(صفحه278)
المبيّنة للآثار، وأوقات الصلاة ـ مثل: «إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ»،و«أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ» ـ كانت نزولها بعد نزوُل آيةالوجوب، فلم يكن لأصحاب الرسول صلىاللهعليهوآله طريق للإشارة إلى المعنى عند نزولآية الصلاة، ولازم ذلك أنّهم لم يفهموا منها شيئاً، وهذا ممّا لم يلتزم به أحد،وهكذا في سائر المركّبات المتداولة بين الناس.
ومنها: أنّ الآثار المذكورة ليست من الآثار اللازمة للماهيّة ـ كالزوجيّةللأربعة ـ بل ليست من آثار الوجود الذهني، بل هي مترتّبة على الوجودالخارجي، فكيف يشار إليه وتعرف الماهيّة بسبب آثار الوجود الخارجي؟!
وقال اُستاذنا المرحوم السيّد البروجردي قدسسره (1) في مقام تصوير الجامع بينالأفراد الصحيحة من الصلاة: إنّ الصلاة ليست عبارة عن نفس الأقوالوالأفعال المتباينة المندرجة بحسب الوجود حتّى لا يكون لها حقيقة باقية إلىآخر الصلاة محفوظة في جميع المراتب، بل هي عبارة عن حالة توجّه خاصّيحصل للعبد وتوجد بالشروع فيها وتبقى ببقاء الأجزاء والشرائط، فتكونمراتب الصلاة بما لها من الاختلاف في الأجزاء والشرائط مشتركة في كونهنحو توجّه خاصّ وتخشّع مخصوص من العبد لساحة مولاه، يوجد هذالتوجّه الخاصّ بإيجاد أوّل جزء منها ويستمرّ إلى أن تختم، ولا يوجد هذالأمر الباقي بوجود على حدة وراء وجودات الأجزاء حتّى تكون الأجزاءمحصّلات له، بل هو بمنزلة الصورة لهذه الأجزاء المتباينة بالذات، فهو موجودبعين وجودات الأجزاء، فيكون الموضوع له للفظ «الصلاة» هذه العبادةالخاصّة والمعنى المخصوص، ويكون هذا المعنى محفوظاً في جميع المراتب، فكم
- (1) نهاية الاُصول 1: 47 ـ 48.
(صفحه 279)
أنّ طبيعة الإنسان محفوظة في جميع أفراده المتفاوتة بالكمال والنقص والصغروالكبر ونقص بعض الأجزاء وزيادته مادامت الصورة الإنسانيّة محفوظة فيجميع ذلك، فكذلك طبيعة الصلاة، ومثل هذا المعنى يمكن أن يفرض في سائرالعبادات أيضاً.
ويؤيّده اختلاف التعبيرات في باب الصلاة وسائر المركّبات؛ إذ المركّب لمكان قوامه وتحقّقه بتحقّق جميع أجزائه فلذا بعد تحقّقها يعبّر بأنّه وُجد المركّب،ولكن في باب الصلاة من حين الشروع بها يعبّر بأنّ فلان شرع في الصلاة،وفي أثنائها يعبّر بأنّه مشغول بالصلاة، وبعد إتمامها يعبّر بأنّه فرغ من الصلاة،ولا يعبّر بأنّ الآن تحققت الصلاة. فيستكشف أنّ الصلاة حقيقة واحدة وراءهذه الأجزاء والشرائط التي توجد مع تكبيرة الإحرام، ويستمرّ إلى أنيتحقّق التسليم والفراغ منها، فتكون الأجزاء بمنزلة المواد لها، فلذا لا يضرُّالاختلاف في كيفيّتها وكمّيّتها في أصل الحقيقة؛ لأنّ شيئيّة الشيء وحقيقتهبصورته لا بمادّته. وهذا المعنى متحقّق في الصلوات الصحيحة دون الفاسدة.انتهى.
ويؤيّده أيضاً الروايات الواردة في باب الصلاة، بأنّ الصلاة تحريمها التكبيروتحليلها التسليم، كما أنّ الحجّ تحريمه التلبية، وتحليله الحلق، أو التقصير.
ويستكشف منها أنّ الصلاة حقيقة خاصّة وراء الأجزاء والشرائط، بل هيبمنزلة المواد لها، ومعلوم أنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته.
ولكنّه مخدوش: أوّلاً: بأنّه لا شكّ في مدخليّة المادّة كالصورة في شيئيّةالشيء، إلاّ أنّ الأصالة في الدخل تكون بالصورة، فكيف يمكن تحقّق الحقيقةبتحقّق الصورة فقط؟!
(صفحه280)
وبعبارة اُخرى: إذا كان للركوع أو السجود مدخليّة في حقيقة الصلاةبعنوان مادّة من المواد فلا يعقل تحقّق الصورة قبل تحقّق الركوع أو السجود،حتّى على القول بالكشف، فإذا تحقّقت جميع المواد لا يصحّ القول بأنّ هذكاشف عن تحقّق الصورة قبل تحقّق المادّة.
وثانياً: بأنّ هذا المعنى مخالف لما ارتكز في ذهن المتشرّعة من أنّ الصلاةعبارة عن الشرائط والأجزاء الطوليّة.
وأمّا ما ذكرناه من المؤيّد له فيستفاد منه: أوّلاً: أنّ الصلاة مركّبة منالمقولات المتباينة والماهيّات المتضادّة، ولكن مع ذلك لوحظت بين أجزائهوحدة اعتباريّة كما مرّ.
وثانياً: أنّ حين الاشتغال بها حرّم اللّه تعالى علينا اُموراً متعدّدة كالضحكوالاستدبار ونحوهما، فيكون وجود المحرّمات في حال الصلاة ولحاظ الوحدةالاعتباريّة مصحّحاً للتعبير بأنّ الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
وإن أبيت عن ظهوره إلاّ فيما قال به المرحوم البروجردي قدسسره قلنا: إنّ مارتكز في ذهن المتشرّعة ينفي هذا الظهور، وتكون أيضاً الوحدة الاعتباريّةالطوليّة مجوّزة للتعبير بأنّه شرع في الصلاة أو هو في الصلاة أو فرغ منالصلاة، فلا يكون هذا البيان قابلاً للمساعدة وإن كان مأنوساً بالذهن.
وقال اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ(1) في مقام تصوير الجامع بين الأفرادالصحيحة: أمّا المختار فيتوقّف بيانه على تقديم مقدّمة وفيها اُمور:
منها: أنّ محطّ البحث للأعلام إنّما هو تصوير جامع كلّي قابل للانطباق علىالأفراد المختلفة كيفاً وكمّاً، فحينئذٍ مرتبة فرض الجامع متقدّمة على مرتبة
- (1) منهاج الوصول إلى علم الاُصول 1: 155، تهذيب الاُصول 1: 75.
(صفحه 281)
عروض الصحّة والفساد عليه؛ لما عرفت سابقاً من أنّهما من عوارض وجودالعبادات خارجاً، ولكنّ تصوير الجامع مربوط بمرحلة الماهيّة.
ومنها: أنّ الصحّة والفساد ليست بمعنى النقص والتمام؛ لأنّ بينهما تقابلالتضادّ ـ كما مر ـ فلا يكون الصحّة والفساد من الاُمور الإضافيّة بحيث يجوزأن تكون ماهيّة صحيحة من حيثيّة وفاسدة من اُخرى، كما صرّح به صاحبالكفاية قدسسره ؛ إذ يستحيل أن يكون المتضادّان ـ كالسواد والبياض ـ من الاُمورالإضافيّة كما هو المعلوم.
ومنها: أنّه مرّ أنّ الشرائط على أقسام، وأنّ بعض ما هو من الشرائطويكون دخيلاً في اتّصاف الصلاة بالصحّة خارجاً، غير داخل في محطّ البحثوالتسمية؛ لما عرفت من أنّ البحث هنا يكون في المرتبة المتقدّمة على الوجودالخارجي، وما يعرضه الصحّة والفساد. فعلى هذا لا مناصّ من الاعترافبكون الموضوع له أمراً ينطبق على مقالة الأعمّي؛ لما علمت من أنّ الماهيّةالتي وضعت لها لفظة «الصلاة» إذا وجدت في الخارج مجرّدة عن تلك الشرائطالتي عرفت خروجها عن الموضوع له تتّصف لا محالة بالفساد، ولا يمكناتّصافها بالصحّة في هذا الحال، وهذا بعينه مقالة الأعمّي.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الألفاظ التي توضع للمركّبات الحقيقيّة أوالاعتباريّة تكون على أنحاء مختلفة؛ إذ اللفظ الذي يوضع للمركّب تارةيلاحظ المركّب بمادّة معيّنة وهيئة مخصوصة، بحيث لو تغيّرت الهيئة أو المادّةبزيادة أو نقيصة لم يكن الموضوع له للّفظ، وإطلاق اللفظ عليه يكون على نحوالمسامحة، وتارة يلاحظ المركّب بمادّة معيّنة فقط، وتارة يلاحظ المركّب بهيئةمخصوصة فقط، وقد يوضع اللفظ للمركّب بدون لحاظ مادّة معيّنة وهيئة
(صفحه282)
مخصوصة فيه، بل لوحظ المركّب بنحو اللابشرط، والملاك فيه ترتّب غرضخاصّ وأثر مخصوص بأيّ مادّة وهيئة حصلت، وذلك مثل البيت والسيّارةوأمثال ذلك، فإنّ البيت بيت سواء اُخذت موادّه من الحجر أو الطين أو الجصّأو الخزف، بني على هيئة المربّع أو المثلّث أو غيرهما.
ثمّ قال: لا مانع عن القول بأنّ الصلاة وأضرابها موضوعة للمركّباتالاعتباريّة الشرعيّة التي لا تكون محدودة من حيث الهيئة والمادّة حتّى بصورةأنّه يقال: الصلاة ماهيّة إذا وجدت في الخارج لا تنطبق إلاّ على الأفرادالصحيحة؛ إذ قلنا بخروج بعض الشرائط الدخيلة في الصحّة عن الموضوع له،فيصدق على الفرائض والنوافل قصرها وتمامها وما وجب على الصحيحوالمريض بأقسامها.
ثمّ قال: ولكنّ هذا الجامع لا ينطبق على صلاة الغرقى؛ إذ الغريق إذا لم يكنقادراً عليها إلاّ بالتوجّه القلبي فكيف ينطبق عليه عنوان الصلاة؟! إلاّ أنّه ليسبصلاة حقيقةً، وإطلاق لفظ الصلاة عليه يكون من باب المسامحة. والإشكالالمهمّ الموجود في المقام هو: أنّ الشرائط الدخيلة في الموضوع له عندالصحيحي ـ كالطهارة ـ لا تكون قابلةً للرؤية؛ إذ لا دخل لنفس الشرائط فيه،بل للتقيّد بها ومعيّتها دخل في الموضوع له، فحينئذٍ بأيّ طريق نعلم واجدهمن فاقدها مع أنّه لا فرق بين الواجد والفاقد من حيث التركيب الخارجيأصلاً. هذا تمام كلامه ـ دام ظلّه ـ في المقام.
ومعلوم أنّ هذا الجامع بعد توجّه الإشكالين المذكورين في كلامه ـ دامظلّه ـ عليه لا يكون قابلاً للمساعدة كسائر الجوامع المذكورة في المقام.
والحاصل: أنّ تصوير الجامع على القول بالصحيح حسب ما ذكرنا من