وإن أبيت عن ظهوره إلاّ فيما قال به المرحوم البروجردي قدسسره قلنا: إنّ مارتكز في ذهن المتشرّعة ينفي هذا الظهور، وتكون أيضاً الوحدة الاعتباريّةالطوليّة مجوّزة للتعبير بأنّه شرع في الصلاة أو هو في الصلاة أو فرغ منالصلاة، فلا يكون هذا البيان قابلاً للمساعدة وإن كان مأنوساً بالذهن.
وقال اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ(1) في مقام تصوير الجامع بين الأفرادالصحيحة: أمّا المختار فيتوقّف بيانه على تقديم مقدّمة وفيها اُمور:
منها: أنّ محطّ البحث للأعلام إنّما هو تصوير جامع كلّي قابل للانطباق علىالأفراد المختلفة كيفاً وكمّاً، فحينئذٍ مرتبة فرض الجامع متقدّمة على مرتبة
- (1) منهاج الوصول إلى علم الاُصول 1: 155، تهذيب الاُصول 1: 75.