(صفحه308)
على وجه الحقيقة، واستعماله في الصلاة الفاقدة لفاتحة الكتاب على وجه العنايةوالمجاز، وهو كماترى. هذا تمام الكلام في أدلّة القائلين بالصحيح وجوابها.
الكلام في أدلّة القول بالأعمّ
اعلم أنّ الأعمّي استدلّ بوجوه، وأوّل ما يصلح أن يكون دليلاً له مذكرناه آنفاً في ذيل الجواب عن الصحيحي من أنّه لو قلنا بأنّ المسمّىوالموضوع له عبارة عن المركّب الواجد لجميع الأجزاء والشرائط بلا فرق بينشرائط القسم الأوّل والثاني والثالث بحيث إن تحقّق المسمّى في الخارج بلزيادة ونقيصة من حيث الأجزاء والشرائط الدخلية فيه يتّصف بعنوان الصحّةفله وجه.في أدلّة القول بالأعمّ
وأمّا لو قلنا: بأنّ المسمّى عبارة عن المركّب الواجد لجميع الأجزاءوشرائط القسم الأوّل فقط، فلو تحقّق جميع ما له دخل في المسمّى بلا زيادةونقيصة فهل يتّصف بالصحّة أم يتّصف بالفساد؟ ومعلوم أنّ من شرائط صحّةالصّلاة إتيانها مع قصد القربة عند الكلّ، وعدم ابتلائها بالمزاحم الأقوىكالإزالة ـ على قول ـ مع أنّهما من شرائط القسم الثاني والثالث. وهذا عين ميدّعيه الأعمّي من أنّ لفظ الصلاة ـ مثلاً ـ وضع للأعمّ من الصحيح والفاسد،ولكن بشرط أن تكون الأركان موجودة فيها، فإنّ الصحيحي قائل بالتفكيكبين الأجزاء وبعض الشرائط؛ بأنّ الصلاة إذا كان فسادها لأجل فقدان فاتحةالكتاب فهي ليست بصلاة، وأمّا إذا كان فسادها لأجل فقدان قصد القربةفهي صلاة، وهذا لا يوجب الفرق في أصل الوضع للأعمّ، مع أنّ صريحالوجدان يمنع عن هذا الكلام؛ إذ لا شكّ في صحّة الصلاة في صورة نسيانفاتحة الكتاب، فضلاً عن صدق لفظ الصلاة عليها، بخلاف قصد القربة فإنّها
(صفحه 309)
روح العبادة، والصلاة بدونه باطلة قطعاً.
ومن الوجوه التي ذكروها للقول بالأعمّ حديث «لا تعاد» الذي يشتملعلى المستثنى والمستثنى منه، وهو قوله عليهالسلام : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس:الطهور والوقت والقبلة والرّكوع والسّجود»(1).
وأمّا الاستدلال به فيتوقّف على ذكر مقدّمة، وهي: أنّه لا يصحّ إضافة كلمة«الإعادة» إلى الصلاة الصحيحة وإسنادها إليها؛ إذ لا معنى لإعادتها بعدمطابقة المأتي به مع المأمور به، وهكذا لا يصحّ إضافتها إلى الصلاة الفاسدةأيضاً؛ إذ لا تكون الإعادة فيها إلاّ بتكرار تلك الفاسدة، ولا أثر في تكرارالصلاة الفاسدة أصلاً، ولا تصير الصلاة صحيحة بإعادة الصلاة الفاسدة، فلمحالة استعملت كلمة «الصلاة» ههنا في المعنى الأعمّ من الصحيحة والفاسدةحتّى تضاف إليها الإعادة وعدمها معاً، فيستفاد منه أنّ كلمة «الصلاة»استعملت ههنا في المعنى الأعمّ.
إن قلت: سلّمنا أنّ كلمة «الصلاة» قد تستعمل في المعنى الأعمّ، وأمّاستعمالها فيه فلا يكون بنحو الحقيقة، بل يكون بنحو المجاز، وإنّما الشكّ فيكيفيّة الاستعمال لا في مراد المتكلّم حتّى يتمسّك بأصالة الحقيقة.
قلنا: إنّ هذا المعنى ممّا لا إشكال فيه، ومعلوم أنّ الاستعمالات المجازيّةتكون من محسّنات الاستعمال، إلاّ أنّ لها محلاًّ خاصّاً ومورداً مخصوصاً، ولحسن فيها في جميع الموارد، بل توجب الفساد والقبح في بعض الموارد، مثلاستعمالها من قبل القاضي في مقام القضاء، وجريان أنواع العقود بها سيّما عقدالنكاح. وهكذا في ما نحن فيه، فإنّ هذا الحديث كان قابلاً للاستناد في موارد
- (1) الوسائل 4: 683، الباب 1 من أبوب أفعال الصلاة، الحديث 14.
(صفحه310)
كثيرة من الفقه، ومورداً لاحتياج الفقهاء في طول الزمان، فكيف تناسب المقامهذه المجازيّة والاستعارة؟! فلا تصل النوبة بعد الاستعمال في الأعمّ إلى السؤالبأنّ هذا الاستعمال يكون على نحو المجاز أم لا.
ويمكن الإشكال على الاستدلال المذكور بأنّ أساس هذا الاستدلال مبتنٍعلى أنّ في الحديث جملتين: إحداهما: جملة نافية ـ أي «لا تعاد الصلاة من غيرهذه الخمسة» ـ والثانية: جملة مثبتة ـ أي «تعاد الصلاة لهذه الاُمور الخمسة» وأنّ كلمة «الصلاة» في كلتا الجملتين على معنى واحد؛ لوحدة السياق، ولكنفي الجملة الاُولى نسبة عدم الإعادة إلى الصلاة لا نفس الإعادة، ولا مانع مننسبة عدم الإعادة إلى الصلاة الصحيحة كما هو المعلوم، فيكون المراد منالصلاة فيها الصلاة الصحيحة.
وأمّا في الجملة الثانية فلم تذكر كلمة «تعاد» مضافة إلى كلمة «الصلاة»،بل المذكور فيها كلمة «إلاّ» واستفيد منها هذا المعنى، فكيف يحكم بأنّه قداستعملت في الرواية كلمة «تعاد» مضافة إلى «الصلاة» وأنّ الإمام عليهالسلام قدأضاف الإعادة إليها، مع أنّ المحور في العلوم الأدبيّة هو اللفظ لا المعنى، ولتكون كلمة «إلاّ» قائمة مقام جملة «تعاد الصلاة» من حيث اللفظ والمعنى معاً؟!
ثمّ أضاف إلى ذلك أنّ لوحدة السياق مورداً مخصوصاً وهو صورة استعمالالجملتين متعاقباً، مثل: «قام زيد» و«قام عمرو» فتقتضي وحدة السياق أنتكون كلمة «قام» في كلتا الجملتين بمعنى واحد.
وأمّا إذا لم يكن كذلك بل عطفت إحداهما على الاُخرى وإن كان العطفبالواو ـ مثل قام زيدٌ وعمروٌ ـ فلم تكن بينهما وحدة سياق؛ لإمكان أن يكونالمراد من كلمة «قام» في الاُولى القيام بعد القعود، وفي الثانية القيام بالسيف.
(صفحه 311)
وقد انقدح من ذلك أنّه لم يكن بين المستثنى والمستثنى منه وحدة سياق أصلاً.
وجوابه: أوّلاً: إنّا لا نسلّم عدم تحقّق وحدة السياق في المثال المذكور، وإليستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى، أو كون المثال مجملاً؛ مع أنّ العرفيمنع من أن يكون بين المثالين فرقاً من حيث المعنى.
وثانياً: على فرض تسليم الفرق بينهما أنّ كلمة «إلاّ» إذا كانت مسبوقةبكلمة «لا» و«ما» فتكون من العناوين الحصريّة، بل كانت من أهمّها، وأنّهيقال في تعريف المفهوم المخالف: أنّه عبارة عن الجملة التي تكون مغايرةللمنطوق في النفي والإثبات، فيستفاد منهما أنّ المفهوم مرتبط بكلام المتكلّموكأنّه صرّح به، ويؤيّده ما يقال في باب التعادل والترجيح من تعارضالمنطوق والمفهوم، كما في قوله عليهالسلام : «إذا خفي الأذان فقصّر»(1) وقوله عليهالسلام : «إذخفي الجدران فقصّر»(2).
ولكن اختلفوا في تحقّق المفهوم وعدمه في القضايا، بخلاف أداة الحصر فإنّتحقّق المفهوم فيها ممّا اتّفق عليه الكلّ، والاختلاف في أنّه جزء المنطوق أم لا،فلا تكون جملة المستثنى في الحديث بمعنى تفسير كلمة «إلاّ»، بل هي ممّا صرّحبه المتكلّم، وكلمة «إلاّ» قامت مقامها من حيث اللفظ، وحينئذٍ إذا كان المعنىفي جملة «تعاد الصلاة» أعمّ من الصحيح والفاسد، فيقتضي وحدة السياق أنيكون في جملة «لا تعاد» أيضاً كذلك.
هذا. ومن الوجوه التي استدلّ بها الأعمّي استعمال الصلاة وغيرها في غيرواحد من الأخبار في الفاسدة كقوله عليهالسلام : «بني الإسلام على خمس: الصلاة
- (1) الوسائل 8 : 470، الباب 6 من صلاة المسافر.
(صفحه312)
والزكاة والحجّ والصوم والولاية، ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذالناس بالأربع وتركوا هذه»(1).
وتقريب الاستدلال بأنّه لا يخفى أنّ المراد من كلمة «لم يقبل» في ذيلالحديث عبارة عن عدم الصحّة، وأنّ الولاية شرط صحّة العبادات، فلابدّ أنتكون ألفاظ العبادات موضوعة للأعمّ ليصدق أخذهم بالأربع، وإلاّ لما كانوآخذين بالأربع، وعلى الوضع للصحيح لا يصحّ القول بأنّهم آخذون بالأربع.
وأجاب عنه صاحب الكفاية(2): أوّلاً: بأنّه لو تمّ الاستدلال المذكور فغايتهإثبات استعمال الألفاظ المذكورة في الفاسدة، وهو غير مثبت للوضع للأعمّالذي هو المدّعى، فإنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، ويمكن أن يكون الاستعمالبنحو المجاز.
ولكنّه ليس بتامّ؛ لأنّ للاستعمال المجازي مورداً مخصوصاً ـ كما مرّ ـ وليسهذا الحديث مورداً له، فإنّه عليهالسلام كان في مقام بيان عظمة مرتبة الولاية، فلوكان المراد من الأربع: «الصلاة والصوم...» المجازي فلا عظمة للولاية، فلمحالة يكون معنى الحديث أنّه لو أنّ أحداً صام نهاره بالصوم الحقيقي... لم يقبلله صوم ولا صلاة.
وثانياً: بأنّه لا نسلّم أن يكون الاستعمال في الحديث للأعمّ؛ إذ لا شكّ في أنّالمراد من الأربع في صدر الرواية هو الصحيح بقرينة بناء الإسلام عليها، فلابدّمن أن يحمل الأربع في الذيل وقوله عليهالسلام : «صام نهاره...» أيضاً على الصحيح،فإنّا نعلم أنّ المراد من الأربع في ذيل الحديث هو الأربع المذكورة في الصدر؛
- (1) الكافي 2: 18، الحديث 3.
- (2) كفاية الاُصول 1: 47 ـ 48.