(صفحه 303)
سواء كان خروجها عن العموم بنحو التخصّص أو التخصيص، ولا نعلم أنّالصلاة الفاسدة هل تكون مسمّـاة باسم الصلاة أم لا، فهذا الاستدلال مبتنٍعلى تحقّق قاعدة كلّيّة تنصّ على أنّه كلّما دار الأمر بين التخصيص والتخصّصكان التخصّص مقدّماً على التخصيص. وهو كما ترى.
مع أنّ أصل الاستدلال بهذه الطائفة من الأخبار مخدوش؛ بأنّ هذا الدليللا ينطبق على ما ادّعاه الصحيحي في محلّ النزاع من أنّ جميع الأجزاءوشرائط القسم الأوّل داخل في محلّ النزاع بخلاف شرائط القسم الثانيوالثالث، مع أنّ الصلاة ما لم تكن واجدة لجميع الأجزاء والشرائط لم تكنمعراجاً للمؤمن، فكيف ينطبق الدليل على هذا المدّعى؟!
فلو قلت: الصلاة الصحيحة من حيث الأجزاء وشرائط القسم الأوّل مؤثّرةفي المعراجيّة.
قلنا: لا شكّ في أنّ الصلاة بدون قصد القربة لا تكون معراجاً للمؤمن.
وإن قلت: الصلاة مقتضية لأن تكون معراجاً للمؤمن.
قلنا: هذا بعينه ما ادّعاه الأعمّي.
فالاستدلال بهذه الأخبار مبتنٍ على أن يكون المدّعي في محلّ النزاعالصحّة من حيث الأجزاء وجميع الشرائط.
وأمّا الاستدلال بالطائفة الثانية من الأخبار التي كانت لها ظهور في نفيالماهيّة لفقدان بعض الشرائط والأجزاء غير الركنيّة، مثل: «لا صلاة إلاّ بفاتحةالكتاب»(1)، وأمثال ذلك بأنّه لا شكّ في دخالة فاتحة الكتاب في صحّة الصلاة،وأنّ تركها عمداً يوجب فساد الصلاة قطعاً عند الصحيحي والأعمّي، فمع
- (1) المستدرك 4: 158، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5.
(صفحه304)
ملاحظة هذا المعنى لابدّ لنا في مقام استكشاف المراد من الجملة المذكورة إمّمن تقدير كلمة «صحيحة» فيها، أي لا صلاة صحيحة إلاّ بفاتحة الكتاب، ولوكان معناها كذلك فلا فائدة في الاستدلال بها، فإنّ توقّف صحّة الصلاة عليهممّا اتّفق عليه الصحيحي والأعمّي معاً، ولكنّ التقدير خلاف الظاهر، مع أنّالطريق لا ينحصر به.
وإمّا من القول بأنّ الظاهر منها نفي الماهيّة والمسمّى بدون فاتحة الكتاب،وهذا لا ينطبق إلاّ على القول الصحيحي، فإنّه يقول بأنّ الموضوع له والمسمّىلكلمة الصلاة هي الصلاة الصحيحة لا غيرها، ويعامل جميع الأجزاء معاملةالأجزاء الركنيّة في دخالتها في المسمّى، بخلاف الأعمّي.
إن قلت: إنّا نشاهد في أشباه ونظائر هذا التركيب أنّه لابدّ من الالتزامبالتقدير والحذف، مثل: «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»(1)، فإنّا نعلمبعدم دخالة وقوعها في المسجد في صحّتها أصلاً، ولم يقل أحد بفساد صلاةجار المسجد ما لم يصلِّ فيه، فاستعمل هذا التركيب في نفي الصفة، مثل الكمالونحوه، لا نفي الماهيّة والحقيقة، فتقديره: لا صلاة كاملة لجار المسجد إلاّ فيالمسجد، وإذا كان الأمر هنا كذلك فيقتضي اتّحاد السياق بين الجملتين أنتكون في نوع هذه التعبيرات كلمة تناسبه محذوفةً، نحو كلمة «صحيحة» فيجملة «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب».
قلنا: إنّ نفي الصفة ممنوع حتّى في مثل: «لا صلاة لجار المسجد إلفي المسجد»، بل استعملت كلتا الجملتين في نفي الماهيّة والحقيقة، إلأنّ نفي الماهيّة تارة يكون على وجه الحقيقة، مثل: «لا صلاة إل
- (1) المستدرك 3: 356، الباب 2 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1 و 2.
(صفحه 305)
بطهور»(1)، واُخرى على وجه الادّعاء والمبالغة، مثل: «لا صلاة لجار المسجدإلاّ في المسجد» كما قال به السكّاكي في باب الاستعارة من المجازات.
والشاهد عليه أنّه لو فرضنا تقدير كلمة مثل: «كاملة» فإنّه لا يدلّ علىالمبالغة، ولا حسن في هذا الكلام، مع أنّ الغرض فيه إلقاء نكتة مهمّة بأنّه لابدّمن شدّة الارتباط بين المسجد وجاره، بحيث لو لم يصلّ في المسجد لما كانتصلاته بصلاة، وإلاّ فلم لا يقال من الابتداء: لا كمال لصلاة جار المسجد إلاّ فيالمسجد، ولم لا يقال في زيد أسد: زيد كثير الشجاعة. هذا تمام الكلام فياستدلاله بهذه الطائفة من الأخبار.
ولكن يرد عليه: سلّمنا أنّ نفي الحقيقة قد يكون على وجه الحقيقة وقديكون على وجه الادّعاء والعناية، وأنّ نفي الحقيقة في جملة: «لا صلاة لجارالمسجد إلاّ في المسجد» يكون على نحو العناية والادّعاء، إلاّ أنّ الكلام في أنّهما الدليل على أن يكون نفي الحقيقة في جملة: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» علىنحو الحقيقة؟ ويمكن أن يقال: إنّه أيضاً يكون على نحو العناية.
نعم، يصحّ الاستدلال بهذه الرواية لو أثبتنا من الخارج مع قطع النظر عنهذه الأخبار أنّ كلمة الصلاة وضعت لماهيّة الصحيحة، ولكنّ المفروض إنّنستدلّ به بنفس هذه العبارة.
ويمكن أن يقال في مقام الدفاع عن صاحب الكفاية: إنّ السكاكي وإن قالفي باب الاستعارة: إنّه لا يكون فيها استعمال في غير ما وضع له أصلاً، سواءاُريد من كلمة «الأسد» الحيوان المفترس أم اُريد به الرجل الشجاع، وأمّا إناستعملت عنده جملة: «رأيت أسداً» بغير القرينة، فلا شكّ في أنّه يحملها على
- (1) الوسائل 1: 245، الباب 1 من نواقض الوضوء، الحديث 1.
(صفحه306)
المعنى الحقيقي بحكم أصالة الحقيقة.
وبعبارة اُخرى: أنّ الاستعارة وإن لم تكن استعمالاً في غير ما وضع له إلأنّه لابدّ لها من القرينة، وإلاّ تحمل على الفرد الحقيقي، وهكذا في ما نحن فيهبأنّ النفي في جملة: «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» يحمل على نفيالحقيقة الادّعائيّة بمقتضى القرينة، وأمّا في جملة: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»فلا قرينة حتّى يحمل عليه، ولذا يحمل النفي فيها على نفي الحقيقة حقيقة بحكمأصالة الحقيقة.
ولا يخفى أنّ هذا الكلام ليس بتامّ؛ لأنّ جريان هذا الأصل مختصّ بمواردالشكّ في مراد المتكلّم، كما في مثل: «رأيت أسداً»، وأمّا في مثل: «لا صلاة إلبفاتحة الكتاب» فلا شكّ في مراد المتكلّم، وأنّ فاتحة الكتاب دخيلة في الصحّةكما هو أساس الاستدلال على ما مرّ، إنّما الشكّ في دخالة فاتحة الكتابوأمثالها في المسمّى وعدمها، وهذا ليس محلّ التمسّك بأصالة الحقيقة.
وأمّا الدليل الرابع للصحيحي ـ على ما ذكره في الكفاية ـ فهو: إنّا نقطع بأنّطريقة المخترعين من العقلاء إذا اخترع أحدهم مركّباً ذا أجزاء وشرائطـ كالسيارة ـ فإنّهم يضعون اللفظ للمركّب الصحيح التامّ الأجزاء والشرائط؛لأنّ حكمة الوضع ـ أي التفهيم والتفهّم بسهولة ـ مترتّبة على التامّ الأجزاءوالشرائط؛ لأنّه منشأ الآثار ومحطّ الأغراض ومورد احتياج الناس فيمحاوراتهم.
ولا يتوهّم أنّ الاحتياج لا يختصّ باستعمال الألفاظ في المركّب الصحيححتّى يدّعي وضعها له، بل الحاجة إلى استعمالها في الفاسد أيضاً موجودة،فالداعي إلى وضعها للأعمّ متحقّق.
(صفحه 307)
فإنّا نقول: إنّ الحاجة المذكورة لم تكن بحدّ تقتضي كون الاستعمال فيالناقص على وجه الحقيقة ليثبت بها الوضع للأعمّ؛ لإمكان أن يكون استعمالهفي الناقص بالعناية والمجاز وتنزيل الفاقد منزلة الواجد، وإذا كان الأمر فيالمركّبات المخترعة كذلك فمعلوم أنّ الشارع لم يتخطّ هذه الطريقة، بل سلكمسلكهم ووضع الألفاظ لخصوص الصحيح.
وفيه: أوّلاً: أنّ صريح الوجدان يحكم بعدم كون إطلاق كلمة «السيارة» علىفاقد جزء من الأجزاء على وجه العناية والمجاز، بل يطلق على الواجدوالناقص بنحو الحقيقة، كما نشاهده في محاورات الناس.
وثانياً: أنّ الحاجة للاستعمال في الفاقد والفاسد أوفر وأكثر من الحاجةللاستعمال في الصحيح؛ لأنّ للفاسد أبعاداً مختلفة بتعداد الأجزاء والشرائط،ويؤيّده كثرة السؤال والجواب عن العبادات الفاسدة في الاستفتاءات ونحوها،وأمّا للصحيح فبعد واحد، ولا احتياج فيه إلى السؤال كما هو معلوم، فلعلّالأعمّي يتمسّك به واستفاد منه لإثبات قوله، وأنّ هذا دليل لوضع الألفاظللأعمّ؛ بأنّ حكمة الوضع عبارة عن حاجة الاستعمال، وهي تقتضي وضعهللأعمّ.
مع أنّ أساس القول بالصحيح مبتنٍ على تخطّ الشارع عن طريقة العقلاء فيمقام الوضع والتسمية، فإنّ العقلاء حين الوضع يلاحظون جميع الأجزاءوالشرائط، ويضعون اللفظ لجميعها.
وأمّا الصحيحي فيدّعي أنّ الشارع وضع اللفظ للأجزاء وشرائط القسمالأوّل، وأمّا شرائط القسم الثاني والثالث فلا دخل لهما في المسمّى والموضوعله، وهذا يستلزم أن يكون استعمال لفظ الصلاة في الصلاة الفاقدة لقصد القربة