(صفحه320)
في جانب التكليف التحريمي، إلاّ أنّ ترك الواجب كفعل الحرام يوجباستحقاق العقوبة.
فبان من جميع ما ذكرناه إلى هنا أنّ الصلاة في الحمّام لم تكن باطلة؛ إذ ليصدر من الناذر إلاّ مخالفة دليل الوفاء بالنذر، وهو تكليف وجوبي لا يتّصفبالحرمة ـ كما مرّ آنفاً ـ ويستحقّ العقوبة؛ لعدم وفائه بالنذر، لا لإتيانه الصلاةالمنهي عنها في الحمّام، فالصلاة لم تكن منهي عنها حتّى على القول الذي فسادهأظهر من الشمس، وهو: أن يكون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضدّه العامّـ أي الترك ـ وأن تكون كلمة «الاقتضاء» بمعنى العينيّة، ومعناه أن يكون الأمربالشيء عين النهي عن ضدّه؛ لأنّ البعث والتحريك إلى المأمورِ به، والنهيوالزجر عن المنهي عنه من المعاني المتضادّة، ولا يعقل ادّعاء العينيّة بينهما.
وعلى فرض صحّة هذا المبنى فإنّه لا يفيد في ما نحن فيه، فإنّ الأمر متعلّقبالوفاء بالنذر، فلو كان الأمر به عين النهي عن ضدّه يكون عدم الوفاء منهيّعنه، وهو عنوان كلّي لا دخل له بالصلاة في الحمّام وإن اتّحد معها من حيثالوجود، إلاّ أنّ الحكم إذا تعلّق بالعنوان الكلّي لم يتعلّق بمصاديقه، كما مرّ.
إذن لا طريق لبطلان الصلاة في الحمّام بعد تعلّق النذر بتركها فيه، ولا يصحّاستدلال الأعمّي رأساً.
وأمّا الحقّ في مسألة الصحيح والأعمّ على ما تقتضيه دقّة النظر في أدلّةالطرفين فهو القول بالأعمّ؛ لأنّ أدلّة الصحيحي جميعاً قابلة للمناقشة، بخلافأدلّة الأعمّي، فإنّ صحّة بعضها وتماميّته ليست قابلة للإنكار، كما مرّ تفصيلالكلام في هذا المقام.
(صفحه 321)
(صفحه322)
في ألفاظ المعاملات
بقي امران
الأوّل: في جريان البحث في ألفاظ المعاملات وعدمه
إنّ أسامي المعاملات بمعنى الأعمّ ـ كالبيع والنكاح والإجارة ـ هل تكونموضوعة لخصوص الصحيحة، بحيث يكون استعمالها في الفاسدة منها بنحوالعناية والمجاز، أم تكون موضوعة للأعمّ بحيث إنّ استعمالها في الصحيحوالفاسد يكون بنحو الحقيقة؟ ولكن قبل الخوض في البحث لابدّ من ذكرمقدّمة أشار إليها صاحب الكفاية(1) قدسسره وهي: أنّ جريان النزاع في بابالمعاملات متوقّفٌ على أن يكون الموضوع له في ألفاظ المعاملات عبارة عنالأسباب لا المسبّبات، وإلاّ فلا مجال للنزاع فيها أصلاً.
وتوضيح ذلك: أنّه لا شكّ في تحقّق الأسباب في باب المعاملات كالإيجابوالقبول، وتحقّق المسبّبات المترتّبة عليها كالتمليك والتملّك والزوجيّة وأمثالذلك، فيكون عقد البيع سبباً للملكيّة، وعقد النكاح سبباً للزوجيّة، ومعلوم أنّالأسباب بلحاظ اشتمالها على الأجزاء والشرائط قابلة للاتّصاف بالصحّةوالفساد؛ لأنّها قد تكون واجدةً لجميع الأجزاء والشرائط ولذا تتّصف
(صفحه 323)
بالصحّة، وقد تكون فاقدة لبعضها ولذا تتّصف بالفساد.
وأمّا المسبّبات فهي ليست معروضة للصحّة والفساد، فإنّه مع أنّ الذوقالسليم يأبى عن هذا التعبير فيها لا تشتمل على الأجزاء والشرائط حتّىتكون تامّةً أو ناقصةً بلحاظ واجديّتها وفاقديّة بعضها، فلا تركيب فيها، بلهي من الاُمور البسيطة. هذا أوّلاً.
وثانياً: أنّ المسبّبات ـ كالملكيّة والزوجيّة ـ تكون من الاُمور الاعتباريّةالتي يدور أمرها بين الوجود والعدم؛ إذ الشارع أو العقلاء إمّا يعتبر الملكيّةفتتحقّق، وإمّا لا يعتبرها فلم تتحقّق، فلا تتصف الملكيّة بالصحّة والفساد حتّىفي موارد الاختلاف بين اعتبار الشارع والعقلاء، كما أنّ في البيع الربوي وفينكاح بعض المحارم يدور أمر المسبّب بين الوجود والعدم لا بين الصحّةوالفساد، ولا معنى لاعتباره عند الشارع مع نفي جميع الآثار؛ لأنّ نكاحالمحارم والبيع الربوي غير واقع رأساً عنده، مع أنّ اعتبار المسبّب بهذه الكيفيّةلغو لا أثر له، بل لا ربط لانقسام الملكيّة إلى المستقرّة والمتزلزلة بالصحّةوالفساد، كما لا يخفى.
والحاصل من كلام المحقّق الخراساني قدسسره (1) أنّه إذا قلنا بأنّ الموضوع لهلألفاظ المعاملات هو الأسباب ـ بمعنى أنّ البيع هو العقد المؤثّر في التمليكوالتملّك، والنكاح هو العقد المؤثّر في الزوجيّة ـ فيجري النزاع الصحيحيوالأعمّي.
وأمّا إذا قلنا بأنّ الموضوع له هو المسبّبات ـ بمعنى أنّ البيع هو التمليكوالتملّك والنكاح هو التزويج والتزوّج ـ فلا مجال لجريان النزاع رأساً.
(صفحه324)
ثمّ قال: لا يبعد دعوى أنّه كما أنّ ألفاظ العبادات موضوعة لخصوصالصحيحة فكذلك ألفاظ المعاملات موضوعة لخصوص الصحيحة، وأنّالموضوع له هو العقد المؤثّر لأثر كذا شرعاً وعرفاً.
ولكن ربما يقال: إنّ بين العبادات والمعاملات فرقاً واضحاً، فإنّ كلاًّ منالصحّة والفساد في العبادات منوط بنظر الشارع، ولا دخل لنظر العقلاء فيهمههنا، بخلاف المعاملات فإنّها بلحاظ شيوعها بين العقلاء وكثرة ابتلائهم فيهقد يقع الاختلاف بين الشرع والعُرف في بعض الموارد، كالبيع الربوي، فإنّهصحيح بنظر العرف والعقلاء وفاسد بنظر الشرع، وهكذا في سائر العقود، فإذقلنا: إنّ الموضوع له لألفاظ المعاملات هو خصوص الصحيحة فالمقصود منالصحيحة هي الصحيحة عند العرف أو الشرع؟
وقال المحقّق الخراساني قدسسره (1) في مقام الإجابة: بأنّ هذا الاختلاف بينالشارع والعقلاء لا يرجع إلى الاختلاف في معنى الصحيح، بل يكونالاختلاف في محقِّق الصحيح ومصداقه، وكلاهما قائل بأنّ البيع ـ مثلاً ـ هوالعقد المؤثّر في الملكيّة، إلاّ أنّ العرف قد يشتبه في تطبيق الصحيح الذي هوالموضوع له على مالا يكون مؤثّراً واقعاً، والشارع يخطي العرف فيما يراهصحيحاً وينبّهه على خطائه، فلا يرجع هذا الاختلاف إلى الاختلاف فيالمعنى.
ولكن أشكل عليه اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ(2) بأنّ كيفيّة دخالةعنوان الصحيح في الموضوع له بأيّ نحو كان يوجب الإشكال، فإنّه لو قلن
- (2) تهذيب الاُصول 1: 87 ـ 88 .