(صفحه280)
وبعبارة اُخرى: إذا كان للركوع أو السجود مدخليّة في حقيقة الصلاةبعنوان مادّة من المواد فلا يعقل تحقّق الصورة قبل تحقّق الركوع أو السجود،حتّى على القول بالكشف، فإذا تحقّقت جميع المواد لا يصحّ القول بأنّ هذكاشف عن تحقّق الصورة قبل تحقّق المادّة.
وثانياً: بأنّ هذا المعنى مخالف لما ارتكز في ذهن المتشرّعة من أنّ الصلاةعبارة عن الشرائط والأجزاء الطوليّة.
وأمّا ما ذكرناه من المؤيّد له فيستفاد منه: أوّلاً: أنّ الصلاة مركّبة منالمقولات المتباينة والماهيّات المتضادّة، ولكن مع ذلك لوحظت بين أجزائهوحدة اعتباريّة كما مرّ.
وثانياً: أنّ حين الاشتغال بها حرّم اللّه تعالى علينا اُموراً متعدّدة كالضحكوالاستدبار ونحوهما، فيكون وجود المحرّمات في حال الصلاة ولحاظ الوحدةالاعتباريّة مصحّحاً للتعبير بأنّ الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
وإن أبيت عن ظهوره إلاّ فيما قال به المرحوم البروجردي قدسسره قلنا: إنّ مارتكز في ذهن المتشرّعة ينفي هذا الظهور، وتكون أيضاً الوحدة الاعتباريّةالطوليّة مجوّزة للتعبير بأنّه شرع في الصلاة أو هو في الصلاة أو فرغ منالصلاة، فلا يكون هذا البيان قابلاً للمساعدة وإن كان مأنوساً بالذهن.
وقال اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ(1) في مقام تصوير الجامع بين الأفرادالصحيحة: أمّا المختار فيتوقّف بيانه على تقديم مقدّمة وفيها اُمور:
منها: أنّ محطّ البحث للأعلام إنّما هو تصوير جامع كلّي قابل للانطباق علىالأفراد المختلفة كيفاً وكمّاً، فحينئذٍ مرتبة فرض الجامع متقدّمة على مرتبة
- (1) منهاج الوصول إلى علم الاُصول 1: 155، تهذيب الاُصول 1: 75.
(صفحه 281)
عروض الصحّة والفساد عليه؛ لما عرفت سابقاً من أنّهما من عوارض وجودالعبادات خارجاً، ولكنّ تصوير الجامع مربوط بمرحلة الماهيّة.
ومنها: أنّ الصحّة والفساد ليست بمعنى النقص والتمام؛ لأنّ بينهما تقابلالتضادّ ـ كما مر ـ فلا يكون الصحّة والفساد من الاُمور الإضافيّة بحيث يجوزأن تكون ماهيّة صحيحة من حيثيّة وفاسدة من اُخرى، كما صرّح به صاحبالكفاية قدسسره ؛ إذ يستحيل أن يكون المتضادّان ـ كالسواد والبياض ـ من الاُمورالإضافيّة كما هو المعلوم.
ومنها: أنّه مرّ أنّ الشرائط على أقسام، وأنّ بعض ما هو من الشرائطويكون دخيلاً في اتّصاف الصلاة بالصحّة خارجاً، غير داخل في محطّ البحثوالتسمية؛ لما عرفت من أنّ البحث هنا يكون في المرتبة المتقدّمة على الوجودالخارجي، وما يعرضه الصحّة والفساد. فعلى هذا لا مناصّ من الاعترافبكون الموضوع له أمراً ينطبق على مقالة الأعمّي؛ لما علمت من أنّ الماهيّةالتي وضعت لها لفظة «الصلاة» إذا وجدت في الخارج مجرّدة عن تلك الشرائطالتي عرفت خروجها عن الموضوع له تتّصف لا محالة بالفساد، ولا يمكناتّصافها بالصحّة في هذا الحال، وهذا بعينه مقالة الأعمّي.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الألفاظ التي توضع للمركّبات الحقيقيّة أوالاعتباريّة تكون على أنحاء مختلفة؛ إذ اللفظ الذي يوضع للمركّب تارةيلاحظ المركّب بمادّة معيّنة وهيئة مخصوصة، بحيث لو تغيّرت الهيئة أو المادّةبزيادة أو نقيصة لم يكن الموضوع له للّفظ، وإطلاق اللفظ عليه يكون على نحوالمسامحة، وتارة يلاحظ المركّب بمادّة معيّنة فقط، وتارة يلاحظ المركّب بهيئةمخصوصة فقط، وقد يوضع اللفظ للمركّب بدون لحاظ مادّة معيّنة وهيئة
(صفحه282)
مخصوصة فيه، بل لوحظ المركّب بنحو اللابشرط، والملاك فيه ترتّب غرضخاصّ وأثر مخصوص بأيّ مادّة وهيئة حصلت، وذلك مثل البيت والسيّارةوأمثال ذلك، فإنّ البيت بيت سواء اُخذت موادّه من الحجر أو الطين أو الجصّأو الخزف، بني على هيئة المربّع أو المثلّث أو غيرهما.
ثمّ قال: لا مانع عن القول بأنّ الصلاة وأضرابها موضوعة للمركّباتالاعتباريّة الشرعيّة التي لا تكون محدودة من حيث الهيئة والمادّة حتّى بصورةأنّه يقال: الصلاة ماهيّة إذا وجدت في الخارج لا تنطبق إلاّ على الأفرادالصحيحة؛ إذ قلنا بخروج بعض الشرائط الدخيلة في الصحّة عن الموضوع له،فيصدق على الفرائض والنوافل قصرها وتمامها وما وجب على الصحيحوالمريض بأقسامها.
ثمّ قال: ولكنّ هذا الجامع لا ينطبق على صلاة الغرقى؛ إذ الغريق إذا لم يكنقادراً عليها إلاّ بالتوجّه القلبي فكيف ينطبق عليه عنوان الصلاة؟! إلاّ أنّه ليسبصلاة حقيقةً، وإطلاق لفظ الصلاة عليه يكون من باب المسامحة. والإشكالالمهمّ الموجود في المقام هو: أنّ الشرائط الدخيلة في الموضوع له عندالصحيحي ـ كالطهارة ـ لا تكون قابلةً للرؤية؛ إذ لا دخل لنفس الشرائط فيه،بل للتقيّد بها ومعيّتها دخل في الموضوع له، فحينئذٍ بأيّ طريق نعلم واجدهمن فاقدها مع أنّه لا فرق بين الواجد والفاقد من حيث التركيب الخارجيأصلاً. هذا تمام كلامه ـ دام ظلّه ـ في المقام.
ومعلوم أنّ هذا الجامع بعد توجّه الإشكالين المذكورين في كلامه ـ دامظلّه ـ عليه لا يكون قابلاً للمساعدة كسائر الجوامع المذكورة في المقام.
والحاصل: أنّ تصوير الجامع على القول بالصحيح حسب ما ذكرنا من
(صفحه 283)
كلام صاحب الكفاية والأجلاّء من تلامذته يكون مخدُوشاً.
ولكنّ التحقيق في المقام أنّه قد يكون الغرض من تصوير الجامع على القولبالصحيح إثبات القول بالصحّة، كما هو الظاهر من كلام المحقّق الخراساني(1)فإنّه قال: لابدّ على كلا القولين من قدر جامع في البين، ولا إشكال في وجودهبين الأفراد الصحيحة، وإمكان الإشارة إليه بخواصّه وآثاره. وأمّا تصويرالجامع على القول بالأعمّ ففي غاية الإشكال، ثمّ استفاد منه أنّ الحقّ معالصحيحي؛ إذ يمكن له تصوير الجامع بخلاف الأعمّي.
وجوابه: أوّلاً: أنّه لا يمكن للصحيحي أيضاً تصوير الجامع كما مرّ أن ذكرناهأكثر ممّا قيل في تصويره وجوابه مفصّلاً.
وثانياً: أنّ المهمّ في هذا البحث بحث الحقيقة والمجاز؛ إذ القائل بالحقيقةالشرعيّة يقول: إنّ الصلاة حقيقة في الصحيح ومجاز في الأعمّ، أو حقيقة فيالأعمّ، فيكون تصوير الجامع أيضاً من علائم الحقيقة كالتبادر ونحوه، بأنّه إذكان تصوير الجامع على القول بالصحيح ممكناً فالصلاة حقيقة في الصحيح،وإذا كان تصوير الجامع على القول بالأعمّ ممكناً فهي حقيقة في الأعمّ، مع أنّهلا دخل لتصوير الجامع وعدمه في تشخيص الحقيقة عن المجاز، فتصويرالجامع لهذا الغرض لا فائدة فيه.
وأمّا إذا كان الدليل على القول بالصحيح التبادر وصحّة السلب عن الفاسدوأمثال ذلك كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، فلا نحتاج إلى تصوير الجامع والعلمبه ولو من طريق الإشارة إليه بآثاره وخواصّه، فإنّا نستكشف من ضمّعموميّة الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات إلى أنّها لا تنطبق على الأفراد
- (1) كفاية الاُصول 1: 36 ـ 42.
(صفحه284)
الفاسدة، أنّ الجامع موجود ولاحظه الشارع حين الوضع، ولا ضرورة تدعوإلى العلم بها أصلاً.
ولو قيل: إنّ الجامع إذا كان مبهماً فكيف ينسبق إلى الذهن ولا مناسبة بينإبهام الشيء وتبادره إلى الذهن كما لا يخفى؟!
قلت: لا مانع من ذلك، فإنّا نرى كثيراً مّا تبادر معنى في الذهن مع أنّ كنههوحقيقته مبهم عندنا، ومنها حقيقة الوجود، فإنّها بكنهها غير معلومة عندنا،مع أنّها من أظهر المعاني والمفاهيم كما هو المعلوم.
نعم، لقائل أن يقول: إنّه لا يعقل تصوير الجامع على القول بالصحيح أصلاً،بل هو مستحيل، كما أشار إليه صاحب الكفاية وأجاب عنه.
وتوضيح ذلك: أنّ الجامع إمّا أن يكون أمراً مركّباً أو أمراً بسيطاً، وكلاهمأمر غير معقول، فإن كان الجامع أمراً مركّباً ذا أجزاء ففيه: أوّلاً: أنّ كلّ مفرض جامعاً فله حالتان: أنّه إذا كان واجداً لجميع الأجزاء فيتّصف بالصحّة،وإذا كان فاقداً لبعض الأجزاء فيتصف بالفساد.
وثانياً: أنّه يكون في حالة صحيحاً وفي حالة فاسداً.
وإن كان الجامع أمراً بسيطاً فهو إمّا أن يكون عنوان المطلوب أو ملزوممساوياً له، والأوّل غير معقول؛ لبداهة استحالة أخذ ما لا يتأتّى إلاّ من قبلالطلب في متعلّقه، مع استلزامه الترادف بين لفظة «الصلاة» والمطلوب، وعدمجريان البراءة مع الشكّ في أجزاء العبادات وشرائطها، والشكّ بين الأقلّوالأكثر الارتباطيّين؛ لعدم الإجمال حينئذٍ في المأمور به في العبادات، وإنّمالإجمال والشكّ فيما يتحقّق به ـ أي في المحصّل ـ وفي مثله لا مجال للبراءة كمحُقِقَ في محلّه، مع أنّ المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشكّ